كشفت مراسلة “الفيغارو” الفرنسية في إستانبول، “لور مارشان”” أن حكومة أردوغان تجري مفاوضات مباشرة مع زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبدالله أوجلان، في معتقله.
لقد غيّرت أنقرة تكتيكها ولم تعد تُخفي مفاوضاتها مع حزب العمال الكردستاني لوضع حد لنزاع يعود إلى ما قبل ٣٠ سنة. فقد أعلن نائب رئيس الكتلة البرلمانية لـ”حزب العدالة والتنمية” الإسلامي الحاكم، نور الدين شانكلي، يوم الجمعة الماضي، أنه “تم تحقيق تقدّم كبير” أثناء المفاوضات مع أوجلان المحكوم بالسجن مدى الحياة.
وكانت حكومة الإسلاميين المحافظين قد اعترفت، في الأسبوع الماضي، بأنها تفاوض الزعيم الكردي، كما كشفت عن زيارة قام بها رئيس جهاز الإستخبارات التركي، “حقان فيدان”، لعبدالله أوجلان في سجنه في جزيرة “إمرالي” ببحر مرمرة، في آخر شهر ديسمبر. وفي مقابلة تلفزيونية، صرّح يلشين أكدوغان، وهو أبرز مستشاري رئيس الحكومة طيب إردوغان، أن “القوة المسلحة لا تكفي وحدها” للإنتهاء من حزب العمال الكردستاني، وشدّد على ضرورة “الحوار”.
إن مثل هذه الكلام كان محظوراً قبل سنوات أمام رأي عام متأثر بالمزايدات القومية. وكانت الإتصالات مع المنظمة الكردية المطالبة بالحكم الذاتي تتم وسط تكتّم بالغ. فلم تكشف الحكومة التركية عن المفاوضات التي أجرتها مع كوادر من “حزب العمال الكردستاني” في أوسلو، بين ٢٠٠٩ و٢٠١١، إلا بعد انتهاء اللقاءات إلى الفشل.
القمع
إن المفاوضات المباشرة في جزيرة “إمرالي” تؤكد أنه لا مجال لتجاهل عبدالله أوجلان، المسجون منذ العام ١٩٩٩، في أية مفاوضات لنزع سلاح المتمردين. وكان “أوجلان” ففي شهر نوفمبر، أثبت “أوجلان” سلطته حينما تدخّل لإنهاء إضراب عن الطعام قام به ١٧٠٠ سجين كردي لمدة ٦٨ يوماً للمطالبة بتحسين شروط اعتقالهم. إن “أبو”، الموضوع في الإعتقال الفردي، لا يستطيع أن يقابل سوى أفراد اسرته، ومحاميه. وهذا علماً أن المحامين حُرموا من حق زيارته منذ سنة ونصف السنة بحجة أن الزورق الذي يصل الجزيرة باليابسة معطّل.
وفي هذه الظروف، فإن السماح بزيارة عضوين في البرلمان عن “حزب السلام والديمقراطية” الكردي لعبدالله أوجلان في سجنه، يوم الخميس الماضي، يمثّل انفتاحاً سياسياً من جانب الحكومة. ولم يكشف النائبان فحوى مقابلتهما، ولكن أحدهما، وهو النائب المعتدل “أحمد ترك”، صرّح بأن “هنالك أملاً حقيقياً.. هذه المرة”.
وباستثناء اليمين المتطرف، فقد لقي هذا الإنفتاح المستجد ترحيباً في الطبقة السياسية ووسائل الإعلام. وهذا مع أن الحذر يظل سائداً بالنسبة لإمكانية تحقيق السلام بعد حرب أسفرت عن سقوط ٤٥ ألف قتيل، معظمهم من الأكراد، منذ العام ١٩٨٤. وفي ظل انشغال وسائل الإعلام بالحرب الدائرة في سوريا، فإن الحرب مع الأكراد في الأشهر الأخيرة كانت الأعنف منذ ١٠ سنوات. وأحصت “مجموعة الأزمات الدولية” ٩٠٠ قتيلاً بين يونيو ٢٠١١ وآخر نوفمبر ٢٠١٢. وقد كتب المعلق في جريدة “راديكال”، جنغير كاندار، وهو خبير في الشؤون الكردية، متسائلاً عن مدى امتلاك حكومة إردوغان لـ”القدرة والشجاعة السياسية لإيجاد حل”.
لكن، إذا كان الإعتراف بالتفاوض مع “العدو رقم ١” يشكل تقدماً، فما هي التسوية التي يمكن أن تقبل بها أنقرة مقابل السلام؟ إن حزب العمال الكردستاني يطالب بحكم ذاتي سياسي للمنطقة ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرق تركيا. ويدخل هذا المطلب في باب المحظورات بالنسبة للدولة التركية المبالغة في مركزيتها. وكانت الحكومة التركية قد منحت حقوقاً ثقافية، في السنوات الأخيرة، للأكراد الذين يبلغ عددهم ١٥ مليوناً في تركيا. بالمقابل، تصاعد القمع ضد النشطاء السياسيين منذ العام ٢٠٠٩. فما زال ألوف الأكرد خلف قضبان السجون بتهمة “الإنتماء إلى تنظيم إرهابي”. وفي الأسبوع الماضي، صدرت أحكام بحق ٤٠ معارضاً يصل بعضها إلى ١٧ سنة سجناً.