يتبارى اللبنانيون في استنكار “الاعتداء” الأوروبي على “حزب الله” إلى حد يعتقد المتابع أن لا خلاف معه، لا في الشؤون الكيانية، ولا في الحدث السوري، وبعده الإقليمي، وخروجه على منطق الدولة، وانتحاله أدوار الدولة نفسها.
لكن الحزب لا يستوقفه ” التضامن الوطني”، بل يدفعه إلى مزيد من الاستكبار على خصومه، الذين بدوا كالمصاب بـ”متلازمة استوكهولم” الشهيرة: لا يوافقون على أنشطته خارج مقاومة العدو الإسرائيلي، المعلقة حاليا على باب مجلس الأمن وقراره 1701، لكنهم لا يريدونه أن يعاقب أوروبيا، ولو أن تجارب “نابضة” له لا تشي ببراءة قاطعة في عملية “بورغاس” البلغارية.
يؤشر إلى ذلك أمران: الأول أن أمينه العام، لم يتبرأ، في خطابه الأخير، من العملية، كونه اعتاد الصدق مع جمهوره، وهو السبب نفسه الذي ألزمه بألا ينكرها، والعكس كان سيكون صحيحا. الأمر الثاني هو “مغامرة” مجموعة محمد يوسف منصور، المعروف بسامي شهاب، التي كشفت في مصر، قبل سنوات ، وتبين أن مهمتها الموؤودة كانت مراقبة قناة السويس لاستهداف بواخر اسرائيلية. يومها لم ينف الأمين العام العلاقة مع المجموعة، وجمّل مهمتها.
في الحالتين ما لا يبث الإطمئنان إلى أدوار الحزب ما وراء الحدود، خصوصا أنه لا يخفي التزامه الإقليمي، ويؤكده كلما شعر بتواريه خلف “لفتات” وطنية قد يبادر إليها في غفلة من الزمن الإيراني، ولا يتأخر تبيّنها تنازلات تكتية، انتظارا لانقضاض (السين- سين الراحلة).
وهل أوضح وأفضح من دوره في نصرة النظام السوري على شعبه، والمجازر التي يرتكبها وحلفاءهما من طبعة الحزب العراقية واليمنية، وفوقها الإيرانية ، ومعها الباكستانية، والمرامي البعيدة لحرب تطهير سكاني تمتد من القصير إلى حمص، وربما ما بعد، بعد، حمص؟
وهل من المصادفات المعبّرة أن الأشهر نفسها من السنة الراهنة التي شهدت المجازر السورية، وكثير منها لمّا يشهر كفاية بعد، هي الأشهر نفسها التي شهدت قبل 65 سنة مجازر اليهود في حق الفلسطينين، من مذبحة قرية بلد الشيخ في نهاية عام 1947، إلى مذابح سعسع، وكفر حسينية، ودير ياسين، وبيت داراس.
وهل من المصادفات المعبّرة أن إرادة المنفذين، في الحالتين، واحدة هي بث الذعر بين السكان لدفعهم إلى إخلاء مناطقهم، عن طريق الفظاعات بحق النساء والأطفال والمتقدمين في السن، ونشر الأنباء عنها، والحصار بالنيران، والأسلحة الكيماوية، لقرى استراتيجية معينة لإخلاء منطقة بكاملها.
حين يتضامن اللبنانيون في رفض اتهام الحزب، يقفزون فوق كل الاعتبارات ويحاولون حمايته كمكون لبناني يحرصون على التفاهم معه على مستقبل البلد. لكن يستكبر الحزب عليهم ليؤكد أنه لا يراهم سوى خانعين في بلد يريد أن ينفرد في تقرير مستقبله.
خطان لا يلتقيان.
rached.fayed@annahar.com.lb
بيروت