أصدر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني قراراً حمل الرقم 133 وقضى بإلغاء الدعوة التي كان قد وجهها لاجراء انتخابات المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى والتي كانت مقررة في 30 – 12 – 2012.
قرار المفتي قباني جاء بناء على وساطة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي بادر الى طرح حل توافقي يقضي بتأجيل انتخابات المجلس الشرعي الاسلامي ثلاثة أشهر على ان تجري في مهلة أقصاها 31 – 3 – 2013.
المفتي قباني تسلّح بالقانون واعتبر ان المجلس الشرعي المنتهية ولايته اصبح فاقد الشرعية ما يجعل من سماحته المسؤول الوحيد عن شؤون الطائفة السنية في لبنان، وهو بدأ جولة على بعض الاصدقاء النافذين في الطائفة لتسويق معركته في وجه المجلس الشرعي اولا ومن خلفه تيار المستقبل.
ظاهر ما يريده المفتي، يتمثل في الاصرار على إجراء إنتخابات المجلس الشرعي في المهلة التي تم الاتفاق عليها، أي خلال ثلاثة أشهر، اما ما لم يقله سماحته علنا، فيتمثل في المقايضة بين الابقاء على المجلس الشرعي الحالي، والتمديد لولاية المفتي التي تنتهي العام 2014.
مراقبون في بيروت اعتبروا ان حركة المفتي قباني تأتي في سياق انقلاب ممنهج على سيطرة قوى 14 آذار على مفاصل الحياة السياسية في لبنان، وهي بدأت مع “حكومة القمصان السود”، التي شكلت خرقا لاتفاق الدوحة الذي اتفق فيه الطرفان في 14 و 8 آذار على عدم الاستقالة من الحكومة، مرورا بتحول النائب وليد جنبلاط نحو الوسطية، وإفقاد قوى 14 آذار الاغلبية النيابية، إضافة الى إنقلاب الرئيس ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنائب احمد كرامي على تحالفاتهم الانتخابية. ومرورا أيضا بالتحول الذي شهده الصرح البطريركي الماروني بوصول البطريرك المثير للجدل مار بشارة بطرس الراعي الى سدة البطريركية خلفا للبطريرك المستقيل مار نصرالله بطرس صفير، وصولا الى حلقة دار الافتاء، التي يقوم بالانقلاب فيها حاليا المفتي محمد رشيد قباني.
المعلومات تشير الى ان المفتي قباني، وبعد شائعات الارتكابات المالية التي تجري وجرت دار الفتوى، ارتفعت الاصوات المطالبة بتنحيته، فكانت مبادرة من الرئيس فؤاد السنيورة أفضت الى تسوية تقضي ببقاء المفتي في منصبه حتى نهاية ولايته، على ان تتم تسوية امور الارتكابات بعيدا عن الاعلام.
وتضيف انه مع بداية إنقلاب “القمصان السود”، وخروج الرئيس سعد الحريري من البلاد بدأ سماحته الإعداد للانقلاب على تسوية الرئيس السنيورة. فشارك نجله الرئيس ميقاتي تجاريا، وبدأ سماحته تحولا سياسية في دار الافتاء من استقبال السفير السوري الى السفير الايراني وصولا الى توجيه الانتقادات الى تيار المستقبل، بحق او من دون وجه حق.
وإستكمالا للانقلاب، لجأ سماحة المفتي الى إجراء تعديلات على لوائح الشطب للناخبين المخولين إنتخاب أعضاء المجلس الاسلامي الشرعي فأدخل على اللوائح أسماء جديدة توالي قوى 8 آذار، وتتيح له وضع يده على المجلس المقبل، وذلك من دون ان يعمد الى نشر هذه اللوائح مخالفا القانون.
لوائح المفتي أثارت حفيظة المجلس الحالي، فضلا عن قيادات الطائفة السنية التقليدية من طرفي 8 و 14 آذار، إلا أن إنتماءات الاعضاء الجدد السياسية واضحة لجهة كشف مسعى المفتي قباني لوضع يده على المجلس. فكان ان دعا الاعضاء الى اجتماع في دار الفتوى، مددوا فيه ولاية مجلسهم سنة كاملة. ولأن المفتي ابواب دار الفتوى في وجههم، فما كان منهم الا ان اجتمعوا في مدخل الدار وسجلوا محضر الاجتماع لدى مختار المحلة (البسطا) لتوثيق قانونيته.
المفتي قباني اعتبر الاجتماع لاغيا عملا بالمادة 18 من قانون المجلس التي تجيز حصرا لنائب الرئيس الدعوة الى الاجتماع، في حال تغيب الرئيس بداعي السفر او المرض. وبما ان سماحة المفتي لا ينطبق عليه ما سبق، ففد اعتبر الاجتماع لاغياً لانه، وبصفته رئيسا للمجلس الشرعي الاسلامي، لم يكن مسافرا ولا مريضا، وتاليا القرار الذي أصدره المجلس بتمديد ولايته باطل قانونا. ويصر المفتي قباني على ان تتم الانتخابات في خلال ثلاثة أشهر متسلحا بانتهاء ولاية المجلس الشرعي الحالي، مما يعني أن سماحته هو مسؤول الطائفة من دون منازع، وان لوائح الشطب التي عدلها المفتي قباني ستبقى على ما هي عليه. وتاليا فإن المجلس المقبل سيكون مواليا لقوى 8 آذار، ما يعني حكما التمديد لولاية المفتي قباني في العام 2014.