ترجمة وتحرير: مصطفى إسماعيل
قبل سنة من الآن تماماً وفي حملة آنية, سحب الرئيس السوري بشار الأسد قواته من المناطق الكردية في شمال البلاد.
وكان الأسد بتركه شمال البلاد للكرد إنما يتخذ خطوة تكتيكية لزج طاقته وقوته العسكرية في مراكز الصراع الأكثر تأزماً. وكانت خطوة الأسد مشابهة لخطوة حزب العدالة والتنمية (الحاكم في تركيا منذ 2002) في دعمها العسكري للجيش السوري الحر.
وقد انتهى هذا الانسحاب بسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD التابع لحزب العمال الكردستاني على غالبية المناطق ذات الغالبية السكانية الكردية المحاذية لتركيا على طول 900 كم, وكانت مجموعات حزب PYD التي تدين بالولاء لعبد الله أوجلان السجين في جزيرة ايمرالي يرفعون أعلام حزب العمال الكردستاني (أعلام حركة المجتمع الديمقراطي TEVDEM ) على الدوائر الحكومية في تلكم المناطق, وقد تسببت هذه الأعلام وقبل أسبوعين في أن يعيش قادة تركيا الصدمة مجدداً. فالذي كان قد جرى في شمال العراق بعد حرب الخليج الأولى عام 1991 من بروز حكم ذاتي للكرد على المسرح حينها تحدث اليوم الخطوات الأولى لتأسيس مشابه في شمال سوريا.
الكردي السوري صالح مسلم الذي يترأس حزب الاتحاد الديمقراطي PYD عاش في اسطنبول كطالب سبع سنوات خلال سبعينيات القرن العشرين, لديه إجازة في الهندسة الكيميائية من جامعة اسطنبول التقنية, ويتكلم التركية بطلاقة, ولم يخفِ اشتياقه إلى اسطنبول, وقد أطلق بعد الأحداث تصريحات على شكل رسائل إلى الحكومة التركية والرأي العام يعرب فيها عن أمله في الحوار (مع تركيا).
أريد هنا تكرار ما قلته في لقاء تلفزيوني قبل سنة: لو كان المرحوم تورغوت أوزال (الرئيس التركي الأسبق) الذي هو أيضاً خريج جامعة اسطنبول التقنية حياً, كان يحتمل أن يدعو صالح مسلم فوراً إلى اسطنبول, وليمسك بيده في أول لقاء ويبدأ الحوار معه بهذه العبارة “قل يا صالح, ماذا سنفعل الآن”, لكن قادة تركيا اختاروا طريقاً آخر.
رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وفي لقاء تلفزيوني مع Kanal 24 يوم 25 يوليو / تموز أعرب عن معاداته لهذا التأسيس في شمال سوريا “هذا التأسيس لا يمكن عده تأسيساً من قبل كرد سوريا, بل هو تأسيس تابع لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وفرعه الاتحاد الديمقراطي PYD, طبيعي أن ذلك جزء من مخاوفنا, ولسنا في صدد تجاهل هذا الواقع هناك والاكتفاء بغض النظر”. لا شك أن أردوغان يتكلم هنا عن “التدخل العسكري” قائلاً “لا يمكننا النظر بحرارة إلى أي تأسيس إرهابي, وحقنا الطبيعي التدخل العسكري ضد أي نشاط إرهابي أنى كان هدفه خلق مشاكل لبنية دولتنا”.
إضافة إلى ذلك, فإن رئيس الوزراء أكد أن المعارضة السورية أيضاً تقابل هذا التأسيس الكردي ببرود, قائلاً “نحن ندعم هذه المقاربة لقوى المعارضة”, وكان (أردوغان) بذلك يوجه رسالة على أنهم بصدد التحرك مع جماعة الإخوان المسلمين التي تقود المعارضة والجيش السوري الحر ضد حزب الاتحاد الديمقراطي.
ولا شك أن هذا الموقف هو امتداد للموقف الذي اتخذته أنقرة قبل سنة, حيث رفضت الرد على دعوات صالح مسلم للحوار. وكانت إشارة الخرق الأولى للموقف السابق ما شهده أواخر شهر مايو / أيار ( 2013 ) من لقاءات بين الخارجية والاستخبارات MIT مع قيادات الاتحاد الديمقراطي في القاهرة.
خلال السنة المنصرمة استطاعت العديد من المجموعات المسلحة التي أطلق عليها تسمية “النصرة” وهي تابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة بشكل فعال على عدة مناطق في شمال سوريا, ودخلت في مواجهات عسكرية مع الاتحاد الديمقراطي في عدة مراكز مدن. غالبية مقاتلي هذه المجموعات قادمون من دول إسلامية إلى سوريا, وهم أيضاً يعبرون من تركيا إلى المناطق الكردية السورية, وهم يستفيدون من التسهيلات اللوجستية المهمة على طول الحدود مع سوريا. بمعنى ما, فإن المجموعات الأصولية المتطرفة المحمية من الدولة التركية تشن صراعاً من أجل الهيمنة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا, وكانت أوساط الاتحاد الديمقراطي مصرة على أن تركيا تستخدم جبهة النصرة ضدهم.
المنطقة التي شهدت المواجهات الأكثر بين الاتحاد الديمقراطي وجبهة النصرة هي مدينة رأس العين التي تقع مقابل مدينة جيلان بينار التابعة لولاية شانلي أورفه. وقد استولى الاتحاد الديمقراطي قبل أسبوعين وبنتيجة الاشتباكات على المدينة, وقد نصب حزب الاتحاد الديمقراطي علمه (يقصد علم وحدات حماية الشعب الذراع العسكري للحزب, واستبدل العلم بعلم الهيئة الكردية العليا) على المبنى العالي مقابل الحدود مع تركيا بدلاً من علم الجيش الحر (يقصد علم سوريا الاستقلال) ما أسهم في تراجع تركي عن الاتحاد الديمقراطي مجدداً, وقد تشابه الموقف مع ما جرى قبل عام مع البيانات شديدة اللهجة التي صدرت حينها.
بعد كل تلك البيانات شديدة اللهجة غيرت أنقرة موقفها من صالح مسلم 180 درجة, ودعته رسمياً إلى اسطنبول, لكن ماذا تعني الزيارة ليومين التي قام بها صالح مسلم خلال الأسبوع الماضي من زاوية السياسة التركية في سوريا؟ لنبحث عن جواب لهذا السؤال.
• المصدر : صحيفة حرييت التركية.