يبشرنا المسؤولون في لبنان بالغاز والنفط. بشرى أنّ دَينكم العام ايها اللبنانيون لم يعد عبئا يصعب الخلاص منه. ولأنه كنز تحت مياه مشتركة بيننا وبين ارض احتلها العدو، لم ينبس احد ببنت شفة. فعندما تحضر الثروة يسيل اللعاب، وتتلاشى مقولات رفض التفاهم مع العدو على تقاسم الثروة. بل لم يخرج ايّ من عتاة الممانعة ليتّهموا الحكومة اللبنانية بأنها تساهم في شرعنة سرقة الثروة الفلسطينية بقبولها البحث في تقاسم الثروة مع العدو. جلّ ما يقال في هذا الصدد: نريد تفاهمًا لا يخلّ بحقوق لبنان النفطية. علما ان هؤلاء الصامتين رفضوا أيّ مسعى لترسيم الحدود البرية مع كيان العدو، لأن “الحدود تدرأ بالشبهات”، وهنا الشبهة هي الإعتراف بإسرائيل.
يباهي المسؤولون بأن ثروة مؤكدة للبنانيين كامنة تحت الماء وفي اعماق الارض. ثروة ارسلتها السماء هدية لتنقذ الوطن من هول ما اصاب الدولة من ازمات اقتصادية ومالية وعجز واهتراء وما الى ذلك من مصطلحات طالما كانت لسان حال العجز لدى حكوماتنا المتعاقبة. لم ننتبه ربما الى أنّ مسؤولينا يفتخرون ويبشرون بما لم تصنعه ايديهم. فما صنعت ايديهم هو حال البلد اليوم: إنقسام سياسي حاد وشرخ وطني وسياسات لا تكفّ عن تعميق الشروخ وتحويل المواطنين الى اعداء ومتسولين، واقفين في صفوف متراصة يستجدون بعض حقوقهم. متسولون كلمة لا تكفي… بل هم مصفقون ايضا، اي مبالغون بالشكر، ليزداد اعتداد المسؤول بفضل ليس له. وكلما بالغوا في شكره ادرك المشكور ان المواطن لا يستحق ما يشكره عليه، وزاد اقتناعا أنّ ما يقدمه إلى المواطن هو منحة شخصية وليس بعض حقوق، وانه طالما بقي في موقع الواهب والمعطي، فكل صفقة مشبوهة يعقدها على المال العام تمسي هدية.
البلد مباح والمتفضل، بنظره، على الناس يحق له ما لا يحق لغيره. وإن أحس بطول يده على ما ليس له، فالامثال جاهزة كي تلوي عنقها من اجل “اليد الطاهرة”… “ياكلها السبع ولا ياكلها الضبع”.
اعظم المصائب التي يعيشها اللبناني اليوم هي في شعور المسؤول بالشفقة عليه، سواء صدرعن عطف او تهكم. لانه شعور ينطوي في عمقه على اعتقاد راسخ داخل رأس المسؤول، وظاهر في سلوكه، بأنّ المواطن غبي وان “الغباء طويل العمر” كما يقول الفيلسوف الالماني غوته.
ليس أصل البلاء ما اقترحه وزير الطاقة جبران باسيل من تعويضات للهيئة المشرفة على استخراج النفط، ولا حتى هي فرع من فروع الفساد والافساد. للوزير مبرراته المنطقية اذا كان هؤلاء تمّ تعيينهم انطلاقا من معيار الكفاءة الفعلية، ثم المحاصصة. وللوزير مبرراته من أجل تحصينهم من مغريات يتيحها موقعهم فوق منابع الغاز والنفط. لكن هل يصدق، إلا غبي، أنّ من تمّ تعيينهم لم يقدموا فروض الطاعة والولاء لمن يسيل لعابهم على صفقات بدأوا يتحضرون لها باعتبارها صفقة العمر، أو قل هديته؟
مجرد أن يبشر مسؤول اللبنانيين بالخير الآتي إلى الدولة من فوهة النفط فهذا يعتبر هروبا الى الامام بل هو تجديد لممارسة حرفة الاستغباء مجددًا. فأيّ دولة تلك التي يمكن ان تحفظ موارد هذه الثروة في مجاريها المفترضة والطبيعية؟ هل يؤتمن على هذا القطاع من يصر على تأبيد أزمة الكهرباء (على سبيل المثال لا الحصر) وحماية مزاريب الفساد فيها؟
ليس وزير الطاقة المقصود هنا، بل المقصود هذا العقل الذي يدير مصالح الدولة ومواطنيها. فقصارى ما يفعله وزير الطاقة هو أنّه يدخل شريكًا بين متحاصصين في سوق البلد المباح… ولسان حاله ليس تغييرًا من أجل الاصلاح بل: “اللي حضر السوق باع واشترى”. وما أكثر البائعين والمشترين. كثرة لا يفوقها ويحميها الا ضجيج المتسولين المصفقين.
بث التفاؤل بأيّام النفط وخيراته كذبة بلا أجنحة ولا أرجل، ومن صدق اثنان: غبي.. ومشفِقٌ عليه.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد