ما هو فحوى حملة “التسريبات” التي شنّتها جريدة “الأخبار” ضد مجموعة من المثقّفين الشيعة اللبنانيين؟ فحواها أن المواطن اللبناني “الشيعي” الذي يعارض سياسات الحزب “الإيراني” هو “عميل أميركي”! (لم يتم اتهام المعنيين بأنهم “عملاء لإسرائيل” لأن تهمة “التعامل” كادت تنحصر بكوادر حزب الله وحليفه العوني في السنتين الأخيرتين!).
هذه “الشَيطنة” للمعارِض هو دأب الأحزاب “التوتاليتارية”! خصوصاً جناحها “الشيوعي”! وقد تكون جريدة “الأخبار” انتقلت من ملكية الحزب الشيوعي اللبناني لتصبح مملوكة من حزب الله، ولكن “رائحة التوتاليتارية” ظلت ملتصقة بها! سبحان من يغيّر ولا يتغيّر..!
صدّام حسين، أيضاً، كان يُعدِم العراقيين شنقاً لأنهم “عملاء” و”خونة”! جريدة “الأخبار” أرادت “إعدام” معارضي الحزب “معنوياً” حتى إشعار آخر! كل من يعارض حزب الله “خائن”..!
زمن “الإعدامات” ولّى! ومن حق أي لبناني، ومن حق أي مواطن لبناني شيعي خصوصاً، أن يرفض تقديم “الولاء” لطاغية دمشق، وأن يرفض اعتبار طهران “مرجعيته”!
وتتحمّل “الأخبار” مسؤولية “التمهيد المعنوي” لأية إعتداءات يتعرّض لها أحرار الشيعة اللبنانيون!
“الشفاف”
*
بيان “تجمّع لبنان المدني”
لأننا لبنانيون عرب أحرار، وليس في تاريخنا إلا إيمانٌ بلبنان – الإنسان، وبعروبة حديثة تتبنى قضايا العرب وتناصرها، ولاننا نؤمن بان قيم حقوق الانسان عالمية، واولها الحرية والعدالة وثانيها حرية التعبير والمعتقد واحترام الآخر، نلتقي معاً اليوم، لا لنؤكد ثوابتنا بل لنواجه حملة تَّخوين وهدر دماء وتشويه سمعة أحرار لايستمعون الا لضمائرهم ولا يراهنون الا على قيام دولتهم، دولة مدنية يتساوى فيها الجميع.
مؤخراً طالعتنا صحيفة “الأخبار” بفبركات مقتطعة تجتزئ من النص لتخرجه عن سياقه، وتفسده بسم التأويل وتتعَّمد التشويه الرخيص للسيرة الناصعة لشخصيّاتٍ لبنانيةٍ شيعية مستقلة، كان قد سبقها، ولا ندري من سيلحقُها، شخصيات من كل الطوائف. إن هذا الاجتزاء والتقطيع والتوصيل والتعمّد في التأويل حتى التزوير، يشكّل دعوة لا بل تحريضاً على القتل واعلاناً لهدرِ دماءٍ ودعوة للترحيل والتهجير، الامر الذي يتخطى مهمة الصحافة النبيلة.
نقول لهؤلاء ومن وراءهم: لم ولن يُرهبنا ذلك يوماً، لاسيّما وأن الرّؤية أمامنا واضحةٌ في زمن الربيع العربي، إذ تتهاوى فيه الاستبدادات وتتداعى الاستعمالات البوليسية المخابراتية المغرضة.
نحن إذ نعلن اننا لم ولن يرهبنا نَفَس هدر الدماء، يؤسفنا أن نقول أننا نستشعر الكثير من الريبة في مواقف حزب الله من هذه الممارسات، سواء بالصمت حيالها والاعتكاف عن ادانتها، أقلّه من حيث المبدأ، أو بانخراط وسائل اعلامه في تبنيها والترويج لها وتكرارها دون أي وازع أو رادع.
وما يؤسفنا أكثر أنه ما لم يحصل تغيير في موقف الحزب من هذه الممارسات، والثبات عند هذا الموقف يؤشر الى مواصلة الحزب اعتماد السياسة نفسها والخيارات نفسها والاساليب نفسها التي صنعت المأزق التاريخي الذي تعيشه الطائفة الشيعية اليوم والتي لا ينقذها منه الا انعطاف سياسي بالأهمية نفسها، ما زال حزب الله قادراً على المساهمة فيه لو اتخذ قراراً شجاعاً بذلك.
ولكي نضع الأمور في نصابها نؤكد للحزب، لا من موقع الاسترضاء ولا من موقع الاستفزاز انما من موقع الحرص على الموضوعية والتواصل السوي وحماية النسيج الوطني، أن خلافنا معه ليس في العداء لإسرائيل ولا في تحرير كامل ارضنا بل في مصادرة فلسطين ولبنان واستخدامهما ورقة مقايضة ومساومة في الأجندات الإقليمية، وخلافنا معه ليس في الدفاع عن لبنان، بل في ضرب مشروع الدولة بحُجّة هذا الدفاع. وتمايزنا عن مواقفه ليس لتاريخه في المقاومة بل لحاضره في قيادة شيعية سياسية تكرر تجارب مريرة خبرها اللبنانيون جميعاً.
نعم نحن مختلفون مع كل سياسة توظف الطوائف اللبنانية ، ومنها الطائفة الشيعية في موقف يتعارض مع ثورات الربيع العربي لان هذه الثورات تمثل نبض الشارع الساعي الى التخلص من انظمة مستبدة حكمت على مدى عهود واجيال، وإلى بناء دول ديمقراطية حديثة اساسها حرية الفكر والمعتقد وتداول السلطة بالممارسة السياسة. ولاننا لا نرغب ان يجر شيعة لبنان والعالم العربي الى استعداء مكونات مجتمعاتهم الاخرى فيدفعوا ضريبة غالية في كراماتهم و ارزاقهم رافضين إيهامهم بأنهم يشكلون اقلية في محيطنا العربي.
نعم نحن مختلفون مع “حزب الله”،لكننا لسنا اعداء له أو متآمرين عليه، ولَكَم كنا نتمنى أن تناقش هذه الصحيفة، كما “حزب الله”، خياراتنا السياسية والثقافية والاقتصادية – الاجتماعية، بدَلَ الانزلاق في تلفيق اتهمات لمن هم منفتحون على الجميع باستثناء العدوّ الإسرائيلي والاستبداد العربيّ، حيث لا تصح المفاضلة أبدا بين الاحتلال والاستبداد.
نعم نحن نختلفُ مع “حزب الله” لكننا لا نخاصمه بل نحترم تضحيات شهدائه ومناضليه بقدر ما نعلي خيار عروبتنا التاريخي الحضاري الطبيعي على كل خيار إقليمي آخر ، ونقدم هذا الخيار لحزب الله ذاته لتبنيه وللاقلاع عن سياسات وخيارات خاطئة اخرجته من محيطه الطبيعي في ضمائر العرب الى سجن الطموحات الاقليمية والنووية الباحثة عن وقود بشري لأهدافها.
نعم نحن نختلف مع “حزب الله” لأننا لن نقبل بأن يسود داخل الطوائف وبين الطوائف غير خط الاعتدال الذي تمتد جذوره الشيعية من إرث النّجف الأشرف وتراث الإمام موسى الصّدر، ووصايا الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، وانسانية العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله إلى هدأة السيّد محمد خاتمي الحوارية التي واجهت طرح صدام الحضارات المتهاوي.
ولأننا لبنانيون عرب أحرار فنحن مقتنعون ومعنيّون باستعادة الخيار اللبناني العربي الاصيل، الذي ينبذ التطرف ويقوم على الاعتدال ، وهو ليس الخيار الثالث لا عند الشيعة ولا عند سواهم ، بل هو الاول والأصيل .
ونحن مقتنعون ومعنيون بإعادة الزخم الى الرؤية الحضارية التي تستند الى تاريخنا وثقافتنا وإيماننا بالانتماء إلى اوطاننا والعيش فيها ، مواطنين شركاء في الانسانية من ضمن دولةٍ مدنيةٍ عصريةٍ يسودها القانون.
ولأننا لبنانيون عرب أحرار سنواجه أبواق الباطل بكلمة الحق والتاريخ دوماً الى جانب الأحرار.