يستمرّ العماد عون في مواجهة الآخرين مرتكزاً على فكرة قديمة جديدة اكتسبها وشكّلت قناعة راسخة لديه منذ أن دعم أو تفهّم أو تريّث في أخذ الموقف تجاه الإتفاق الثلاثي في العام 1986.
هذا الإتفاق الذي أبرمته الميليشيات المتقاتلة آنذاك برعايةٍ سورية مباشرة نظر الى لبنان من منظار الطوائف المتقاتلة والأحزاب المتناحرة وأن نهاية الإقتتال في لبنان يجب ان يُفضي الى انتقال اللبنانيين من حالة فديرالية متقاتلة الى حالة فديرالية متهادنة تؤمّن العيش جنباً الى جنب لطوائف مسيحية وسنية ودرزية وشيعية.
وفي حال نشوء خلاف لسببٍ ما، يعود الى الراعي السوري تأمين المصالحة والتفاهم في انتظار خلافٍ آخر ووساطة سورية أخرى.
ومهما كانت اسباب الذين أسقطوا هذا الإتفاق في العام 1986 فحسناً فعلوا ومهّدوا بشكلٍ أو بآخر للإنتقال بلبنان من فديرالية تلفيقيّة برعايةٍ سورية الى مفهوم العيش المشترك من خلال اتفاق الطائف.
عاد من بعدها النظام السوري الذي تفرّد في رعاية تنفيذ الاتفاق، بدعمٍ وتسليمٍ اميركي، عاد لإدارة شؤون اللبنانيين من خلال ذهنية الإتفاق الثلاثي واستبدال العيش المشترك، الذي لا يناسب الراعي السوري، بمساكنة الطوائف وابتداع صيغة الترويكا بدلاً من الحكم المتماسك، ممّا أمّن لهذا الراعي وظيفة دائمة ألا وهي التدخّل الفوري أمام الخلافات الناشئة.
ورغم مرور 22 سنة على اتفاق الطائف وخروج السوريين من لبنان وترنّح نظام الأسد أمام الثورة الباسلة التي يقودها الشعب السوري ضدّه، يستمرّ العماد عون في ممارسة عمله السياسي من خلال ذهنية الاتفاق الثلاثي بدلاً من اعتماد صيغة العيش المشترك التوافقية بين جميع اللبنانيين.
وهو يعتبر انه يمثّل المسيحيين بعد ان انتصر على خصومهِ في الداخل المسيحي لينتقل الى معركةٍ اخرى تتمثّل في مواجهة الطوائف الأخرى “من اجل تأمين حصة المسيحيين”.
لا داعي للعودة الى الأسلوب الذي اعتمده العماد عون في محاولته حسم معركتهِ المسيحية والتي ارتكزت بالمباشر على دعمٍ سوري – ايراني ويكفي في هذا المجال التذكير بزياته الى كلّ من طهران ودمشق قبل انتخابات 2009 من اجل تأمين الدعم المالي والانتخابي.
إنما المطلوب هو مقاربة موضوعية لهذا السلوك ومحاولة إبراز المخاطر التي ستعود عاجلاً أم آجلاً على وضعية المسيحيين في لبنان.
• هناك من يدّعي أن لبنان هو فعلاً فديرالية سكنية وسياسية وجغرافية، ومن الطبيعي أن تحاول كلّ طائفة اقتطاع حصة إنمائية واقتصادية وادارية وسياسية، ويستند هذا الرأي الى نصّ الدستور الذي يرتكز على التوزيع الطائفي للدولة في كل المجالات.
• إذا سلّمنا بهذه النظرة نكون تنبّهنا الى جزءٍ من المشكلة المتمثّل بضمانات الطوائف، أي ضمانة المسيحيين والمسلمين بوصفهم جماعات دينامية تتمتّع كل واحدة منها بخصوصياتٍ معترف بها ولها. إنما لا يكفي هذا التسليم من أجل التوصّل الى تأمين الحقوق للمواطنين اللبنانيين أكانوا مسلمين أم مسيحيين.
إن السائق اللبناني على سبيل المثال يتصرّف كمواطن أكان مسلماً أم مسيحياً امام إقفال الطرقات بسبب زحمة السير ولا يفيده انتزاع مركز مسيحي أو مسلم في ادارة لبنان.
• وإذا سلّمنا بهذه النظرة الفديرالية نكون ساهمنا في ترسيخ فكرة المثالثة بدلاً من المناصفة في التوازنات الداخلية وأفسحنا المجال امام اتفاق أي “ثلثين” من “ثلاثة” لإخراج الثلث الثالث من المعادلة وهذا واردٌ في أية لحظة وأي ظرف وطني أو إقليمي أو حتى دولي.
• وإذا سلّمنا بهذه النظرة نعتبر اللبنانيين مجرد قبائل متناحرة من أجل الإستيلاء على السلطة وتسقط فرادة لبنان وأسلوب العيش المميّز والمرتكز على العيش المشترك.
• وإذا سلّمنا بهذه النظرة سيحاول كلّ طرفٍ الإستقواء بخارجٍ ما من أجل حسم معركته الداخلية مع الطرف الآخر، وفي ظلّ هذا التوتّر الإقليمي على مساحة المنطقة، فإن المملكة العربية السعودية وايران، إذا أغفلنا دور سوريا المستقبلي أو تركيا أو مصر أو غيرهم، مرشّحتان لنصرة فريقٍ على آخر وسيسعى بدوره العماد عون في البحث عن خارجٍ ما يوازي التداخلات الخارجية الأخرى.
• وإذا سلّمنا بهذه النظرة سيُفرض على كلّ طائفة في لبنان أن تتحمّل معركتين على الدوام – الأولى معركةٌ داخل كل طائفة من أجل حسم أمر الزعامة فيها ومعركةٌ ثانية بين الطائفة والطوائف الأخرى من أجل تعيين ناطور أو مدير عام.
• وإذا سلّمنا بهذه النظرة نعطي حقاً أكيداً لـ”حزب الله” في أن يستمرّ بامتلاك سلاحهِ حتى يتسنّى له الإنتصار على باقي الطوائف في لبنان كما للسنّةِ حقٌ أيضاً للبحث خارج لبنان أولاً عن قوة ما توازي قوة الطوائف الأخرى اللبنانية.
• وإذا سلّمنا بهذه النظرة سينتقل المسيحيون مع الوقت من إمتلاك عائلاتهم لجوازات سفرٍ جاهزة للإستعمال، الى استعمالها بالفعل والإنتقال التدريجي من حياةٍ محكومة بالصراعات الداخلية المسيحية – المسيحية ومع الآخرين، الى حياةٍ منتظمة ويكفيهم ان يتوقفوا امام اشارة حمراء في مدينة ما في العالم حتى يتخلّصوا من الذين لا يتعلمون شيئاً من تجارب الماضي.
* فارس سعيد نائب سابق في البرلمان اللبناني، منسّق الأمانة العامة لـ14 آذار
رسالة الى مواطن عوني
على من تقرأ مزاميرك يا فارس!!!!ليس من داع للحوار .فقط المه او اضربه واضربه ثم حاوره.