بعد اثنين وأربعين عاما من الكبت وتحريم استخدام العقل واحتكار الرأي والاستماع إلى صوت واحد، خرج الليبيون يواجهون عالما جديدا بعقل مفرغ خالٍ من الرؤيا، بعيد عن الواقع، لا يدري في ماذا يعتقد أو على أي أساس يكون.
ونريد أن لا نترك هذا الفراغ لتملأه الأفكار الرجعية المتخلفة التى تبغي أن تعود لتنشر فكرا ميتا لا يقدم حلولا ولا أفكارا تساعد الليبين على الحياة الجديدة التى نقبل عليها. وأنا، وكثيرون من أمثالى، بل أكثر مما تتصورون، لا نريد أن تتسلل الافكار المتخلفة لتملأ هذا الفراغ. لأننا لا نراها قادرة على أن تدفع بالمواطن الليبيي ليشق طريقه نحو العالم الجديد. ولا نعتقد أنها قادرة على خلق نظام يمكن أن يحكم شعبا يعيش فى القرن الواحد والعشرين..
لقد ساعدتنا فرنسا بمقوماتها المادية فى قهر النظام القديم وتحطيم معداته العسكرية، وهى مطالبة الأن بأن تساعدنا على قهر العهد القديم فى مفهومه المعنوي ومساعدتنا فى التطلع إلى المستقبل الجديد والاستعداد للاندماج فى مسيرة الانسانية نحو التحرر والحضارة.
ونحن نتمنى أن تتعدد الثقافات وتتجاور وتطرح دائما أفكاراً جديدة وقيماًً كثيرة، فتتكون لوحة فسيفسائية تتعدد مكوناتها وتختلف ألوانها وتتفتح ألف زهرة. نريدها أن تساعد الليبيين فى خلق مجال جديد يكون فيه الانسان هو مقياس الاشياء، وتكون حياته وسعادته هي هدف كل خطة وكل سياسة.
وأعتقد أن نشر اللغة والثقافة الفرنسية سيساعد الليبين على هذه النقلة الحضارية الكبرى. واللغة وسيلة للاتصال، ولكنها كذلك طريقة للتفكير يساعد نشرها على تحقيق فوائد كثيرة لفرنسا ولليبيين كذلك.
وإذا أرادت فرنسا أن تأخذ بهذه الفكرة فإنه يمكنها أن تبدأ بإعادة افتتاح المراكز الثقافية ونشرها فى كل المدن الليبية، واستقطاب الليبيين لتعيلم اللغة الفرنسية، وتعليم مهارات الحياة الاخرى كالكمبيوتر والرسم والتصوير والسينيما. كما تستطيع البدء بإنشاء مدرسة أو مدرستين تبدآن من فترة الحضانة ثم تستمران حتى الحصول على البكالوريا الفرنسية. كما يمكنها أن تشرف على أقسام تدريس الادب الفرنسي بالجامعات الليبية والتى تقدم الان مستويات ضعيفة جدا من التعليم لا تجاوز مستوى طالب الثانوية.
وتستطيع كذلك أن تقدم عددا معينا من المنح الدراسية للدراسات العليا فى فرنسا، كما تفعل مؤسسة فراكلين الامريكية وشيفينج البريطانية.
وأن تقدم معلمي اللغة الفرنسية فى المدارس الحكومية، على أن يكونوا فرنسيين وليسوا من جنسيات أخرى، لان الثقافة لا تنتقل عن طريق الكتب والكلمات بل عن طريق الاحتكاك وممارسة الحياة اليومية ولغة الجسد.
وعندما تبدأ الشركات الفرنسية العمل فى ليبيا، فيمكنها أن ترشج من تراه كفؤا من موظفيها الليبيين لتلقى دورات تدريبية فى فرنسا تتيح لهم الإحتكاك بالمجتمع الفرنسى والعيش معه والتعلم منه.
ويمكنها أن تقدم دورات تدريبية للصحافينن الليبين الجدد، وأن تتيح للشبان الليبين الراغبين فى العمل السياسى والترشح للانتخابات دورات تدريبية فى الجمعية الوطنية والبرلمان الأوروبي يتعلمون فيها مهنة التمثيل النيابى وتكتيكاته السياسية عن طريق الاحتكاك بالنواب والتعلم منهم.
وفى مجال المجتمع المدني تستطيع فرنسا أن تساهم فى تكوين وتقوية المؤسسات الحقوقية التى تعمل على نشر ثقافة الديمقراطية خاصة فى مجال المرأة وحماية الطفولة وحقوق الانسان.
ويمكنها كذلك أن تشارك فى تكوين محطة تلفزيونية ليست شبيهة بـ france 24 أو “الحرة” الامريكية التى تقدم الجانب السياسى للدولة، بل بمحطة شبيهة ب mbc 4 لتقدم الجانب الاجتماعي والانساني للشعب الفرنسى من خلال رؤيا عربية.
إن تشجيع الليبيين على السفر إلى فرنسا وتسهيل إجراءات حصولهم على التأشيرة للعائلات والافراد أمر مهم فى هدا الطرح.. وليبيا بلد مختلف عن بقية شعوب المغرب العربي وتتمتع بغنى وثراء ولا يطمع أبناءها بالهجرة أو الاقامة فى بلاد الغرب. لذا فلا خوف من تسهيل إجراءات السفر والزيارة للاتحاد الاوربى. وبرغم عنفهم فى ثورة الغضب، فهم شعب مسالم لا يحمل كرهاً للغرب، بل ربما يرغب فى أن يكون امتداداً له.
وكل ما أرجوه أن ترتبط ليبيا بالاتحاد الاورويس إقتصاديا وثقافياً، وأن تكون امتداداً له، وأن تنظر لنا أوروبا، ومهما كانت درجة تخلفنا، باعتبارنا بشرا قابلين للتطور وليس غوغاء يملكون ثروة لا يستحقونها والغرب أولى بها منها.
swehlico@maktoob.com
ماجد السويحلي
كاتب ليبيى