بعد أن نشرنا – بإيجاز يقتضيه المقام – أبرز ما فى تاريخ الإخوان المسلمين، فإن السياق يقتضى تلخيص ما نُشر وما لم يُنشر فى صورة وجيزة.
أ.. أُنشئت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 من عمّال مدينة الإسماعيلية، التى كان يعمل فيها حسن البنا مدرساً للخط واللغة العربية، وكان عمره آنذاك 22 سنة، أى إنه كان حديث التخرج، فلم تسنح له فرصة، ولا هو أتاح لنفسه فترة، ينهل فيها من الدراسات الحرة والقراءات الشاملية، فكان غِرَّا يعتنق أفكار وشعارات السلطان الأحمر (عبد الحميد الثاني) الذى انقلب على الإصلاح الذى قام به الأتراك المستنيرون، فألغى الدستور ونحت له وعاظ السلطة وفقهاء الشرطة، شعاراً مُفاده أن “القرآن دستورنا” و “الشريعة الإسلامية” هى الأحكام القانونية التى يلتزمها المسلمون.
وإنتهجت الجماعة نهج جماعة الإخوان السعودية، والتي كانت حليفة للملك عبد العزيز آل سعود، ثم انقلبت عليه عندما أخذت عليه إتصاله بالغرب (الفرنجة)، وبخاصة البريطانيين (الإنجليز) فى هذا الوقت. وقد أمده الإنجليز ببنادق آلية، كانت تقنية حديثة فى أوانها وفى مكانها، فأبادت “الإخوان” السعوديين.
ب.. كانت نشأة الإخوان المسلمين فى الإسماعيلية ضمن العمال الذين يقيمون ويجلسون فى مقاهى بالحي العربى، ونتيجة لعدم ثقافة المُنشئ، وجهل من وُجّه إليهم الخطاب الشفهي، فقد ظلت الإخوان المسلمين متعلقة بهذا النهج من خطابه فى حماسة، يتكلم عن أمجاد المسلمين، وأنها لن تعود حتى تنشأ الخلافة الإسلامية التى أُلغيت فى 3مارس1924.
وكان العمال يدفعون إشتراكات مالية لحسن البنا، ولما اختلف البعض معه لعدم إنضباط الحساب المالى للجمعية، أخطروا النيابة العامة، على إعتبار أنها جنحة تبديد، حرّض المرشد العام بعض أنصاره فاعتدوا بالضرب على من شكا إلى النيابة. وحسم الإعتداء المادي أية معارضة، فصارت سمة الإخوان فى حسم أى خلاف معهم – حتى ولو كان على الحق – بالعدوان الذى وصل إلى القتل، والتهديد به، كما إنتهى إلى القتل والتلويح به.
ج.. التقطت المخابرات الفرنسية والإنجليزية المرشد العام، ولتحييده وتوجيهه إلى الشأن الداخلى قدمت له عوناً مالياً، كان أظهره مبلغ 3000جنية ثلاثة آلاف جنية مصرى، بدعوى بناء مسجد. ومبلغ 3000 جنيه مصرى كان مبلغاً ضخماً جداً بمعايير ذلك الوقت الذى كان الجنية المصرى يساوى جنيهاً من الذهب الإنجليزى + 2.5قرش صاغ، وقد صار الجنية الذهب الآن يتراوح سعره بين 2200جنية إلى 2500جنية. وبهذا المال قَبل المرشد العام الأول أن يبنى مساجد باموال الأجانب من الغرب، ولم يُبن الجامع حتى الآن؛ لكن المبدأ يظل قائماً.
د.. لّما إتسع نشاط الجماعة عملت القوى الإستعمارية على نقل المرشد إلى القاهرة، حتى تضع جماعته أمام “الوفد” الذى كان يمثل القوى الشعبية المدنية، وكان يهدف مما يهدف إلى تأميم قناة السويس، وهو ما قام به الرئيس عبد الناصر، دون دراسة، فوقع فى أخطاء جسيمة (أدت به إلى أن يشترى بمبالغ طائلة أسهم ملكية القناة التى كانت تتداول فى بورصة باريس، ثم يعقد فى 1959 مؤتمر روما لدفع التعويض – أو شراء الأسهم – من حكومة بريطانيا التى كانت تمتلك 40٪ من أسهم القناة، وهى الحصة التى إشترتها بريطانيا من الخديوى إسماعيل).
هـ.. منذ إنتقل نشاط الإخوان المسلمين الرئيسي إلى القاهرة تحددت سياستها فى مظاهرة الحاكم (وقد كان من الأقلية)، وانحصر نشاطها فى العمل الداخلى، أخذاً بما كان يقول به بعض المسلمين فى عهد عثمان ابن عفان من أن الجهاد الحقيقى يكون فى المدينة، التى إدّعوا أنه قد شاع فيها الفساد. وكذلك كان يقول الإخوان كلما دُعوا إلى مكافحة المستعمر الإنجليزى بأن الجهاد الحقيقى هو تغيير (قلب) نظام الحكم فى مصر. ورغم ذلك فقد التصق المرشد العام الأول بالسلطة، ودعا جماعته (أو تنظيمه) إلى ذلك، بتحوير الإدعاء السالف من أنه لابد من إصلاح الداخل، قبل أن يفكروا فى جهاد المحتل ومكافحة المستعمر. وبذلك عارضوا كل حركات الكفاح الوطنى، وقال قائلهم فى خطبة له بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حالاً) عندما عُين إسماعيل صدقى رئيساً للوزراء “وأذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد”. وبهذا أسفر الإخوان المسلمون عن حقيقتهم، وأنهم جماعة سياسية، تستغل الدين وآيات القرآن لتؤيد الحاكم الظالم. وقال لى الكاتب إحسان عبد القدوس إن حسن البنا عرض عليه أن يلتحق بجماعة الإخوان المسلمين، ورفض إحسان، فلما ألحّ عليه المرشد، قال له: إنه لا يصلي، فرد عليه المرشد قائلاً: ومن الذى طلب منك الصلاة؟ وهذا أبلغ دليل على أن تنظيم الإخوان المسلمين كان وما زال تنظيماً سياسياً يتطلع إلى الحكم أو إلى الإقتراب منه، بدعوى الدين، وبإستعمال آيات دينية؛ ويعمل على ضم أعضاء إليه من الأسماء البارزة فى الكتابة والصحافة، حتى ولو لم تكن تُصلّي، والصلاة عماد الدين.
و.. فى عام 1947 إتجه رئيس الوزراء المصرى (النقراشي) لعرض قضية مصر بطلب جلاء البريطانيين بإعتبارهم محتلين لأرضها. وبعد أكثر من خطبة عصماء، أحالت الجمعية العمومية للأمم المتحدة، النزاع بين مصر وبريطانيا إلى لجنة لفحصه، لأن الوجود البريطانى – على أرض مصر – يستند إلى معاهدة 1936. ولم تجلُ القوات البريطانية عن أرض مصر إلا فى الموعد الذى حددته معاهدة 1936، أى بعد عشرين عاماً من التوقيع عليها كما نصت المعاهدة. وهذا درس للمصريين خاصة والعرب عامة بأن كل دول العالم تُعنى بالإتفاقيات الدولية، وبين الدول، ولا ترى أن وجود جيوش أجنبية على أرض بلد معين، هو احتلال لها، مادام هناك عقد أو معاهدة بينهما تبرر ذلك.
وفى نوفمبر 1947 صدر قرار من الأمم المتحدة بتقسيم أرض فلسطين إلى دولتين إحداهما عبرية، والأخرى عربية. وقد كان العقل والواقع يدعو العرب إلى قبول هذا القرار، وإن نقضوه عند التمكين، كما قبلته إسرائيل وهى تضمر مخالفته. فظهر العرب أمام العالم وكأنهم هم المعتدون لا المعتدى عليهم، ومع أنهم كانوا صفراً فى إمتلاك السلاح الحديث، فقد تدفقت هذه الأسلحة على إسرائيل.
وقد كان موقف الحكومة المصرية حتى إبريل 1948، يقوم على تزويد الفلسطينيين بالمال والسلاح، والمجاهدين من الرجال. غير أن القوى الغربية (والإسرائيلية) كانت ترغب فى أن تزج بمصر فى الصراع مع إسرائيل بجيشها النظامى، مادامت لم تعترف بها. وكان بن جوريون منشئ دولة إسرائيل وأول رئيس وزراء فيها يطلب من اليهود العرب أن يهاجروا إلى أرض فلسطين ليقوموا بالأعمال التى لا يمكن لليهود الاخرين (الأشكيناز) أن يؤدوها.
وعملت جماعة الإخوان المسلمين على تحقيق أهداف إسرائيل بالحرف الواحد. فقد سيرّت المظاهرات وهى تنادي بالجهاد والتكفير من يقول بغير ذلك (وهو توظيف للدين فى أغراض سياسية) كما انها زرعت المتفجرات فى حارة اليهود وفى متاجرهم حتى تدفعهم إلى تنفيذ غرض بن جوريون بالهجرة إلى إسرائيل.
وكان هدفها أن يدخل الجيش إلى أرض فلسطين، وأن تزج بالصف الثانى من مجاهديها إلى ذات الأرض، فيخلوا الجو للصف الأول من جهازها السرى للإستيلاء على نظام الحكم. لكن الواقع الإجتماعى لا يسير دائماً كما خطّط له من أراد، لكن ما إن تنشأ الواقعة حتى تتخذ لها مساراً تحدده قوانينها التى يمكن أن يعرفها البعض من المختارين، لكنها تكون بعيدة عن فهم العامة والدعاة والعاملين فيها والداعين إليها.
(يتبع)
saidalashmawy@hotmail.com
* القاهرة