ما تقوله الثورة المصرية المتجددة إنها لم تنزل إلى ميدان التحرير، قبل عامين، لاسقاط حسني مبارك، بل لاسقاط النظام الديكتاتوري، ولاحلال الديموقراطية، بدليل أن الغاضبين اليوم يرددون شعارات 2011 نفسها للمطالبة بالحرية وانهاء الاستبداد. وما تقوله إن الثورة الحقيقية ليست انقلاباً يطيح عائلة النظام التي يربط بينها الدم والمصالح الشخصية، لإحلال عائلة تربط بينها عقيدة دينية أو سياسية، أو الاثنتين معاً، فيتغير الديكتاتور وتستمر الديكتاتورية.
وما تقوله الثورة في تجددها، إن مصر تريد نظاماً جديداً يلبي طموحات الطبقة الوسطى وجيل الشباب اللذين يشكلان القاعدة الأوسع في هرم الديموغرافيا المصرية، وهي لم تجد مبتغاها في صيغة “الإخوان المسلمين” للحكم، وعبرت عن تململها في وجه “الإعلان الدستوري” الذي كان خطوة أولى في الدرب إلى تجديد الديكتاتورية، وتاليا إلى إثارة الثورة مجدداً، كما كان أول مؤشر لدور مرشد الإخوان في توجيه دفة الحكم على طريقة الولي الفقيه الايراني، ولكن بتورية لا تخفى على المصريين.
ما تقوله الثورة اليوم في مصر، قالته الثورة في تونس في وجه اسلاميي “حزب النهضة”: لا قبول باستبداد” شرعي” بديلا من ديكتاتورية شبه مدنية، ولا قبول بمصالح فئوية حزبية فوق مصالح البلاد. وما أثبته شباب الثورتين هو أنهم في يقظة دائمة لمنع مصادرة إنجازات الثورتين، وترك “الإسلاميين” في البلدين يحكمون القبض على السلطة، كما النظامين السابقين، بدل السعي إلى حل الأزمة الاقتصادية، فكيف والمنظمات الدولية المتخصصة تؤكد أن “مستوى القمع الذي وصلت إليه مصر العام الماضي ينافس ما كان في عهد مبارك”؟
تجدد الثورة، ولا سيما في مصر، يفرح الحالمين بدخول هذه المنطقة عصر الحريات والديموقراطية وتداول السلطة، ويسقط الفزاعة الاسلامية التي رفعها البعض في لبنان، من شلة 8 آذار، للتخويف من انتصار الثورة السورية المرتقب، والتلويح بحتمية تولي الإسلاميين السلطة، وتوقع تطهير ديني على يدهم يمتد إلى لبنان. بينت ثورة مصر، منذ بدئها، أن من يشهر إرادته يحققها، وما فعله الأقباط بعيد احراق إحدى كنائسهم نموذج. أما ما يجري اليوم فيقول إن الديموقراطية أقوى من سطوة الإسلاميين فكيف وأعداد ناخبيهم، سلفيين وإخوانا، وفرت الفوز لمرسي، على خصمه، المتهم بـ”المباركية” بأقل من مليون صوت؟
و”الإخوان” في مصر أشد رسوخا وامتدادا بسبب من تساهل النظام السابق، بينما لم يتسن لهم بارقة تساهل مع نظام الأسد تحديدا، فمن أين لهم التجذر التنظيمي إلا إذا كان المهولون يرون في كل مسلم، من ضفة معينة، أسامة بن لادن صغيرا، و”جبهة النصرة” جيشا جرارا وليس بضع مئات.
الثورة في مصر جعلتهم يبلعون لسانا أفلتوه مديدا لغاية في نفس الولي العام.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار