تثاءب التاريخ وتأفف تحت قبة الكرملين، الأسبوع الماضي، خلال المؤتمر الصحافي المشترك والمملّ للرئيسين فلاديمير بوتين وفرنسوا هولاند، ولم يكن ينقصه إلا سماجة سيد المكان في التذكير بالفودكا سبيلاً للقول إنه يهزأ من آراء فرنسا حول المسألة السورية، وهو ربما يودّ انتظار سيد البيت الابيض في الكرملين في سبتمبر/أيلول المقبل، للانتقام من هزيمة الحرب الباردة وتكريس روسيا «المقدسة» قوة عظمى من جديد عبر البوابة السورية.
في انتظار ذلك، سيسعى فلاديمير بوتين إلى الإثبات أنه ليس لاعب جودو فحسب، بل إنه أيضا لاعب شطرنج في السياسة. وكأن القياصرة وستالين وبريجنيف وغورباتشوف سيحضرون في مسرح مفترض إلى جانب الإسكندر المقدوني وسلاطين بني عثمان ونابليون وديغول وميتران وروزفلت وتشرشل وريغان وجورج بوش الأب في مبارزة ونزاع مصالح في حروب روسيا التي تركت أثارها دوماً في رسم التوازنات العالمية.
منذ صيف 2008، بدأ بوتين، الذي كان رئيس الوزراء آنذاك، رحلة العودة الروسية إلى المسرح العالمي انطلاقاً من الحرب الروسية ـ الجورجية.
حسب وجهة نظر موسكو، لم تكن تلك الحرب، سوى نقلة واحدة في لعبة شطرنج استهدفت احتياطات الطاقة في آسيا الوسطى، وتوسيع حلف شمال الأطلسي ليصل إلى حدود روسيا، ووضع حد للنفوذ الروسي في البحر الأسود. ودوماً حسب موسكو، لم تكن جورجيا إلا أداة في لعبة تتعداها. بناء على هذا التصور شنَّت روسيا هجومها المعاكس من القوقاز إلى البلطيق، لتستهدف مواجهة واشنطن ومنعها من تهديد الجوار الروسي القريب، ولتُحبط المس بمصالحها في القوقاز ودورها في سوق الطاقة.
بيدَ أنه خلال ولاية باراك اوباما الاولى (2008- 2012) جرى تبريد الوضع بعد قيام موسكو بنقلة جديدة في لعبة تفاوضية، إذ إنّ التلويح بنشر صواريخ ألكسندر في شريط كالينينغراد المطل على البلطيق، كان بمثابة رسالة للإدارة الأميركية الجديدة لتفكك أو تعدل منظومة الدرع الصاروخي، وبالفعل قام أوباما بخطوات من أجل إزالة القلق الروسي حول هذه المنظومة ودفع في اتجاه تجديد معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية، لكن ذلك لم يكن كافيا لتعتبر روسيا أنها تعامل باحترام من الندّ السابق خصم الحرب الباردة.
في خضمّ احتدام إعادة التشكيل المتعثرة للنظام العالمي بعد الأزمة المالية الكبرى ونكسة الأحادية الأميركية من العراق إلى أفغانستان، أتت التحولات في العالم العربي لتلقي بظلها على شبكة العلاقات الدولية. كما غيرها من كبار اللاعبين، أُخذت موسكو على حين غرة في تونس ومصر وشكت من خداعها في الملف الليبي.
وتزامن بدء اختبار القوة السوري مع تمركز بوتين في الكرملين من جديد وكان قراره في ممارسة لعبة “الروليت” مع العالم، ليس لأنها جزء لا يتجزأ من الثقافة الروسية فحسب، وليس لأنها لعبة رهان لمن لا يخشى الخسارة مبدئياً، بل لأنها لعبة على عكس الشطرنج ليس فيها مرونة ولأنه متيقّن من عدم رغبة اللاعب الأميركي في اللجوء للمقامرة والمغامرة، وها هو الشعب السوري يقع تحت رحمة لعبة الروليت الروسية حيث لا يعلم مكمن وموقع الرصاصة القاتلة أو البرميل المتفجر المرمي من الجو أو صاروخ السكود العابر.
مع أمله في كسب الرهان، يأمل القيصر الجديد بوتين بتحقيق حلم القياصرة في الوصول إلى المياه الدافئة، وتركيز النفوذ على حساب تراجع الدور الأميركي وترهل الأدوار الأوروبية، وفي تناغم مع العلاقة القوية المستجدة بين روسيا وإسرائيل. ويصل الأمر ببوتين وفريقه إلى التركيز على مهمة روسيا في حماية الأقليات والتصدي للمد الإسلامي، إضافة إلى التنافس الودي مع واشنطن على حماية أمن إسرائيل.
ضمن الاشتباك الإقليمي ـ الدولي الواسع من سوريا إلى الخليج وأفغانستان، لا يغيب عن بال بوتين أهمية سلاح الطاقة في هذه المنطقة من العالم، لأن الحوض الشرقي للمتوسط الواعد بثروة الغاز وأمن طرق خطوط أنابيب الغاز والنفط سيؤثران في موقع روسيا في سوق الطاقة. لكل هذه الأسباب، تعمل روسيا بكل قوة للحفاظ على نفوذها في الساحة السورية.
من الناحية التجارية المحض، تبقى أرقام المبادلات الروسية – السورية متواضعة (ولو أنّ تجارة السلاح مستمرة) لكن التراجع في سوريا سينعكس على العلاقة مع إيران وعلى ميزان القوى مع اللاعبين الدوليين الآخرين.
إذن، يصعب على بوتين التسليم بخسارة كبيرة وهو يستفيد من عدم وجود ندّ دولي ليقارعه على الساحة، لذا يعود الرئيس الروسي إلى منطق الحرب الباردة وأدواتها عبر تحريك الأساطيل والخبراء.
تصر روسيا على قراءتها لاتفاق جنيف وتطلب بالمختصر أن تأتي المعارضة السورية صاغرة ومستسلمة لطاولة الحوار. وعلى عكس ما يشاع، لم تسلم واشنطن وباريس وباقي “أصدقاء الشعب السوري” بهذه المعادلة، ولذلك على الأرجح فإن المأساة السورية ستمدد خلال الاشهر التي تفصلنا عن الانتخابات الإيرانية الرئاسية وعن لقاء أوباما – بوتين في حزيران المقبل على هامش قمة الثماني.
على المدى المتوسط، ستكون الورطة الروسية كبيرة في مساندة النظام السوري. لقد وقعت موسكو في مستنقع الحرب على الشعب السوري، فلا هي قادرة على إخراجه من المستنقع، ولا هي قادرة على الخروج من دون خسائر من تلك الورطة على طريقة الروليت.
khattarwahid@yahoo.fr
جامعي وإعلامي لبناني- باريس
الجمهورية
«الروليت» الروسية على الساحة السوريةالطفل الذي أنكره بشار الاسد http://www.youtube.com/watch?v=-s3xOuU-IYQ شيخ من الرقة يلبس البشت من جديد بعد أن خلعه في العام 2011 http://www.youtube.com/watch?v=9VeD0XLA8g8 آخر أكاذيب الأسد: أنا معقل العلمانية الأخير! عبد الرحمن الراشد صورة الخامنئي والخميني تحت أقدام الجيش الحر-الرقة4-3-2013 http://www.youtube.com/watch?v=AC_eid8m0ZI معاذ الخطيب ينشد بين عناصر الجيش الحر – منبج 3 3 2013 http://www.youtube.com/watch?v=mkLR0zCtjFY • 1:29 قصة بطولية يرويها أبطال الجيش العربي السوري مترجم • 4:17 شيخ عراقي يهدد جيش المالكي بعدم الاعتداء على سورية by Norasaman9•14 hours ago•2,794 views لمتابعة شبكة نورا نيوز الاخبارية على الفيس بوك http://www.facebook.com • NEW • 3:13 أبو عبد الرحمن : الرقة أول… قراءة المزيد ..