بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، فإن المجزرة التي ارتُكبت في مدينة الحولة السورية بمحافظة حمص (الجمعة) قضى فيها نحو مئة مدني بينهم 32 طفلًا على الأقل دون العاشرة. أخطر ما هذه الجريمة هو ان موتا بات يتسلل الى مشاعرنا الانسانية حيال هذا القتل العاري من اي مبرر سوى الجريمة الكاملة.
لم تخرج بيروت ولا لبنان للتضامن ضد المجزرة، لم نشهد سيلا من المواقف او التصريحات التي تظهر انحيازنا الى انسايتنا، كما تتدفق رسائل التعزية عادة اذا فقدنا رجلا مسؤولا في السلطة، اوكتدفق رسائل التهنئة اذا نال احد منصبا رئاسيا او وزاريا. لم يتدفق النشطاء الداعمين للثورة السورية الى ساحة الشهداء، ولا قرعت اجراس الكنائس او اقيمت مجالس العزاء او صلاة الغائب. مجزرة الحولا ليست اقل همجية من مجزرتي قانا عامي 1996 و2006 ولا اقل دموية من مجزرة حولا عام 1948. لم تشهد اي منطقة لبنانية اي تحرك شعبي يعبر عن التضامن مع الشعب السوري ضد مجزرة الحولا الاخيرة. لا بيروت ولا طرابلس ولا صيدا ولا غيرها من المناطق اللبنانية. بدا المشهد الدولي اكثر تفاعلا رغم تواضعه عن ردود الفعل العربية.
في صفحات التواصل الاجتماعي عبّر الكثيرون عن مشاعرهم الشخصية. اما في المشهد السياسي فربما كانت قضية المخطوفين اللبنانيين المظلومين في حلب تشغل معظم وقت المسؤولين في الحكومة وخارجها، رغم تململ اهاليهم من تقصير السلطة حيالهم او حيال ابنائهم. في كل الاحوال فإنّ عملية الخطف جريمة استنكرها الجميع وادلوا بدلوهم رفضا وشجبا. وكاد العناق بين المتخاصمين السياسيين يكتمل لولا ان مشهد الافراج الموعود دخل في متاهات السياسة والحسابات غير المبررة ولا المفهومة اصلا.
بعد اكثر من 13 عشر الف قتيل في و15 عشر شهرا من عمر الانتفاضة السورية، تتوغل المواجهة نحو مزيد من اطلاق غرائز القتل فيما يبدو النظام السوري مصرّ على طريقته في إقناع السوريين بضرورة بقائه ولو تحت طائلة نشر الموت في بقاع البلد. هذا في وقت يتّجه “النظام” الى اعتماد النموذج الجزائري، الذي عانت منه الجزائر في النصف الاول من التسعينيات. والمؤشرات الميدانية تشير الى ان النظام السوري، من خلال الارتكابات الدموية، تقول إن هذا السلوك سيؤدي الى مزيد من القتل بهدف تحييد المدنيين تخويفا من هذا العنف والترهيب والقتل، ليبدو المشهد وكأنه صراع بين مجموعات سلفية وبين النظامز وفي المثال الجزائري نجح النظام بهذا السلوك واستطاع البقاء.
على ان المختلف في المشهد السوري عن المشهد الجزائري المشار اليه هو أنّ القناعة العامة التي تترسخ في الوعي السوري العام هي أن الانقسام ليس قائما بين مجموعات مسلحة وبين النظام، بل يترسخ في هذا الوعي أن النظام هو الذي يدير عمليات القتل. وفي مجزرة الحولا الاخيرة، حتى الامس على الأقل، كان المراقبون الدوليون غير قادرين على الوصول الى مكان المجزرة لتسجيل شهادات الناجين منها بسبب اطلاق النار المستمر على الموكب الدولي.
وليس خافيا بعد كل هذا القتل أنّ مدينة حلب لم تعد توصف انها خارج الثورة بل ان القتل وتصعيده دفعا دمشق ايضا الى مقدمة مشهد الثورة وبات جرس الثورة يقرع في دمشق بعدما قرع في ريفها ويزداد بشكل مضطرد.
وينقل قادمون من دمشق ان ثمة مؤشرين يعبران عن بداية تحول في مواقف البيئة المسيحية وفي البيئة الشامية عموما. أولى هذه المؤشرات أنّ المواقف التي بدأت بعض الدوائرالمسيحية، خصوصا الكنسية منها، وتحديدا في العاصمة السورية، تركز على ادانة المجازر بدلا من دعوات تأييد النظام. وهذا يترافق مع مؤشر ثاني هو اقتناع بدأ يتشكّل لدى الناس عموما بأنّ التفجيرات التي طالت مدينة دمشق هي من تركيب وترتيب النظام نفسه. خصوصا ان الخسائر التي نتجت عنها لم تطل الا فئة من العسكريين من المجندين الى جانب القتلى المدنيين، ولم تحص أيّا من الضباط المعروفين بأنهم دائرة النظام الرئيسة، حتى ولو كان برتبة ملازم.
المطمئن، والإطمئنان كلمة “ثقيلة” على مشهد الموت السوري، هو أنّ الشعب السوري لم يزل حاضرا في المشهد ويثبت انه لم ينفكّ بعد عن اصراره في التعبير على انه اساس الثورة. وهذا ما لم تستطع ان تخفيه او تكتمه مجزرة الحولا ولا آلاف القتلى من المدنيين. وإذا كان النظام السوري يوجه رسالة، الى العالم بعد شعبه، بأنّه لن يتردد في القتل، فإنّ الشعب السوري يثبت انه كلما ارتكبت مجزرة بحقه يزداد إصرارا على إسقاط النظام: لأنّ آلة قتل النظام لن تتوقف الا باسقاطه.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد