النسوية، أو الفمينيزم، هي كلمة تشير إلى الرؤى المتعلقة بقضايا المرأة، هدفها متجه نحو “القضاء على كل أشكال القهر المتصل بالنوع الجنسي”، واهتماماتها منصبة على “قضايا عدم المساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين النساء والرجال”، حسب ما هو مشروح في الموقع الإلكتروني لموسوعة “ويكيبيديا”. في هذا الإطار، هناك العديد من المدارس الفكرية التي تختلف في تعريف النسوية، وتتباين في الإشارة إلى أسباب انعدام المساواة وفي كيفية الوصول إليها. من تلك المدارس “النسوية الإسلامية”، التي تسعى إلى معالجة التمييز المنطلق من فهم الدين ضد المرأة، حيث تركز على عناوين حساسة، تنطلق من مسألة المساواة، وتتعلق بـ: تعدد الزوجات، والإرث، وحقوق المرأة السياسية والاجتماعية، والاختلاط، واللباس بما فيه الحجاب، والزواج والطلاق، والعمل، وقضايا أخرى يكون فيها الرجل مهيمنا بصورة وصائية على شأن المرأة.
تعتقد الباحثة الإيرانية، سيما راستين، في مقال لها بعنوان “حديث حول النسوية في إطار الفهم الديني الجديد” (نُشر في موقع “راديو زمانه”) أن “النسوية الإسلامية” مرتبطة بتحرير الرؤية الدينية التقليدية تجاه المرأة، وهي واجهت سوء الظن من طرف أتباع النسوية العلمانية وكذلك من طرف المتشددين الإسلاميين، مشيرة إلى أن العلمانيين والمتشددين اتفقوا في هذه النقطة، وأكدوا استحالة التقارب بين النسوية وبين الدين الإسلامي. فالعلمانيون يرون بأن “النسوية الإسلامية” هي بمثابة مسعى لتقوية الأدلجة الدينية، فيما يعتقد الإسلاميون المتشددون بأنها لا تنتمي إلى الدين وإنما هي مجرد فكرة غربية لضرب أيديولوجيا الإسلام. ولمعالجة سوء الظن هذا والعداء المستحكم ضدها، تسعى راستين للإجابة على عدة أسئلة تعتقد بأنها أساسية في هذا المجال، من تلك الأسئلة ما يتعلق بالتعريف، أو ما هي “النسوية الإسلامية”؟
ترى راستين بأن “النسوية الإسلامية” هي عنوان ترفعه النساء المسلمات المدافعات عن الحرية والمساواة، من أجل كسب حقوقهن العادلة، السياسية والاجتماعية، ومواجهة كافة أنواع التمييز الموجودة في ثنايا أيديولوجيا الإسلام. فالنسويات الإسلاميات، مثلهن مثل الباحثين في مجال التجديد الديني، يعتقدن بأن صور التمييز ضد المرأة هي نتاج للتفسير الديني الذكوري الوصائي المستند إلى الأحاديث الدينية، وأن شأن التمييز لا يتعلق بتاتا بالنص القرآني الذي يُعتبر المرجع الأساسي للدين الإسلامي. لذلك، يشددن على ضرورة الخوض في تفسير جديد للنص الديني.
فالمنطلق النظري الذي تنطلق منه “النسوية الإسلامية” يؤكد على مساواة جميع البشر، بما فيهم الذكر والأنثى، في مسؤولياتهم أمام الله، وأن أي تمييز اجتماعي بين الرجل والمرأة في هذا الإطار نابع من التفسير الذكوري الوصائي، وأنه لا علاقة لهذا التمييز بأصل النص الديني. وتطالب المدافعات عن هذه النظرية، كما تعتقد راستين، بالمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن خلال تأكيدهن على طرح تفسير جديد للآيات القرآنية، يسعين إلى “تنظيف” التفسير من الوصاية الذكورية. والبعض منهن يعتقدن بأن النظام السياسي المستند إلى التفسير الديني الذكوري يستغل المرأة بصورة سيئة جدا. كما هناك منهن من تعتمد في تفسيرها وحلولها للتمييز على الرؤى النظرية لـ”النسوية العلمانية”، كالاعتماد في أخذ الحقوق انطلاقا من رأي الأكثرية، واستناد ذلك إلى التفسير الحديث لحقوق الإنسان. لذلك، يعتبرن أنفسهن جزءا من الحركة النسوية العالمية. ويعتبرن تحركهن مرتبطا بالإنسان دون النظر إلى نوع جنسه، لذلك لا يعترضن على اشتراك الرجل في أنشطتهن.
إن الهدف الذي تسعى إليه “النسوية الإسلامية” هو خلق مجتمع يُحترم فيه الرجل والمرأة بصورة متساوية، مجتمع تكون فيه المرأة إنسانة حرة، لها كامل الحقوق الإنسانية والاجتماعية الحديثة، يُرفض أن تُهضم حقوقها انطلاقا من بعض التفسيرات الدينية. وفي الكويت عادة ما يرفع التيار الديني التقليدي المحافظ شعار “الدفاع عن المرأة” في خوضه الجدل حول شؤونها، لكنه لا يرفع شعار حصول المرأة على حقوقها الحديثة وصولا إلى تحقيق هدف المساواة. هو إذاً تيار يناهض “النسوية الإسلامية”. فشعار الحقوق يتناقض مع الموروث الثقافي والاجتماعي والديني للتيار، الذي يستند في رؤيته للحقوق إلى المشهد التاريخي، والذي استبدله بشعار “الدفاع عن المرأة”، أي الدفاع عنها وفق المنظور الذكوري التاريخي.
ومما لا شك فيه أن معركة تحرير المرأة وحصولها على حق المساواة وعدم التمييز ومحاربة الوصاية الذكورية عليها، تقع على عاتق الرجل والمرأة معا. لأنها معركة تحرير الإنسان. فإذا كان أحدهما (أي المرأة) حريصا على تلك الحقوق، والآخر (أي الرجل) غير مبال إلا بمصالحه الذكورية، فإن وعيا زائفا سيتشكل على هذا الأساس في المجتمع. ومن هذا المنطلق، فإن من أبجديات تغيير النظرة الوصائية الذكورية إلى المرأة، السعي إلى خلق رؤية دينية واجتماعية جديدة تتواكب مع تغيرات الحياة، رؤية يشترك في وضعها الرجل والمرأة. وبسبب غياب المحور الإنساني في التفسير الديني والتفسير الاجتماعي باتت المرأة أحد الضحايا الرئيسيين بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان. والتساؤل الذي قد يطرح نفسه هنا هو: هل يجب تغيير الواقع الاجتماعي المتأثر بالتفسير الديني الذكوري المعادي للمرأة قبل خوض المعارك المتعلقة بشؤون المرأة، كالمعركة السياسية، أم أن خوض تلك المعارك هو جزء من معادلة التغيير؟
باعتقادي أن خوض المرأة للمعارك السياسية هو جزء من معادلة التغيير، بمعنى أنه بموازاة تلك المعارك لا بد للقوى السياسية والاجتماعية الداعية إلى تحرر المرأة والداعمة لمبدأ المساواة بين الجنسين، أن تسعى إلى التأثير في الواقع الاجتماعي الذكوري بغية تغييره، وهذا لم يحدث في الكويت، لا من قِبل أنشطة المرأة نفسها، ولا من قِبل تلك القوى. ومن يتحدث عن أنشطة تغييرية في الكويت سوف يشير إلى جهد متواضع لا يستطيع أن يواجه أو يجاري حجم المشكلة وتبعاتها المؤثرة على استمرار ذكورية المجتمع. لذلك، نحن أحوج ما نحتاج في هذا الإطار إلى مشروع “للنسوية”، وبالذات لـ”النسوية الإسلامية”، يشترك فيه الرجل والمرأة، للتأثير بصورة جدية في موضوع المساواة بين الجنسين..
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com
إقرأ أيضاً:
إيرانيات يكشفن صدورهن لمحاربة “إباحية” قوانين الجمهورية الإسلامية
النسوية الإسلامية
أنا أيضا أرى صعوبة في التقريب بين النسوية وبين الأديان عموما، وليس الدين الاسلامي تحديدا.
النسوية نظرة تعطي للمرأة نفس الحقوق التي تعطيها للرجل، بدون استثناء، وهو أمر يتعارض مع ما تدعو إليه جميع الأديان من وصاية الرجل على المرأة.
ولذلك فإن أي حركة نسوية لا بد لها من اعتبار نظرة الأديان للمرأة نظرة ظرفية تكونت نتيجة ظروف تاريخية، وعليها أن تتغير بتغير الظروف.