انتخبت أكثرية (وليست أغلبية) المصريون د. محمد مُرسي كرئيس لجمهورية مصر العربية (يونيو 2012م)، على أساس صلاحيات نص عليها دستور 1971م والإعلان الدستوري لعام 2011.
أما وقد ألغى الرجل نفسه كُلا من ذلكما الدستور والإعلان، وكلّف هو نفسه لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد، وهو ما استفتي عليه المصريون يوم السبت 15 ديسمبر 2012م، وأما وأن هذا الدستور الجديد يُرتب صلاحيات أخرى لرئيس الجمهورية، فإنه ينبغي أن تُعقد انتخابات رئاسية جديدة، مع انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الجديدين خلال الشهور الثلاثة القادمة.
وفيما يلي مُبررات هذه الدعوة:
1ـ إن الدستور هو العهد الأعظم أو العقد الاجتماعي الأعلى الذي يُنظم حقوق وواجبات سُلطات الدولة الثلاث، وحقوق وواجبات المواطنين تجاه هذه السُلطات.
2ـ إن باباً كاملاً في كل دساتير مصر منذ دستور (1923) إلى أخر مشروع دستوري (2012) يُرتب صلاحيات رئيس البلاد المواد (132-154)، باب السُلطة التنفيذية.
3ـ من الواضح أن هناك صِراعاً مكتوماً أحياناً وعلناً أحياناً، بين مؤسسة الرئاسة، كما يُجسّمها د. محمد مُرسي، والمحكمة الدستورية العُليا، وأن هذا الصِراع يُلقي بظلاله الكثيفة على بقية مؤسسات الدولة، وعلى الأحزاب السياسية، وحتى على الحياة اليومية العادية للمواطنين.
4ـ إن المؤسسات الدولية، وضمنها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، وصندوق النقد العربي يُعلّقون قراراتهم بخصوص إقراض مصر ما تحتاجه، لتسير دافة الاقتصاد، إلى أن تُنهي تردّدها في إقراض مصر، إلا بعد أن تستقر أوضاعها السياسية الداخلية.
5ـ إن نتيجة الاستفتاء على الدستور رغم أنها أقرّت هذا الدستور بنسبة (63.8%)، إلا أن هناك ما يزيد على ثلث المواطنين الذين صوّتوا “بلا” (36.2%). صحيح أن الديمقراطية تقضي بأن تحترم هذه الأقلية التي تصل الثٌلث رغبة الأكثرية، ولكن هذا “الثُلث”، طبقاً لتقارير مركز ابن خلدون، هو الثلث الأكثر تعليماً، والأكثر وعياً، والأعلى في مستواه الاقتصادي والاجتماعي. أي أنه الثٌلث الذي يُمثل نُخبة المجتمع المصري، وبالتالي فإنه ذو تأثير عظيم. وهو الذي يحتوي على أساتذة الجامعات، والصحفيون، والمهنيون، وأصحاب التأثير في النقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني. وهم بهذه الخصائص يُمكنهم أن يكونوا “ثُلث” حاسماً في تعطيل مؤسسة الرئاسة، إذا قرر معظمهم عدم التعاون أو مُقاطعة مؤسسة الرئاسة.
6ـ إن الإخوان المسلمين، ومعهم أنصارهم من السفليين يُعطون انطباعاً سلبياً للدوائر الأجنبية، وهم يُثيرون الشكوك حول فعّالية الدور الإقليمي لمصر، خاصة فيما يتعلق بملف السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وفي الموقف من الملف النووي الإيراني، والموقف من الأقليات والطوائف غير المسلمة في الدولة المصرية.
7ـ إن جمهور المُفكرين والمُبدعين يتوجّسون من وجود الإخوان المسلمين وحدهم في السُلطة. لأنهم يُدركون أن النظرة التي ينظر بها الإخوان المسلمون إلى الفنون والإبداع هي نظرة نمطية مُتخلفة. وواقع الأمر أننا لم نُصادف في المائة سنة الأخيرة مُبدعاً إسلامياً سواء كان ذلك في أدب القصة والرواية والشعر، أو في عالم الرسم والنحت والتمثيل. ولا يُعقل أن تكون حركة إسلامية كُبرى مثل الإخوان المسلمين الذين مرّ على تأسيسها أكثر من ثمانين عاماً، وانضم إلى صفوفها الملايين، ومع ذلك لم تُنتج لنا قصصياً أو روائياً أو مُمثلاً يُذكر.
8ـ وربما كان نُدرة المُبتكرين والمُبدعين في صفوف الحركة الإسلامية عموماً، والإخوان المسلمين خصوصاً، هي أن هذه الحركة تربّى أعضاؤها على السمع والطاعة، وعلى النمطية في التفكير والسلوك بينما الإبداع بطبيعته هو استجابة غير نمطية للواقع المُعاش.
9ـ إن كثيراً من المُبدعين والمُبتكرين، وكذا المهنيون والمستثمرون هم من أبناء الأقليات خارج الأغلبية الإسلامية السُنيّة. وهم بهذه الصفات يتوجّسون خيفة على استقلاليتهم وعلى حقوقهم الإنسانية التي تُمكنهم من حياة حُرة كريمة. لذلك فهم في حالة استمرار سيطرة الإخوان المسلمين وحُلفاءهم من السلفيين على مقاليد الأمور، يتّجهون إلى الهجرة إلى خارج البلاد، حيثما كانت الفُرصة مواتية. وخسارة مصر لهذه الفئات هو خسارة لا تُعوّض، ولا حتى بمليارات الدولارات. فهذه الفئات الاجتماعية حتى يتم بلورتها يستغرق الأمر أربعة أجيال على الأقل، فإذا كان الجيل هو رُبع قرن (كما يذهب إلى ذلك المُفكر عبد الرحمن ابن خلدون) فإن تعويض وبلورة مثل هذه الفئات قد يستغرق قرناً كاملاً، أي مائة سنة.
10ـ وربما هذه الاعتبارات الثلاث الأخيرة هي التي تنطوي على ما يُسميه عُلماء الاجتماع “بالرأسمال الاجتماعي”.
وخُلاصة هذا المفهوم أن “الثقة” التي لا تنشأ إلا مع المودة والاحترام المُتبادل هي الأساس القويم للمُبادلات الاجتماعية، بأبعادها الوجدانية والسياسية والاقتصادية.
وعلى الله قصد السبيل
semibrahim@gmail.com
القاهرة
يُنشر
بإذن من الكاتب