منذ حوالي الف سنة، يحتفل غالبية المسلمين بذكرى الاسراء و المعراج. ويدخل الاحتفال بطقوسه المخترعة في باب الاعجاز لما فيه من “خرق العادة”. وهذه قراءة من خلفية معرفية عن الموضوع تثير الكثير من الاسئلة عن الايمان وطرقه وعن الاعجاز ومن المخاطب به اصلاً، ومعنى تفشيه وانتشاره. تنطلق هذه القراءة من التصديق بالاسراء والمعراج لتصل الى محاولة فهم كيفية الايمان وتتوجه الى العموم: مسلمين وغير مسلمين، بهدف الكشف عن طرق الايمان والتعاطي العقلي مع الاعجاز.
قال تعالى :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا
وقال أبو بكرالصديق فور تفشي خبر الاسراء وشيوع الرفض له: “والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يُعجبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه، فهذا أبعد مما تعجبون منه،”.
إذا المسألة كما قال الصديق. أي مسألة لا عقلية ولا تحليلية، مسألة إيمان يقوم على التصديق.
وسورة الاسراء لها اسم ثان، سورة بني اسرائيل. ومن السياق وترتيب الجمع وتاريخ النزول فهي تستفتح بترديد تسبيح صاحب العزة لذاته على اسرائه بعبده ليلا وتقرن آيتها هذه بمخاطبة اليهود وتحذيرهم، فكأنها أحد إشارات الهجرة إلى المدينة، حيث سيدخل العرب المسلمين في الصراع مع العرب اليهود.
لقد أثبت المؤمنون من العرب ممن ارتدوا أو نقص إيمانهم عند سماعهم الخبر انهم أصحاب عقل و فكر، فرفضوا ما لا يعقل، وأثبت الصدّيق انّ الايمان مسألة تصديق ولا علاقة لها بالعقل ولا بالفكر، وهذا عين الصواب.
ومع دولة العبيديين في مصر، تفشى الإحتفال بالاسراء و المعراج وجرى تبنيه من قبل الجمهور الاكبر من المسلمين. وقد باءت جهود المعارضين له بالفشل الى اليوم. فمنذ زمن إبن تيمية ـ728 هـ الى اليوم، يقوم المعارضون لهذه الاحتفالات بسَوق حججهم بينما تستمر الاحتفالات كشعيرة إثبات هوية إيمانية وكدليل على اعجاز يستدل منه عند القائلين به على صحة الاسلام.
إن تفشي ظاهرة الاعجاز، عندي، يعطل العقل، عبر تحويله الى آلية لطمأنة الذات و تطريبها بصدق الاسلام.
نسي القائلون بالاعجاز، وهم الاشاعرة، ان الاعجاز في الاصل كان موضوعا موجها لمشركي قريش يقوم على تحديهم بالإتيان بسورة من مثل القرآن كدليل انه كلام بشري. وقد اعترف مشركة قريش وهم اهل اللغة بان القرآن كلام غير معهود عندهم لا هو بشعر ولا بسجع الكهان وان اعلاه لحلاوة وأسفله لمثمر. وعلى إقرارهم بان القرآن كلام غير بشري، تمت الحجة على بعدهم. هذا هو أصل الاعجاز المركز عليه في القرآن. إنه إعجاز لغوي. في الفكر السلفي، لا نرى إهتماما بالاعجاز. ذلك ان السلفي مؤمن بالتسليم لا بالنظر العقلي. بينما في الفكر الأشعري، فإن الاعجاز كان يزداد كل مرّة وتضاف له إضافات جديدة في كل مرحلة إمّا عبر “التأويل الفاسد” أو تحميل النص “فوق طاقته” وعبر القول بمقولات جديدة يأتي بها أصحابها. وما كثر الأدلة الا من كثرة الشك الموجود عند
قائله. نتيجة إدخال الايمان من باب العقل. فكيف يمكن للعقل إدراك من ليس كمثله شيء و هو السميع البصير؟
لقد كانت أحد أهم أسباب التخلف الفكري للمسلمين في الاشياء هو نفي الاسباب والعوامل في صيرورتها واعتبار المسألة من نوع “عادة” إعتدنا على رؤيتها!! لقد وقع الفكر الاسلامي في أسر نظرية تبين خطأها عن الجوهر الفرد والانزلاق الى القول بثبات الجوهر و إن العرض لا يبقى ثانيتين لتمرير فكرة الخلق المستمر. كما في الفكر السياسي، فإن الفكر الاسلامي في الاشياء قد حكم على نفسه بالسقوط لربطه المعرفة بالقرآن. وسيبقى التخلف سمة للفكر الديني ككل في الاشياء وحصر “الإبداع” والتطور في النقل والتقليد لكل فكر شقّ طريقه في عالم الاشياء بعيد عن المسلمّات الدينية.
عن الإسراء و المعراج ، قراءة معرفية
ليش مين “اشعك” شو مفكر حالك مفكر عظيم والناس عم تنتظر رأيك وعبقريتك حتى تنّظر عل الاسراء والمعراج,
الاعجاز لأمثالك المغرورين بأنفسهم