في الرابع عشر من فبراير، أي في اليوم الذي إعتاد فيه الكثيرون حول العالم أن يتبادلوا الزهور الحمراء، أبت طهران إلا وأن تهدي التايلانديين القنابل وبرك الدماء لينقلب حالهم من الفرح والحبور إلى الرعب والكآبة. فكان ذلك مصداقا لما قلناه وحذرنا منه في مقال سابق، على إثر القبض على أحد عناصر حزب “خدا” اللبناني (حسين عتريس) وهو يهم بمغادرة مطار بانكوك بجواز سفره السويدي، من أن طهران وأتباعها من الميليشيات والحركات المذهبية بصدد إرتكاب أعمال إرهابية في تايلاند أو في غيرها من الدول الآسيوية البعيدة عن منطقة الشرق الأوسط ضد مصالح تابعة لإسرائيل أو الولايات المتحدة أو الغرب عموما، وذلك في حرب ناعمة طالما أن الحرب الحقيقية ما بين الطرفين مؤجلة إلى تاريخ لاحق.
ولا يقلل من قيمة ما قلناه أن المتورطين الأربع (اعتقل إثنان مهم منهم، وفر ثالث إلى ماليزيا، وجار البحث عن رابع مع سيدة شوهدت بصحبتهم في منتجع “باتايا” تدعى نانسي) في تفجيرات بانكوك في يوم الحب هم من عناصر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بحسب ما أكدته الشرطة التايلاندية، وليسوا من عناصر حزب “خدا” (الله). فالأول والثاني ليسا سوى وجهين لعملة واحدة رخيصة.
وبطبيعة الحال فإن إيران كانت جاهزة كعادتها لنفي التهمة عن نفسها وإلقائها على القوى الصهيونية وأنظمة الإستكبار العالمي، من خلال المتحدث بإسم خارجيتها “رامين مهمانبراست” الذي لكثرة ظهوره على الشاشات من أجل النفي صار ينافس معلميه وقادته، بل يذكرنا بوزير إعلام النظام العراقي السابق “محمد سعيد الصحاف”. لقد نسي، أو تناسى السيد “مهمانبراست” عمدا، أن قادة نظامه وحرسه الثورى أعلنوا مرارا وتكرارا بأنهم سينتقمون من قتلة علمائهم النوويين بطرقهم الخاصة، تماما مثلما أعلن خادمهم اللبناني “حسن نصر الله” بأنه سينتقم من قتلة القائد العسكري لحزبه “الحاج” عماد مغنية، صاحب الباع الطويل في عمليات الإغتيال وخطف الطائرات في الثمانينات.
من جهتها تواصل بانكوك التحقيقات مع من تم القبض عليهم (سعيد مرادي ومحمد هزاعي) وتواصل البحث عن الشخص الهارب (نيخافرد جواد)، وتتفاهم مع شريكتها الماليزية في منظومة آسيان من أجل تسليمها المتورط الفار إلى كوالالمبور(مسعود صداقت زاده)، وتحذر من إحتمالات وقوع أعمال إرهابية أخرى على أراضيها المفتوحة المضيافة بيد الخلايا الإيرانية النائمة أوأنصارها من التايلانديين المسلمين الذين غـُسلت أدمغتهم، وتم تشييعهم في المراكز الثقافية الإيرانية في بانكوك. غير أن بانكوك الحريصة من جهة أخرى على قطاعها السياحي الكبير، بدت متحفظة – حتى الآن – على إتخاذ إجراءات مشددة جديدة حيال دخول الأجانب إلى أراضيها أو خروجهم منها.
وطبقا لما يــُنشر في صفحات التعليقات في صحيفتي البلاد الكبيرتين “ذ نيشون” و “بانكوك بوست” هناك إتجاه شعبي قوى يطالب الحكومة للتفكير في تغيير أسلوبها الناعم مع القادمين إلى البلاد، ولا سيما حيال جنسيات معينة، وذلك بمعنى إشتراط حصول السائح على تأشيرة دخول مسبقة، وليس منحه شهرا كاملا للإقامة بمجرد وصوله إلى المطار. وبحسب أصحاب هذا الإتجاه، فإن أمن الوطن والمواطن يجب أن يعلو على ما تضخه السياحة من أموال في خزينة الإقتصاد.
لقد استدعت بانكوك السفير الإيراني لديها لتطلب منه إبلاغ حكومته بالكف عن إستخدام الأراضي التايلاندية في أعمال الإغتيال والإنتقام من خصومها الشرق أوسطيين أو غيرهم، لكن إلى الآن لم يترشح عنها ما تنوي القيام به ضد طهران التي خرقت بعملها الإرهابي هذا معاهدة جنيف حول أصول التمثيل الدبلوماسي. والمعروف أن للبلدين علاقات قديمة تعود جذورها الأولى إلى أربعة قرون مضت، وأن شاه إيران الأخير كان يكن إحتراما كبيرا للعاهل التايلاندي “بهوميبون أدونياديت” بسبب مكانة الأخير لدى شعبه ومواهبه المتعددة وطريقة إدارته النهضوية لبلده. ومما يمكن ذكره في سياق علاقات البلدين أيضا، أن نظام الملالي لم يلجأ إلى معاقبة بانكوك كما فعل مع دول كثيرة كانت تربطها علاقات قوية مع نظام الشاه، وإنما بنت على ما كان قائما، ولا سيما في زمن الحرب العراقية – الإيرانية حينما كانت طهران في أمس الحاجة إلى الصادرات التايلاندية المتنوعة وعلى رأسها الأرز. أما تايلاند فإنتهزت الفرصة لتوثق علاقاتها التجارية والإستثمارية والنفطية والسياحية مع إيران، بدليل عدم توقف زيارات رجال الأعمال ومسئولي غرف التجارة والصناعة في البلدين لبعضهما البعض. وعلى ضؤ هذه العلاقة المتميزة صارت بانكوك مقصدا لعشرات الآلاف من الإيرانيين سنويا، كما صارت الأخيرة من ابرز المدن التي يستهدفها ملالي طهران لإقامة المراكز الثقافية و لنشر مذهبهم في أوساط مسلمي تايلاند.
ولعل ما ساعد الإيرانيين على التغلغل في تايلاند، وفي أوساط مسلميها بصفة خاصة، هو التوتر القائم في العلاقات التايلاندية – السعودية منذ الثمانينات. فقد أتاح لهم غياب هذا القطب العربي والإسلامي الكبير عن الساحة التايلاندية أن ينصبوا أنفسهم كمناصرين للأقلية المسلمة في جنوب البلاد، ويكيفوا مطالب هؤلاء مع نغمة المظلومية والمحرومية المعروفة في خطابهم الديني.
وجملة القول أن علاقات طهران وبانكوك لن تعود إلى سابق عهدها بعد الذي حدث. فظلال الشك وعدم الثقة ستخيم عليها، خصوصا وأن العامل الإقتصاد الذي لعب الدور الأهم في تمتين تلك العلاقات لم يعد قويا. فطهران قللت كثيرا من وارداتها من الأرز التايلاندي بسبب سياسات الإكتفاء الذاتي التي إتبعتها لجهة هذه السلعة، كما لم يعد بإمكانها التوسع في إستيراد البضائع التايلاندية بسبب الحظر المفروض على مصرفها المركزي. وتايلاند، الحليفة الرئيسية لواشنطون في جنوب شرق آسيا، لا يمكنها أن تتمرد على العقوبات الإقتصادية الدولية والغربية والإمريكية المفروضة على طهران.
ويتضح من عملية بانكوك الإرهابية، أن طهران تمارس تكتيكا ذكيا لإبعاد الشبه عن نفسها، لكن مخططاتها سرعان ما تنفضح بسبب خطأ صغير غير متوقع. فرجالها دخلوا تايلاند من مطارات مختلفة وعبر دول عدة بوجوه حليقة وربطات عنق أنيقة (أي خلافا لصورة الإيراني التقليدية)، وسكنوا في فنادق متفرقة، بل وذهبوا إلى منتجعات سياحية معروفة مثل “بتايا” و”بوكيت” بصحبة بائعات الهوى كي يقنعوا الجميع بأنهم أناس مسالمون جاؤوا من أجل السياحة واللهو. كما أنهم لم يحضروا معهم ما يشكك في أهدافهم، وفضلوا إقتناء مواد التفجير (نترات الأمونيا) وصناعة القنابل (مثل سي -4) من السوق المحلية. وحينما جاءت لحظة الإلتقاء وتعريف كل متآمر بمهامه، كانت شقة في طريق متفرع من شارع “سوكومفيت” الحيوي، وعلى بعد مسافة قصيرة من المركز الثقافي الإيراني تنتظرهم وهي مجهزة بكل ما يحتاجونه. أما من إستأجر الشقة وأعدها، قبل أن يختفي عن الأنظار مغادرا تايلاند إلى طهران، فإمرأة إيرانية تدعى “ليلى روحاني” (32عاما) دخلت بانكوك قبل الجميع، وحصلت على الإقامة المعتادة، ثم تقدمت للحصول على إقامة أطول بحجة رغبتها في دراسة اللغة التايلاندية.
“إن الله يمهل ولا يهمل”، وهذا ما حدث للمتآمرين. فنتيجة لسؤ تخزينهم للمواد المتفجرة أو غبائهم وحماسهم المفرط، حدث إنفجار هائل في سكنهم، فحاولوا الهروب لكن أحدهم تعثر ولم يستطع اللحاق بصحبه، وحينما طاردته الشرطة رماهم بقنبلة كانت في حقيبته، لكن القنبلة إصطدمت بشجرة وإرتدت عليه لتبتر ساقه وتمزق جزءا من الأخرى. وبقية القصة معروفة.
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي
elmadani@batelco.com.bh
في يوم الحب، طهران تُسيل الدماء في بانكوك
Bashar and Najad like to send messages with symbols. september 11 2001 (11 of september is assad’s birthday).killing Hariri on Feb 14 is another infatuation with dates