بقلم : مراسلة خاصة – الجزائر- swissinfo.ch
لم يعُد خافيا على غالبية الجزائريين، أن “حرب المواقع” ما بين الرئيس، شِبه المشلول عبد العزيز بوتفليقة، وبين مصالح الأمن والإستخبارات العسكرية بالإضافة إلى المديريّات المركزية للجيش من جهة أخرى، تتفاعل يوما بعد يوم.
يبدو أن الهدف يتمثل، طبقا لقراءة متأنية في تفاصيل التعديل الحكومي الأخير، في “التأثير المباشر” على عملية انتخاب الرئيس المقبل للجزائر التي يُفترض أن تتم بعد أقل من 280 يوما، وعلى وجوب تعهُّـده بـ “عدم المساس بعائلة بوتفليقة أو أقرب المقرّبين إليه”، إذا ما فاز في الإنتخابات الرئاسية، ومن المتوقّع أن يحصُل هذا على حساب العديد من العاملين في الإستخبارات العسكرية إضافة إلى مُدراء عسكريين مركزيين لا يرغبون لا في بوتفليقة الآن، ولا في تدخّله لاختيار الرئيس المقبل.
تسوية حسابات؟
في لقاء خاص مع ثلاثة عسكريين شبان، رفضوا الكشف عن هوياتهم وطلبوا أن يُشار إليهم بـثلاثة حروف، “أ” للعقيد، وبـ “ب” للرائد، و بـ “ت” للنقيب، أجمعوا على أن تعيين الثمانيني قايد صالح على رأس وزارة الدفاع، حدث على أساس رغبة الرجل في “الإنتقام من قادة الجيش”، الذين أهانوه – حسب رأيه – عندما كان سلفه عبد المالك قنايزية قائدا عاما لهم، وهمّش قايد صالح بسبب “رغبته في الغِنى الفاحش واستغلال نفوذه في غير مصلحة الجيش والوطن”، حسب هؤلاء العسكريين دائما.
من جهة أخرى، أفاد العسكريون الثلاثة أن قايد صالح “أعَـدّ قائمة من قادة عسكريين ورجال مخابرات، يجب التخلّي عنهم كي لا يعكّروا ما يريده شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة”، الذي يكره هؤلاء القادة ويتوجّس خيفة ممّن سيختارونه من المرشّحين المحتملين، لأنهم أعلنوا في السر والعلن، أنهم سيُحاكِمون سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس على أساس أنهم يملكون أدلّة دامغة تؤكّد، حسب رأيهم، أنه مختلس كبير.
الضربات والضربات المعاكسة
في المقابل، أكّد العسكري “أ”، وهو نقيب في الجيش، أن “المدراء المركزيِّين وقادة الإستخبارات، لن يكونوا لُـقْـمة سائغة” لقايد صالح وسعيد بوتفليقة، كما زعم أن الأيام المقبلة “ستكون حافلة بالضربات والضربات المعاكسة، سيشعر بها المواطن العادي بسبب قوّتها”، على حد تعبيره.
ويضيف الرائد، أي العسكري “ب”، أن قايد صالح سيفاجَـأ بحجم الكُره والسمعة السيئة التي يتمتّع بها داخل المؤسسة العسكرية، وخاصة من أجيالها الشابة التي ترى – حسب زعمه – أن بوتفليقة قد بالغ في تهميش القيادات الشابّة للجيش، بإيحاء مُباشر من شقيقه سعيد.
في الأثناء، يؤكد العسكريّون الثلاثة أن قراءة بوتفليقة وشقيقه سعيد للأوضاع ربما ترتكِز على كُره قايد صالح والجيل القديم، لكل ما هو جديد، ورغبته الجامحة في الإنتقام الشخصي، ويذهبون إلى أنه “يُساعد في نفس الوقت المجموعة الرئاسية في الوصول إلى بعض أهدافها مقابل تحقيق رغبات شخصية دفينة لديه”، على حد قولهم.
مَـن يقتُـل مَـن؟
في نفس السياق، أفاد مُراقبون جزائريون، أن سبب الإستقلالية المُفرطة لجماعة الرئيس وقدرتها على التحكّم في دواليب السلطة التنفيذية، قد يعود إلى حجم ونوعية الملفّات التي يملكها كلّ طرف عن الآخر.
فمن جهة، تشير معطيات متداولة في العاصمة الجزائرية إلى أن المخابرات العسكرية تمسك بملفّات ضخمة حول فساد جماعة الرئيس، ومن جهة أخرى، يردّ جناح بوتفليقة وشقيقه بملفّ المصالحة الوطنية الذي أنقذ الكثير من القيادات العسكرية من المثول أمام المحاكم الدولية بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لما يمتلكه من أدلة على تورّط هؤلاء في تجاوزات أمنية خطيرة في حقّ المدنيين العُزّل خلال تسعينات القرن الماضي، بما يُعرف داخليا بمسألة “مَن يقتُل مَن؟”.
مع ذلك، يرى العسكريون الثلاثة، أن مسألة “مَن يقتُـل مَن؟”، على خطورتها وحساسيتها، لا يُمكنها أن تشكّل السبب الوحيد في جمود القيادات العسكرية وما يظهر أنه تخوّفها من بوتفليقة، إنما يرجع في الأساس إلى ما يحدُث في دول الجوار والمنطقة العربية من ثورات وعدم استقرار، لأن القيادات العسكرية، ورغم علمها بأن بوتفليقة لن يصِل إلى حدّ “هدْم المعبَد فوق رؤوس الجميع”، تتوقع أن شقيقه سعيد، “سيكون قادرا على ذلك” بلا ريب.
إصطياد في مياه عكرة
في الأثناء، لا مفر من انتظار الأسابيع المقبلة كي يتم التحقق من ردود الأفعال من كلّ جهة، نظرا لأن “الحرب” القائمة بين الطرفين ضَـروس بكل ما تحمله الكلمة من معان، خاصة وأن وزير الداخلية السابق دحّو ولد قابلية، قد أزيح فيما يبدو إلى الأبد بعد أن عُـوِّض برئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، الذي أصبح يتحكّم الآن، حسب رغبة الرئيس بوتفليقة، في الإدارة الجزائرية ووُلاتها.
غير أن المسألة مُعقّدة بعض الشيء، فالإدارة الجزائرية مُمتزجة مع المُوالين للجيش والمخابرات، فيما يواجه وُلاة الأقاليم منذ فترة معارضة خفيّة ومُعلنة، إضافة إلى أنه لن يكون من السّهل إقناع مُواطنين يُعانون من الفقر والحِرمان بـ “لُعبة سياسية” قد تؤدّي إلى اندلاع أعمال عُنف، خاصة بعد أن تردّد في بعض الأوساط أن مصالح الشرطة قد تكون ضبطت مَن يُعرَفون بـ “بلطجية جزائريين” يدعمهم حسب نفس المزاعم بالمال والعتاد، كلّ من سعيد بوتفليقة وعبد العزيز بلخادم، الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني.
في سياق متصل، صرح عبد العزيز رحابي، وزير الإتصال الأسبق والدبلوماسي السابق، أن بوتفليقة “يصطاد في الماء العَكِر خلال اللّحظات الأخيرة”، وأنه “لن يتمكّن من إنقاذ مُحيطه في حال وفاته أو غِيابه”، إلا أن بوتفليقة يُحاول، حسب رحابي دائما، “بَـذْل كل مجهود لإنقاذ شقيقه والمقرّبين منه”.
ومن خلال بعض الوزارات الأخرى التي شملها التغيير (مثل عمار غول، وزير الأشغال العمومية الذي حُـوِّل إلى وزارة النقل بعد تعويضه بمدير مركزي عمل معه في وزارة الأشغال العمومية طيلة عشرة أعوام)، ما يعني – حسب مراقبين – أن الرئيس بوتفليقة يُريد أن تكون إنجازات النّقل والأشغال العمومية ظاهرة للعيان كي يُبرز إنجازاته أمام الجزائريين في الفترة المقبلة.
مراسلة خاصة – الجزائر- swissinfo.ch