مقتطفات من مقابلة “علي الحسيني” مع الشيخ صبحي الطفيلي:
أمس الأول عاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله وأكد أن الشباب الشيعة الذين يسقطون في مواجهة الجيش السوري الحر هم شهداء. كيف تردّون على هذا القول؟
– هو قال الدفاع عن النفس حق، ومن المؤكد أن الدفاع عن النفس واجب لكن موضوع تشخيص الدفاع متى يكون المرء في وضعية الدفاع عن النفس ومتى يكون في وضعية المُعتدي هذا أمر يجب أن يتحقق منه الإنسان قبل أن يقول إن هؤلاء في موقع الدفاع أم لا. وهنا أحب أن إشير إلى أن جزءاً مهماً من مقاتلي “حزب الله” في المناطق السورية ليسوا من هذه المناطق وإنما هم من شبابنا وقرانا من البقاع وبيروت والجنوب وكل شباب الحزب يعرفون ذلك فهم يذهبون إلى سوريا للقتال ثم يعودون في إجازاتهم ويتحدثون عن أخبار سوريا وما يحصل معهم هناك، وأنا أستغرب كيف يمكن للمرء أن يُطل عبر التلفزيون ليقول إن هؤلاء لبنانيون يعيشون في مناطق تقع في الداخل السوري، وماذا يمكن للذي يذهب للقتال في سوريا أن يقول وهو يسمع هذا الكلام…
وأنا متأكد أن شباب المقاومة هم اليوم في حالة مأسوية. فمن جهة هم ملزمون أن ينفذوا الأوامر ويذهبوا للقتال في سوريا ومن جهة أخرى هم يقفون مليّاً أمام دينهم وضمائرهم وأخلاقهم. ثم لنفترض أن المقاتلين الشيعة هؤلاء من سكان سوريا وبعضهم يحمل هويات لبنانية، ألا يحق لنا أن نسأل ما إذا كان هذا القتال بسبب اصطفافنا إلى جانب النظام السوري ونحن من فرض على هؤلاء الشباب المساكين الموجودين في سوريا الاضطفاف معنا؟
أتمنى أن يفكر كل منا بهدوء لأن هناك آخرة وحساباً وكل دم يسقط في سوريا يتحمله المسؤول عن هذا الدم، واليوم إذا قررت إيران و”حزب الله” أن يقفوا على الحياد فأنا أضمن ضماناً حقيقياً ألا يؤذى أحد من الشيعة في سوريا.
كيف هي علاقتك اليوم مع القيادة الإيرانية وأيضاً قيادة “حزب الله”؟ ولماذا خرجت من الحزب؟
– منذ ما يقارب 20 عاماً لم أذهب إلى إيران، أما لجهة علاقتي بالإيرانيين فبالتأكيد هناك أحبّة وأصدقاء كثر لي بينهم لكن ظرفي وظرفهم لا يسمح لنا باللقاءات. و”حزب الله” في تفكيرنا هو ليس تنظيماً بل إسلام والإنسان يدخل في الإسلام على أساس النطق بالشهادة، أما كتنظيم فإن الإيرانيين أرادوا أن يستثمروا الحزب في كل الاتجاهات، وبحكم أننا كنا نستفيد من بعض الضباط الإيرانيين لخدمة قتال العدو الإسرائيلي، كان يمنحهم ذلك فرصة فتح جبهات قتالية مع أكثر من فريق وجهة في لبنان، سواء جهات فلسطينية أو لبنانية، في الجنوب أو في بيروت. وكانت الأمور تحتدم بيننا وبينهم ويتوتر الوضع ويصل إلى التهديد حتى يغلقوا حروبهم بعد أن سقط العديد من شباب الحزب في هذه الحروب الآثمة.
اليوم يعجز الشباب الطيب في “حزب الله” وهم كثر عن مواجهة الإيراني الذي يستثمر الحزب في مواجهة الشعب السوري. وأتوجه إلى الإيراني بالقول عودوا عن هذا الخطأ القاتل لأن ما يجري في سوريا لا علاقة له بالدفاع عن النفس والممانعة وتحرير القدس. فالنظام السوري يقتل الرجال والأطفال والنساء ويسحق شعبه بالطائرات ورغم ذلك أستغرب من البعض الذي يعلن وقوفه إلى جانب هذا النظام. لا أعتقد أن هناك عاقلاً يستطيع أن يبرر مشاركتنا في قتل الشعب السوري.
ماذا يجري اليوم في سوريا, هل هي حرب الدول الأخرى أو أنها حرب مذهبية؟
– نحن نعرف أن المعارضة في سوريا مكبوتة ومقهورة منذ زمن بعيد وممنوع عليها أن تحلم، كما هو حال شعوبنا التي تعيش في ظل الظلم والاستبداد إلى أن ظهر الربيع العربي وسقطت بعض قلاع الآلهة في عدد من البلدان فوجدها الشعب السوري فرصة لاقتلاع الحاكم، والنظام يدرك أن الشعب ليس معه وأن التظاهرات ستجمع غالب الشعب السوري وستسقطه، لهذا السبب سعى لجر شعبه إلى الساحة التي يعتقد أنه هو الأقوى
فيها وهي ساحة العسكر، واليوم الحرب في سوريا هي بين الشعب والنظام وليست بين السنة والشيعة علماً أن النظام يحاول اللعب على الوتر الطائفي لكي يزرع الخوف داخل الشعب الواحد فيخرج هو الرابح الوحيد. الحقيقة هي أن هناك صراعاً بين نظامٍ ظالمٍ طاغٍٍ مستبٍد وبين شعبٍ محرومٍ مقهورٍ يريد حريته.
هل أنت مع تسليح المعارضة السورية بشكل فعّال؟
– أنا مع رحيل النظام وعودة السلطة للأمة بأقل الخسائر وبالطرق السلمية، وفي حال تعرض الشعب للعدوان والقتل كما يحصل اليوم في سوريا، يحق له الدفاع عن النفس. وكان يمكن للنظام أن يسقط لولا الحماية الإسرائيلية والدولية له حتى الآن، والظاهر مصلحة إسرائيل والكثير من الدول تدمير سوريا أولاً ثم سقوط النظام بيد من يرضى عنهم الغرب الظالم الذي يخاف من ربيع سوري مشابه للربيع المصري.
ما الذي يُجبر “حزب الله” على الوقوف في وجه الشعب السوري، ماذا كنت لتفعل لو كنت مكان نصر الله؟
– “حزب الله” يدرك تماماً أنه فرض عليه الدفاع عن النظام السوري وأنا مطمئن أن قيادة الحزب تعرف أن هذا العمل مسيء وضار جداً ولكن نظراً لعلاقة الحزب المالية وغير المالية مع إيران فهو لا يستطيع مقاومة القرار الإيراني بهذا الشأن ولو ترك الأمر لشباب الحزب لما تورطوا في هذا المستنقع. وأريد أن أسأل الإيراني، ماذا ستجني من هذه الحرب؟ وأين مواقع النفع فيها خاصة وأن حرباً مذهبية في حال وقعت سوف تأكل الجميع، وهو أمر حاصل إذا لم نلجم أنفسنا، وأؤكد أن حرباً كهذه لن ينتصر فيها أحد، وأريد أن أقول إن المقاومة التي أسسناها وبنيناها وعانينا كثيراً لكي تقف على قدميها عندما تنخرط بحرب كما هو حاصل اليوم وتذهب نحو صراع مذهبي فهذا الصراع سوف يأكل رجالها وسلاحها. وأريد أن أسأل هل إن تحرير القدس يمر بالقصير أو بحمص أو بالشام؟ لا يجوز لا يجوز لا يجوز الدفاع عن النظام في سوريا والمشاركة في الفتنة وخدمة العدو الصهيوني.
أما الشق الثاني من السؤال، فأنا سبق أن صححت بوصلة المقاومة في أكثر من مكان حينما انحرف الإيرانيون وأسقطوا الكثير من شبابنا في معارك ليس لها علاقة بالمقاومة. الشيء الطبيعي هو أنه كان يمكن أن نستغل العلاقة مع النظام السوري، وأن ندخل طرفاً في حل الأزمة وتطمين العلويين وغير العلويين والمساعدة لخروج سوريا من النظام الأمني إلى نظام المؤسسات وسلطان الأمة.
[ هل تعتقد أن هناك فتوى شرعية إيرانية هي التي أجبرت “حزب الله” على التدخل في الحرب داخل سوريا؟
– الفتوى لا تصح إلا إذا قامت على دليل شرعي، وأما مجرد جموح المعمم وهواه ورغبته بأمر، لا يحوّل هذا الأمر إلى شرعي، يجب أن تكون الفتوى ضمن ضوابط شرعية فالشرع الإسلامي ألزم المسلمين نصرة المظلومين والإصلاح بين الناس، وطالبهم بالوقوف ضد المعتدي حتى يعود عن عدوانه، وفي سوريا الشعب هو المظلوم، وهل يظنن أحد أن حكم بشار الأسد هو حكم شرعي إسلامي وعادل؟ أي حاكم وحتى الأنبياء لا يحق لهم أن يحكموا بغير ما أنزل الله, والحاكم يجب أن يكون أكثر الناس تقيّداً بالشرع لا دموياً يجيز قتل الأطفال والنساء. نحن في مشاركتنا في الحرب في سوريا فقط نخدم الإسرائيلي ونقتل المسلمين.
من هم الشهداء هل هم الذين يسقطون من “الجيش الحر” أو من “حزب الله”؟
– الشهيد هو الذي يدافع عن المظلوم وعن الإسلام ويحارب في سبيل الله ويلتزم حدود ما شرع الله، فإذا لم تكن هذه صفاته فهو ليس شهيداً، وأما من يعبث بأمن الناس ويقتل بغير حق وينهب الأموال ويزرع الفتن فهذا ليس شهيداً، وأنا أتابع تصرفات بعض المسلحين في المعارضة فهم يؤذون المعارضة، وعلى سبيل المثال المخطوفون اللبنانيون في أعزاز لماذا جرى خطفهم وهل هذا الفعل يخدم المعارضة؟ يجب الإفراج عنهم خدمة للثورة وإنصافاً لهم.
وهنا لا بد أن أسأل، إذا كنا فعلاً حريصين على شيعة لبنان ونحارب في سوريا دفاعاً عنهم، لما لم يظهر هذا الحرص على المخطوفين في أعزاز كما كان الحرص على المخطوفين الإيرانيين خاصة أن الخاطف طالب بالتبادل، فهل يُعتبر مخطوفو أعزاز أبناء جارية والمخطوفون الإيرانيون أبناء”الست”؟ لماذا لم يعملوا على إخراجهم ضمن الصفقة ذاتها التي خرج فيها الأسرى الإيرانيون علماً أن الإيراني بنظر المعارضة أشد إيلاماً من اللبناني، نحن في نظر الإيراني لا نستحق أن يُطلق صراحنا وهذا الأمر يحتم علينا التفكير في طبيعة علاقة بعض الإيرانيين بنا، خاصة وقد ساعدوا أرمينيا على قتل وتهجير المسلمين الشيعة الإيرانيين في آذربيجان لمصالح سياسية.
ماذا تقول للشباب الشيعي في لبنان؟
– أولاً يجب على كل شاب يؤخذ للقتال في سوريا أن يرفض مهما كانت النتائج حتى ولو قُطع راتبه أو طُرد من موقعه فلا يجوز في أي حال مشاركة بشار الأسد ودعمه وتأييده والوقوف إلى جانبه في قتل الشعب السوري وما يحصل اليوم من ذهاب بعض اللبنانيين إلى سوريا حتى ولو كان في قرى شيعية، هو من أبرز عناوين التأييد والمشاركة والدعم للنظام الذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ ويُدمر سوريا. أما بالنسبة إلى الشيعة اللبنانيين الذين يسكنون في سوريا فأقول لهم التالي: بكل وضوح وصراحة، مشكلتكم وما تتعرضون له وما تخافونه سببه سياسة إيران وحلفائها في المنطقة ولو أن إيران أعادت النظر في سياستها، بالتأكيد سوف تكونون في أمان، وأقول لهم أيضاً، إذا أعطيتم ضمانات أنكم ستقفون على الحياد ولن تشاركوا في القتال، أنا أسعى لكم بكل تأكيد لأخذ ضمانات لكم من المعارضة بالرعاية وبعدم الاعتداء. هذا طرح لكل من أراد ألا تكون له يد في الحرب السورية.
كيف كانت علاقتك بعماد مغنية الذي قتل في سوريا ومن برأيك قتله؟
– المرحوم عماد رغم علاقته في حادثة الحوزة في عين بورضاي إلا أنني لا أقف عند الأمور الشخصية وأنا قلت بأنني سامحت وعفوت عن كل أبنائي الذين ارتكبوا خطأ في موضوع الحوزة. وعماد مغنية كان زارني أكثر من مرّة في العام 2005 ورحيله كان مؤلماً جداً بالنسبة إليّ. والحقيقة أنني نصتحه كثيراً بعدم إدارة ظهره لبعض الجهات وفي الكثير من الأحيان كنت أنهاه من أن يوثّق علاقته بالأمن السوري، وربما كان مضطراً أو لم يدرك أخطار علاقته بالسوري.
كيف قرأت مبادرة نصر الله التي دعا فيها إلى اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية؟
– أنا مع هذا الطرح، لأنه من أفضل الطروحات التي تجمع الشعب اللبناني، ورغم أن نصر الله لم يسترسل في الشرح إلا أنه من أفضل الطروحات وأقلها ضرراً، وهناك تفاصيل مهمة تتعلق بهذا الطرح من شأنها أن تطمئن الفريق المسيحي. حين نعتمد النسبية الكاملة مع بعض الضوابط والتفاصيل التي تضمن مجيء عدد أكبر من النواب المسيحيين إلى البرلمان بأصوات الناخبين المسيحيين.
هل تعوّل على لقاء يجمع بين الرئيس سعد الحريري ونصر الله يُخرج البلاد من أزمتها؟
– لا, أنا لا أعوّل على لقاء كهذا لأن الموضوع بات في مكان آخر فالأزمة السورية طغت ونحن ذاهبون إلى توسّع في الحرب والمؤامرة والنزاع إلا إذا عاد العقل إلى رؤوسنا وأردنا أن نلجم اندفاعاتنا وأرادت إيران أن تعيد النظر في سياستها فعندها يمكن أن تحصل لقاءات بين الجميع. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التوافق لا يحصل إلا من خلال جميع الأطراف. وأنا من جهتي أحبذ وجود معارضة تراقب وتُحاكم وتعترض.
نقلاً عن “المستقبل”