لن أتنازل عن الجانب الكوميدي في قراءة الظاهرة القطرية. في لغة الكومبيوتر ما يُعرف بالواقع الافتراضي، بمعنى أن الكومبيوتر يمكن أن يصنع لنا غابة تضم ما لا يحصى من الأشجار بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، بما فيها أصوات العصافير، وحفيف الرياح، وخرير المياه..الخ، لكن الغابة تكف عن الوجود بمجرد إيقاف البرنامج.
المشكلة أننا نعيش في عالم تتزايد فيه سطوة العالم الافتراضي، وهذا ناجم عن الثورة الهائلة في وسائل وتقنيات الاتصال وتكنولوجيا إنشاء العوالم الافتراضية. في أزمنة مضت قامت أحلام اليقظة بهذا الدور، ويمكن بقليل من التأويل القول إن العالم الافتراضي حلم من أحلام اليقظة لم يعد، بعدما امتلك ما يمكنه من التجلي، حبيس مخيلة فردية.
الظاهرة القطرية عالم افتراضي. على السطح تتصرف قطر كما لو كانت دولة عظمى: حركة دبلوماسية لا تكل ولا تمل من أفغانستان إلى الصومال، ومن ليبيا إلى السودان، ومن لبنان إلى غزة، ومن سورية إلى باكستان. هذا على الجانب السياسي. وعلى السطح، أيضاً، مؤتمرات شبه يومية ودولية (طبعاً) تشهدها الدوحة حول ما يخطر ولا يخطر على البال. وعلى السطح، أيضاً وأيضاً الجزيرة واتحاد علماء المسلمين وما لا يحصى من اللاجئين السياسيين والمعارضين.
ولماذا كل هذا؟
الجواب: بحثاً عن دور. ولكن ما معنى الدور؟
من حيث المبدأ: كل الدول تبحث عن دور. هذا صحيح. وما يصنع هذا الدور ويحدد هويته يصدر عن قراءة للجغرافيا السياسية. بمعنى أن المصالح الإستراتيجية العليا لهذه الدولة أو تلك هي ما يرسم هوية وحدود الدور. بيد أن القراءة الصحيحة للجغرافيا السياسية ليست مطلقة السراح في جميع الأحوال، إذ يجب أن تُرسم على مسطرة التوازن بين المصلحة والإمكانيات: الديمغرافية، والجغرافية، والعسكرية، والموارد الطبيعية، وقوّة العمل، والتحالفات..الخ.
لا أحد يبحث عن الدور من أجل المجد، والبرستيج، والمكانة. هذا كلام فارغ. بل يبحث عنه تحقيقاً لمصالح ومطامح مادية. هذا لا ينفي حقيقة وقوع أشخاص من طراز معمّر القذافي ضحية أوهام تتجاوز مواهبهم الشخصية وإمكانيات بلادهم، ولا ينفي أيضاً ظهور أشخاص من طراز صدّام حسين يمكنهم أن يدمروا بلداًَ يملك المؤهلات الطبيعية لتمثيل دور القوة الإقليمية.
في تاريخ الشرق والغرب نماذج كثيرة. المهم حتى وإن منحنا المجد والبرستيج والمكانة (وهذه أشياء يصعب تفسيرها وغالبا ما تنطوي على أوهام شخصية لكنها تتقنع بقناع قضايا كبرى) نسبة مئوية في السياسات الإقليمية والدولية، فإن هذه النسبة تبقى متواضعة في جميع الأحوال. السياسة تحكمها دائما حسابات باردة، إلا إذا صدقنا الخيال الاستشراقي الذي يرى في سلوك الشرقيين مفارقة للمنطق واغترباً عن الواقع.
على أية حال: يسكن قطر حوالي مليون وتسعمائة ألف من بني البشر، منهم حوالي 40 بالمائة فقط من العرب، والباقي من جنسيات أخرى. والعرب، هنا، لا تعني القطريين، بل تعني هؤلاء ومعهم اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والمصريين والعراقيين.. ولك أن تضيف ما شئت من بقية العرب. وماذا عن القطريين، أي عن المواطنين الحقيقيين؟
نسبة هؤلاء إلى إجمالي عدد السكان لا تزيد حسب بعض التقديرات عن 11 بالمائة. وهذا الرقم مهم جداً، وحتى إذا رفعناه إلى 20 بالمائة، هذا يعني أن 80 بالمائة من سكّان الدولة القطرية لا يتمتعون بحقوق المواطنة. وإلى كل هذا ذكر تقرير لهيومان رايتس ووتش أن 94 بالمائة من قوّة العمل في قطر من غير القطريين.
لا بأس. دولة يسكنها حوالي 60 بالمائة من غير العرب (وهي بالمناسبة عضو في الجامعة العربية) ومن بين كل مائة يد عاملة يوجد ستة قطريين فقط (وهؤلاء في مراكز إدارية عليا وقيادية بالتأكيد)، ماذا تريد وما هي مصالحها القومية العليا: الأمن؟ مضمون: هناك القواعد الأميركية، ومركز عمليات الجيش الأميركي في الشرق الأوسط. المال؟ لديهم منه ما لا تأكله النيران.
لا بأس. لا يمكن لقطر حتى وإن انفتحت طاقة القدر لمواطنيها الأصليين أن تملك جيشاً محارباً بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولماذا هذا الكلام؟ لأن القيمة الحقيقية منذ العصر الحجري وحتى يوم الناس هذا لعدد رماة السهام أو الفرق المدرعة التي تستطيع حشدها في ميدان المعركة. للعامل الديمغرافي، ولقوة العمل، والموارد الطبيعية، والتضاريس والحدود والموانع الطبيعية أهمية حاسمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينوب عنها ما نملك من أرصدة مالية. وحتى الأرصدة المالية تحميها الجيوش لا محطات التلفزيون.
وماذا يبقى؟ لا يبقى سوى المجد والبرستيج والمكانة، وهذه أشياء تأتي بصورة طبيعية لمن يستحقها في العالم الواقعي، وبصورة رشوة مجازية للباحث عنها في العالم الافتراضي.
أخيراً، لن يكتمل معنى الرشوة المجازية في العالم الافتراضي ما لم نضع في الحسبان حقيقة أن الحصول عليها يستدعي الجمع بين متناقضات لا تحصى: فمن غير المنطقي أن تكون أن تقيم علاقات مع إسرائيل وأن تدعم حماس في آن، وأن تقوم بتعويم القاعدة إعلامياً وكل تجليات الإسلام السياسي، وأن تحظى في الوقت نفسه بحماية الولايات المتحدة الأميركية. يُفسّر هذا التناقض من جانب بعض المحللين كجزء من الدور القطري في خدمة أهداف أميركية بعيدة المدى.
شخصياً، لا أحب نظريات المؤامرة، حتى وإن اتسم الكلام عنها بالمنطق. وشخصيا، أيضاً، أميل إلى رؤية الكوميديا، وإلى توظيف مفاهيم من نوع العالم الافتراضي في تفسير ظاهرة وإن كانت كوميدية إلا أنها تُلحق بالآخرين الكثير من الضرر. ولكن هل يعفي حذر من قطر؟
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
وهل يُعفي حَذر من قَطَر..!! يقول الكاتب :ولكن مامعنى الدور؟ ……………… …………………. المعنى الذي في النفس شيء ، والتعبير عن هذا المعنى بواسطة اللفظ للدلالة على المعنى شيء ، وترميز اللفظ بواسطة أحرف ( الخط)للدلالة على اللفظ شيء آخر ، ولذلك كانت دلالة اللفظ والحرف على المعنى بالتواطؤ وليس بالطبع، امّا دلالة الموجودات على المعاني التي في النفس فهي واحدة أيضاً للجميع ، وهي دلالة بالطبع ، وهذا اللفظ يختلف من لغة الى اخرى ومن قوم لآخر ، وكذلك الاحرف فإنها تختلف من لغة لاخرى ومن قوم لآخر ، امّا المعنى فهو واحد عند الجميع ، وكذلك الموجودات الخارجية المقصودة… قراءة المزيد ..