عندما يخط القلم موضوعاً مهماً – سواء كان فى مقالة أو أكثر – فإنه يحار، وتغُمّ عليه الأمور. ففي الشعوب المتحضرة ولدى الشخوص الواعية، لا يتصدى أحد للكتابة إلا بعد أن يكون قد قرأ عن موضوعه كلّ أو جُل ما كُتب فيه. ولا يكوّن أحد رأياً إلا بعد أن يستوعب ما يبدى فيه الرأى، إستيعاب القاضى المدقق أو العالم المحقق. ولا يقيم علاقات سرية مع أجهزة الأمن والمخابرات فى بلده أو فى أى بلد آخر؛ لأن مثل هذه العلاقات تدمغه بالعمالة وتفقده الصدقية وتنحرف به عن الصراط المستقيم.
وقد تصدى للشأن العام فى مصر، شخص لم ينتبه إلى شرائط إبداء الرأى، والتصريح به، والعمل على نشره وتطبيقه. فالتفت عنه الجميع وهم يرون تقلبه، ويشهدون تغيير جلده، ويسمعون منه القول وضده فى آن واحد أو فى أوقات متقاربة .
فلقد صرح هذا الشخص فى حديث متلفز أنه كان يُعنى بجماعة الإخوان المسلمين وأنه عقد مؤتمراً فى إمبابة ليقدمهم إلى الجماعة الأوروبية، وحرص – كما قال – على تقديمهم إلى مراكز البحث وذوي النفوذ فى الولايات المتحدة، فعمل كداعٍ للعلاقات العامة، يريد – كما قال – أن يقبل المجتمع الدولى هذه الجماعة قبولاً واقعياً (De facto)، ويعطيهم الفرصة لكى يصلوا إلى سدة الحكم ويقبضوا على مفاصل السلطة.
وأذكر أننا كنا نحضر معاً مؤتمراً فى برلين عن التنمية فى بعض البلاد العربية. ومن طبيعتى ألا أحضر مؤتمراً أو ندوة أو إجتماعاً لا أعرف أسماء الحضور فيه، وخاصة من مصر. لكن لا أعرف إن كان الأمر قد حدث سهواً أو كان عمداً لإدخال الغش علىّ، إذ فوجئت به يحضر فى اليوم التالى. وقد أحرجنا وأثقل علىّ خاصة، حين فرض نفسه على متحدثين معى أكثر من مرة، وحين تسوّل معونة فى الجلسة الأخيرة، مما دفعنى ودفع شخصين ألمانيين من والدين مصريين إلى أن ينسحبا مثلى، وأبدى الكل إستهجانه من أسلوب التسول وقول الكذب الذى كان يعزز به تسوله. وقد كتبت – حين عدت إلى مصر – مقالة فى مجلة أكتوبر، أشرح فيه ما فعل، وأنعي أسلوب التسول الذى يجعل متّبعه ساقط الإعتبار، ويطلق رذاذا سمجاً على من يحضرون الجلسة، خاصة إن كانوا من بلده.
ولأنى لم أوافقه على ما فعل، فقد أظهر عدوانية فى جلسة جمعتنا – هو وشخصي – مع وزير سابق للخارجية الأردنية، فقال لى دون أى سبب إن أعداءك كثيرون، فرددت عليه بإقتضاب وقلت له: وأعداؤك أكثر. وكاد الأمر يتطور إلى أن يحدث ما حدث بينه وبين صحفى مشهور على شاشة قناة الجزيرة.
وفى هذا المؤتمر تكونت ندوات خاصة لبحث بعض المسائل، وكانت مجموعتنا تبحث مسألة التعليم والثقافة. ففرض رياسته للجنة حتى أبدى الإستياء بعض الألمان، إنما المهم فى هذا الصدد أنه أصر على أن نضمّن قراراتنا النهائية توصية بالسماح للإخوان المسلمين بأن يساهموا – أو يقبضوا – على التعليم والثقافة بزعم أنهم فصيل مهم فى المجتمع، وعارضته بشدة لأن هذا الذى طرحه لم يكن موضوع البحث. وبعد لأْى وافق مستسلماً على رأيى الذى وافقنى عليه الجميع، ثم قال لى – بعد أن انفض الإجتماع – أستاذ ألمانى شهير : لقد أنقذتنا من ورطة كبيرة.
وكنا نتسامع عن تصرفات غريبة تصدر عنه، منها أن شخصاً مسيحياً أمسك بربطة عنقه يشدها بقوة وهو يقول له إنت معانا ولّا معاهم؟
مسألة الإخوان المسلمين إذن، معروفة ومدروسة وصدرت عنها كتابات كثيرة جداً، وكان المفترض أن من يتصدى للشأن العام يكون قد علم بكل ما نُشر، وأحاط علماً بكل ما يُعرف عنهم، لكنه تجارأ وقال فى حديثه المتلفز إنه ساعدهم لدى الولايات المتحدة – إن كان ذلك حقاً وصدقاً – كى يعطوهم فرصة ويسلموهم الحكم.
وأخيراً، غيّر الرجل جلده، ونقض خطابه، وأحبط عمله، فانقلب من النقيض إلى النقيض، وصار داعياً ضد الإخوان المسلمين – خلافاً لمسلكه طوال عشرة أعوام على الأقل – وكتب أخيراً مقالاً عنوانه (هل تحتاج مصر إلى جبهة تنقذها من الإخوان؟) ذكر فيها أن الإخوان لا يعترفون بمصر وطناً لكنهم يريدونها إمارة ضمن الخلافة، وأنهم متسلطون لا يريدون إلا أنفسهم… إلى غير ذلك مما ماثله. وهو أمر معروف للجميع وقد كتبتُ عنه فى هذه السلسلة مقالاً بينت فيه علمياً سبب سلوكهم، ودافعهم المعتقدى في ذلك (ويستطيع من يشاء أن يرجع إلى مقالاتى فى هذا الصدد).
فإين هى الصدقية من شخص عمل كل ما بوسعه – كما يقول – على أن يصل الإخوان إلى الحكم، ثم إنقلب عليهم – لغير سبب مفهوم – وغالباً ما يكون خصاماً على مصلحة أو رغبة فى إقتسام مكسب، ثم يريد أن يجيّش المصريين معه. إن مثل هذا الشخص يسئ إلى قضية المصريين عامة، والمثقفين منهم خاصة، فيما يقولون من أن الإسلام السياسى قد خطف الثورة، وأنه قد يقع صدام عنيف بينهم وبين المستنيرين بسبب ذلك. والشواهد تتواتر والنتائج تتقارب.
ashmawy2@hotmail.com
القاهرة
ashmawy2@hotmail.com
القاهرة
[ماذا يجرى فى مصر؟ (32)
->http://www.metransparent.com/spip.php?
page=article&id_article=19169&lang=ar]
ماذا يجرى فى مصر؟ (33)
هذا هو السفر الاخير دكتور سعدالدين
تجديد الذهن ام تغيير الجلد
سعد الدين ابراهيم دخل قلوبنا من نافذة حقوق الانسان ولكنه فقد مصداقيته منذ زمن ليس بقريب.
ماذا يجرى فى مصر؟ (33)
سعد الدين ابراهيم …..ربنا يسامحك علي اللي اقترفته في حق مصر … ساعدت التعابين والعقارب تخرج من جحورها للاجهاز علينا جميعا.
ِشكرا للمستشار العشماوي علي مقالاته الدسمة والموضوعية.