عشرة أشهر مضت منذ انطلاقة ثورتنا السلمية. النظام مستمر في محاولاته لتحويل الصراع في سوريا من نضال شعب محروم من أبسط حقوقه الإنسانية والقانونية ويتعرض للنهب والإفقار بلا حدود ولا حساب وبين سلطة ديكتاتورية فاسدة مجرمة، إلى صراع بين طوائف مختلفة مما يحرم ثورتنا من سندها الأخلاقي. وقد استخدم لذلك كل الوسائل حتى القتل والتمثيل بالجثث كذلك افتعل التوتر بين المناطق المتجاورة كعش الورور وبرزة البلد، السومرية والمعضمية، مساكن الحرس وقدسيا، قرى مناطق بانياس، تلكلخ والحولة المتجاورة، وأخيرا أحياء حمص، عاصمة الثورة السورية.
وبالمقابل، فإنه منذ اليوم الأول في مظاهرة الجامع الأموي 15- 3 حتى الآن، والثورة ترفع شعارات الوحدة الوطنية ورفض الطائفية كما إن مشاركة عشرات الناشطين والمثقفين العلويين الفعالة في الثورة دليل نجاحها في تجنب الوقوع في مطبات النظام.
وحتى نقطع الطريق نهائيا على هذه المخططات، وحيث ان سوريا بلد متعدد القوميات والطوائف، فإننا يجب أن نؤكد بوضوح وبدون اي كلام عام أو مبهم على شكل دولتنا المستقبلية المنشودة، وهو الدولة علمانية التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات وتكون الحامية لحرية الفكر والمعتقد، وهذا حال كل دول العالم وهي دول غير معادية للأديان كما يحاول البعض الادعاء.
ولدينا أمثلة مقابلة على دولة دينية هي إيران “دولة ولاية الفقيه”. فرغم الرقابة الشديدة لأجهزة الدولة من الحرس الثوري وغيرها من الأجهزة على سلوك المجتمع الإيراني مع التركيز على فئات الشباب والطلاب والمرأة، فإن الإحصائيات الآتية من هناك تشير إلى انخفاض شديد بنسبة من يقوم بأداء الواجبات الدينية لدرجة لا تصدق، بالإضافة لأنها من أكثر بلدان العالم من حيث انتشار إدمان المخدرات برغم تطبيقها العدد الأكبر عالمياً من الإعدامات على تعاطي المخدرات، هذا المثال يوضح المفعول العكسي الذي يؤدي اليه الإكراه والقسر.
ولدينا في السعودية “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وقيادة الناس للمساجد بالعصا ومراقبة السلوك والملبس والمظهر باسم الغيرة على الدين، وإصدار بعض الشيوخ لعشرات الفتاوى التي أقل ما يقال فيها أنها مضحكة، حتى أنهم حتى الآن لم ينتهوا من النقاش حول جواز قيادة المرأة للسيارة. وحسب مشاهداتنا نحن في سوريا لعشرات آلاف الزوار السعوديين سنوياً، لم نر منهم هذا الالتزام الديني المميز! وهناك أمثلة أقل أهمية كأفغانستان “طالبان” و الصومال، وكلها أمثلة عن الإكراه في الدين.
وبالمقابل لدينا النموذج التركي فقد قال أردوغان خلال زياراته لتونس وليبيا ومصر بعد انتصار ثوراتها: “انه رغم أن 99% من سكان تركيا مسلمين إلا أننا حزب إسلامي في دولة علمانية”. وقد أثارت تصريحاته ردود فعل حادة في هذه البلدان الثلاثة بين مؤيد ومعارض. فكيف الحال في سوريا؟ و25% من سكانها من الأقليات الدينية؟ فالمسيحية ولدت في سوريا وأقدم كنائس العالم موجودة فيها، من حوران جنوبا حتى ادلب شمالاً ومن دير الزور والقامشلي شرقاً حتى اللاذقية وطرطوس غرباً، حيث تمتد الشواهد على ذلك. كما أن الطوائف العلوية والإسماعيلية والدرزية استقرت في منطقتنا في بداياتها الأولى. هذا الموزاييك صنع مع بقية مكونات الشعب السوري تاريخه المعاصر الذي صهر هذه التلوينات الجميلة بما يعرف اليوم بسوريا التي لم تعرف التمييز بين الطوائف قبل السنين السوداء لهذه الديكتاتورية.
وحدها الدولة الديمقراطية العلمانية المدنية هي الضامنة لحقوق هذه الأقليات وقد أيدت هذا التوجه كل القوى السياسية الكردية، وهي القومية الثانية في الوطن. كما تبنته التيارات الديمقراطية والليبرالية في الساحة السورية والكثير من شباب التنسيقيات وفعاليات الثورة والعديد من الشخصيات والتيارات الدينية. لذلك، لم يكن لدينا اي تخوف من المستقبل حتى أنه لم نكن ننوي طرح هذا الموضوع الآن حتى لا يكون هناك اي إشكال يؤثر على أولوية اسقاط النظام.
و لكن ثلاثة أمور ربما جعلت طرحه الآن مناسب:
أولا تطمين أخوتنا المشاركين في الوطن والمشاركين ايضا بالمعاناة من اجرام ونهب وفساد هذه السلطة بأن سوريا المستقبلية هي لجميع سكانها بالمساواة المطلقة بالحقوق والواجبات. فهذا النظام هو حكم عائلة فاسدة. وللعلم فإن الأصدقاء الشخصيين والشركاء التجاريين لهذه العائلة هم من طوائف أخرى، حتى المصاهرات من الطوائف الأخرى، و تنحصر مهمة العلويين بالحماية الأمنية.
أما الموضوع الثاني فهو العامل الخارجي: إن ما يحدث في سوريا من جرائم امام مسمع ومشاهدة العالم يجعل من حقنا ان نشك بوجود تواطؤ عربي اقليمي دولي ضد شعبنا، حيث أنه في 17 شباط انطلقت الثورة الليبية، وفي 27 من نفس الشهر صدر قرار مجلس الأمن! أما في سوريا، وبعد عشرة أشهر على بدء ثورتنا، لا زلنا لا نرى سوى بيانات الشجب والاستنكار وتواصل المهل واللجان والاجتماعات الخلبية.
نحن نعلم جيداً أن اسرائيل تفعل ما بوسعها لإبقاء النظام كما نعلم أن الكثير من الانظمة ليس من مصلحتها قيام سوريا ديمقراطية حديثة. ونعلم ان الكثير من المواقف الإعلامية التي تصدر عن بعض الدول تأتي كنتيجة لضغط الرأي العام ضمن هذه الدول وأنها تقول ما تقول حتى تداري تقصيرها أمام ما يتعرض له الشعب السوري ومن ثم تبدأ برمي الكرة للثورة كأن تطلب الجامعة العربية وحدة المعارضة السورية، وهل كانت المعارضة موحدة في تونس و مصر؟! أو هل هي موحدة في فرنسا والسويد؟! لذلك فإن تطمين العالم بشكل دولتنا المستقبلية ربما سوف يزيد الدعم الدولي لثورتنا خصوصا أن هناك من يدعي أن المعارضة غير قادرة على قيادة البلاد بعد زوال الديكتاتورية.
وثالث هذه الأسباب: ما حدث في الثورات العربية نفسها. ففي أول خطاب لمصطفى عبد الجليل، بعد انتصار الثورة الليبية، هنأ فيه الشعب الليبي بالنصر تحدث عن تعدد الزوجات! ومن ثم يأتي وزير تونسي ليتحدث عن فرض الحجاب وأيضا شخصيات إسلامية مصرية مدعومة من أحد الأحزاب يطالبون بإيجاد هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. بالإضافة لحالات الشحن المذهبي، وتصريحات بعض الشخصيات الاسلامية بعدم جواز تولي قبطي للرئاسة. لهذه الأسباب مجتمعة نرى الحاجة لموقف واضح حول سوريا المقبلة.
ففي سوريا المستقبل هناك المسجد وهناك الكنيسة، تماما كما كانت خلال كل تاريخها، كما أننا لسنا بحاجة لموافقات عليا إذا أردنا بناء أو ترميم بيت عبادة لأي طائفة. وهنالك مكتبات تحوي الكتب الدينية والكتب غير الدينية، هناك المطعم والنادي الليلي، نقول ذلك ونحن نشاهد التفجيرات في العراق ولبنان وغيرها…
في سوريا المستقبل هناك المرأة المحجبة، كما هناك المرأة غير المحجبة. وتفخر ثورتنا السورية بالمئات من النساء غير المحجبات المشتركات بفعالية فيها كما بقيادتها مثل سهير الأتاسي ورزان زيتونة ومنتهى الأطرش وفداء حوراني وفدوى سليمان وغيرهم الكثير. وهناك النساء المشاركات في الثورة من خارج سوريا أيضا، وطبعا هناك المئات من المحجبات في الثورة السورية. وقد كان دور المرأة في هذه الثورة مفخرة استثنائية. وبالمقابل وقفت مع النظام نساء غير محجبات، وكذلك بقايا “القبيسيات” اللواتي قال البوطي عنهن لبشار الاسد “والله انهن يلهجن بالدعاء للسيد الرئيس”!
اي أننا في النهاية نريد سوريا المستقبلية كما كانت دائما يحكمها قانون مدني وضعي، وكل تاريخها يشهد على ذلك. ولكن صدور مثل هذه التطمينات من قوى دينية تحديدا يعطيها بعدا ومعنى أهم بكثير.
ستنتصر ثورتنا رغم كل الإجرام بسبب غباء هذا النظام وعدم أهليته ومنذ الأيام الأولى للثورة كانت هناك مقولة دقيقة للشباب على الأرض “النظام يريد إسقاط النظام”! ولكن الصمود الاسطوري لهذا الشعب الذي أثار اعجاب ودهشة العالم بشجاعته النادرة هو ما سينصر ثورتنا السلمية ولن تستطيع اية قوة قهره.
أما آثار هذه الثورة فهي تتجاوز المنطقة الى العالم. فكما استلهم الشعب السوري بالبداية من الشعب التونسي والمصري، ستلهم ثورتنا المدنية مناطق اخرى في العالم بصمودها الأعزل أمام أعتى الأسلحة، ربما إيران ربما روسيا وربما غيرها من الدول…
عاشت سوريا حرة و ديمقراطية.
* ناشط سوري
رسالة مفتوحة إلى التيارات الدينية في الثورة السورية ومنها جماعة الإخوان المسلمين
إجاك الدور يادكتور
تحية نضالية
ماضاع حق وراءه طالب وما خاب من مشى في طريق يريد به اعلاء الحق ورفع الظلم على العباد اكيد منصورون بالله وتابثون تبوث الجبال بايمانكم بقضيتكم واصراركم على التغيير والاكيد ان الظالم قلبه يرتجف وترتعد فرائسه لكني اوصيكم بالوحدة والوحدة فالجماعة غلبت السبع كما يقال وفقكم الله وانزل رحمته بكم وكان النصر حليفكم في اقرب الاجال
رسالة مفتوحة إلى التيارات الدينية في الثورة السورية ومنها جماعة الإخوان المسلمين
هذه اشجع دعوة يوجهها الكاتب المحترم في خضم المأساة التي يعانيها الشعب السوري الشقيق. حبذا لو تبنت كل الشعوب العربية السبيل الذي عرضه الاستاذ بوظو هنا والذي من شأنه ان يوحد قلوب كل فئات ابناء الوطن الواحد دون ان تفرض فئة طريقة ايمانها على الفئات الاخرى بل بالعكس تحترمها وتحترم ايمانها سواء فيما يتعلق بالشؤون الدينية او بالمثل العليا لكل مجموعة او فرد. لن تواكب الدولُ العربية بصورة ايجابية الدولَ المتقدمة المتطورة الا اذا اقامت انظمة حكم علمانية تحترم كل الديانات وتحترم ابناء كل الديانات والمذاهب.