“على قدر أهل العزم تأتي العزائم”
المتنبي
*
السيد الباجي قائد السبسي،
تونس التي تغرق تحتاج إلى منقذ، وتونس التي تحترق تحتاج إلى إطفائي. أسّسْ حزبا يكون هذا المنقذ و هذا الإطفائي قبل فوات الأوان.
لماذا أنت الوحيد اليوم المؤهل لهذه المهمة الشاقة؟ لأنك الوحيد الذي يتمتع بمصداقية وطنية إقليمية ودولية لا تشوبها شائبة وهذا رأسمال ثمين ونادر، فاستثمره لصالح وطنك الذي يتآكل كل يوم أكثر.
المهمة الأولى الملحة لهذا الحزب المأمول- حتى لا يكون مجرد رقم تائه بين عشرات الأحزاب الصغيرة، التي تتناسب نجاعتها عكسا مع عددها، والتي ساهمت بقوة في اجتياح النهضة للتأسيسي- هي بالضبط دمج هذه الأحزاب الصغيرة، حوالي 70 حزبا منها منحدرة من التجمع أو قريبة سياسيا منه، في حزب كبير حامل لمشروع مجتمعي العقلانية مُنطلقَهُ والحداثة رائدُه.
خطيئة هذه الأحزاب المميتة والقوائم المستقلة، هي تشتُّتها. لقد استقطبتْ حوالي مليون ناخب ومع ذلك لم تفز بطائل. والحال أنه كان بإمكانها لو لم تتفرق أيدي سبأ، لفازت بعشرات المقاعد الكفيلة بتغيير ميزان القوة في التأسيسي على الأقل لتكوين معارضة قوية عدديا ومتماسكة برنامجيا لتَغَوُّل النهضة وخطر مشروعها الديني على مكاسب الحداثة منذ نصف قرن.
دمج هذه الكيانات الحزبية والشخصيات المستقلة ينبغي أن يتسامى عن المساومات السياسوية والمطامع النرجسية في الزعامة;لأن ذلك سيكون الدودة التي ستعفن الثمرة بعد حين.
الحزب المأمول ينبغي أن لا يقتصر، كما كانت حركة الاشتراكيين الديمقراطيين في طبعتها الأولى، على نخب العاصمة و ضواحيها، بل يجب أن يستقطب، كأولوية، نخب و كادر وجمهور الولايات (=المحافظات) الداخلية الفقيرة التي استخدمها أقصى اليمين الإسلامي وحليفه الموضوعي، أقصى اليسار الطفولي، لتدمير الاقتصاد الوطني- وبالنتيجة تفكيك الدولة- بطرد السياح و المستثمرين الأجانب، وردع المستثمرين التونسيين، و إفقار الشرائح الدنيا من الطبقات الوسطى، و تضخيم صفوف العاطلين وإدخال اليأس من المستقبل إلى رؤوس معظم التونسيين، منهم ال6 مليون ناخب الذين لم يصوّتوا للنهضة،. هؤلاء هم الذين ينبغي على حزبك أن يفكر في استقطابهم لتثقيفهم بمصالحهم الحقيقية و بثقافة الديمقراطية، أي بالحوار الذي لا يستخدم مع الخصوم إلا قوة الحجة و ليس قط حجة القوة، التي يجب أن تبقى ماركة مسجلة للاتجاه المتطرف في النهضة و قائده راشد الغنوشي، “الذي اختار دائما العنف على الحوار”( عبد الفتاح مورو) والذي هدد عشية الانتخابات بأنه “قادر على إسقاط 10 حكومات إذا زُوِّرت الانتخابات”. و هو يعلم علم اليقين أنها لن تُزَوَّرْ… تهديده كان فقط لهدفين: استعراض القوة الغاشمة لإرهاب الخصم، وربما أيضا لإيجاد الذريعة لانتفاضة دموية في حالة حصول النهضة على 25% أو 30% من الأصوات كما كان يتوقع الجميع، بمن فيهم هو نفسه، الذي فاجأه انتصاره الانتخابي و أربكه.
قال الترابي في 1989: “جئنا للسلطة بحمّام دم و لن نتركها إلا بحمّام دم”. بالمثل كان الغنوشي، الذي تواطأ مع الترابي على حكم السودان بالحديد والنار، يريد أيضا المجيء للسلطة بانتفاضة دموية كانت ستمكنه من تصفية النخب الديمقراطية بواسطة “السلفيين” الذين لن يكونوا حينئذ إلا طاقية الإخفاء التي يضعها متطرفون على رؤوسهم للتمويه.
أعلن الغنوشي أنه سيعترف بحزب التحرير; لكنه لن يعترف بالسلفيين. لماذا؟ لتركهم بلا عنوان وبلا ناطق رسمي باسمهم يُكَذِّب ما يرتكبه آخرون باسمهم. و ما مأخذه على السلفيين هو السلفي قلبا و قالبا؟
لينتبه المجتمعان السياسي والمدني إلى أن الغنوشي تدرب جيدا على أساليب تكميم و قمع وتصفية المعارضة في إيران والسودان الإسلاميتين. ولن يتردد في تفعيلها في تونس لاجتثاث كل معارضة جدية لمشروعه السلفي الطالباني. كما تدرب على تفكيك الدولة المدنية لإقامة الدولة الدينية الفوضوية على أنقاضها. المدخل إلى هذا التفكيك كان أسلمة المؤسسات الأساسية، تحت شعار “التطهير”، كالأمن والجيش و القضاء و الإعلام و التعليم…
الأسلمة استئصال لكل ما ليس إسلاميا. لذلك لا تتحقق إلا في مناخ ثورة “إقتلاعية” تسكن شعور ولا شعور رئيس حركة النهضة الذي كتب: “ليس رائدنا (في هذا الكتاب) لذّة معرفية بل ثورة إسلامية تقتلع الطواغيت والتبعية من أرض الله”(راشد الغنوشي، الحريات العامة في الدولة الإسلامية ص27، بيروت 1993). فهو إذن مصاب بوسواس”الثورة الإسلامية الإقتلاعية”. والوسواس عادةً قهري، فلتعمل جميع القوى الحية، في المجتمع التونسي والمجموعة الدولية، كل ما في وسعها لقطع الطريق على هذه الفتنة وعند الضرورة للتصدّي الفعّال لها.
إذا نجح فريقك، العمل السياسي منذ الآن يعتمد على روح الفريق و ليس على الفارس الوحيد، في لمّ شمل الأحزاب الصغيرة وكثير من المستقلين إلى حزبك، فاشرع في تناول الوجبة الدسمة: تجميع الأحزاب الأكبر لتُكوِّن منها كتلة تاريخية تضم جميع الأحزاب والجمعيات الحداثية خاصة جمعية النساء الديمقراطيات، والحزب الديمقراطي التقدمي، والتكتل والمبادرة، والقطب الديمقراطي الحداثي، والإسلاميين المستنيرين مثل مورو والجورشي والنيفر… سواء كأفراد أو كحزب. انضمام النقابيين إلى حزبك كاتجاه عمالي داخله أو كحزب إلى الكتلة التاريخية، سيكون مفيدا أيضا.
اجتذاب الإعلاميين والمثقفين الجديرين بأسلافهم في أوروبا الثلاثينات، الذين تصدوا للفاشية مفكّكين، بثمن الحرية أو الحياة، أساطيرها، سيكون مهما أيضا.
تحت وطأة عقدة “غيرة الأخوة المتقاتلين على الزعامة في غياب الأب”، عجز قادة الأحزاب، سواء في ظل حكم 7 نوفمبر أو أمام تحدي النهضة، عن الإتحاد لرد التحدي. فكن أنت الأب الرمزي الذي يفرض انضباط الاتحاد عليهم. باختصار، ليكنْ حزبك بوتقة لكل القوى و الشخصيات الحية في الأمّة التي وعت خطر مشروع أقصى اليمين الإسلامي على الأمن، والسلم الاجتماعية، واستمرارية دولة الاستقلال و مكاسبها الحداثية.
ديناميك هذه الكتلة التاريخية سيكون ايجابيا على مستقبل الحياة السياسية في تونس. تأثيره الإيجابي سيمتد إلى النهضة نفسها لتشجيع عناصرها الأقل انغلاقا على عزل الاتجاه السلفي الطالباني وتعزيز الاتجاه الأردوغاني فيها الذي لا يُكفّر حقوق الإنسان و لا يخلط الدين بالسياسة. و هكذا قد تصل تونس أخيرا، بفضل مبادرتك الإنقاذية، إلى ديمقراطية الحزبين الوسطيين الكبيرين المتفقين على أساسيات النظام Les fondamentaux du système : التداول السلمي على السلطة، عدم المس بمجلة الأحوال الشخصية و مكاسب الحداثة الأخرى، احترام المبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان و اقتصاد السوق الاجتماعي واستقلال القضاء و استقلال المجتمع المدني و استقلال الإعلام.
أساسيات النظام تمثل حجر الزاوية في الديمقراطيات الكبرى في العالم. ديمقراطية الحزبين، المُجْمعين على أساسيات النظام و المتداولين سلميا على الحكم، هي الاتجاه الذي يسود اليوم أكثر فأكثر في عصرنا.
سي الباجي:
أود لفت نظرك إلى مسألة جوهرية هي تخلف صناعة القرار في الدول العربية جميعا. لذا أقترح أن يكون برنامج حزبك من صنع العلم، أي المعاهد المتخصصة في صنع القرار بالكمبيوتر للخروج أخيرا من صناعة القرار بالارتجال، و الأهواء و الرغبات الهاذية كثيرا و غالبا. مثلا صدام افتخر بأنه اتخذ قرار ضمّ الكويت الكارثي بحلم:” أتظنون، قال، أنني أنا الذي اتخذت قرار ضم المحافظة ال19؟ لا، لا إنه حلم رأيته في المنام.”( سعيد البزّاز في كتابه “الجنرالات آخر من يعلم”، ص 101). ولا شك أنك كوزير خارجية بورقيبة تعرف من مهازل صنع القرار في الدول العربية أضعاف ما أعرف!
اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون: أهل الذكر في هذه الحالة هم الأخصائيون في صناعة القرار في العالم. ليُكوِّن حزبك على الأقل معهدا لصنع القرار ينتدب إليه أخصائيين من أوروبا و أمريكا و تركيا و الهند مثلا يصنع له قراره و ليُكوّنوا في الوقت ذاته أخصائيين تونسيين في صنع القرار. و عندما يأتي دوره، مع الكتلة التاريخية، في التداول على الحكم ينقل تجربته في صنع القرار بالعلم إلى الدولة.
علم السياسة يعلّمنا أنه: كما تسوس القيادة التنظيم و هي في المعارضة، تسوس النظام وهي في الحكم.
مطلبان أساسيان لإنقاذ تونس من المخاطر التي تتهددها:
1)- مطلب المصالحة الوطنية الشاملة و الفورية التي ينبغي على حزبك أن يجعل منها شعاره المركزي; ويقرن القول بالفعل فتستقبل فيه دون إقصاء، إلى جانب الكفاءات الجديدة، جميع الكفاءات التي عملت في “الدستور” و”التجمع” وفي النقابات و الجمعيات.
2)- مطلب توسيع قاعدة النظام الاجتماعية بدمج النخب الجديدة فيه لتشارك في صنع القرار و في السلطة و الثروة. من دون توسيع قاعدة النظام الاجتماعي- السياسي لن تخرج الدولة من أزمتها البنيوية التي انفجرت في ديسمبر2010، خاصة وأن النهضة إقصائية كأي أقصى يمين. لذلك ستقدم أهل الولاء والتدين على أهل الكفاءة و الجدارة! من هنا أهمية دمج الخريجين العاطلين، المنحدرين في معظمهم من الأحياء و المناطق الفقيرة، في تنظيمك اليوم لدمجهم في النظام غدا قطعا للطريق على استخدام المعارضة الهدامة لهم ( ليعُدْ من شاء إلى رسائلي السابقة في الحوار المتمدن للإطلاع بمزيد من التفصيل على مسألتي صناعة القرار و توسيع قاعدة النظام الاجتماعية).
سيكون كسبا ثمينا لتونس أن تمتلك أخيرا حزبا قادرا على أداء مهمتين أساسيتين:
1)- صنع قرار صحيح يساعده على توقع المتطلبات القومية والدولية في الوقت المناسب، أي قبل أن تفرض نفسها عليه; الحكم الرشيد هو الذي يُنفّذ ما يحتاجه مجتمعه وما يطلبه المجتمع الدولي منه قبل أن يفرضانه عليه.
2)- وقادرا على أن يكون منبرا للنقاش الحر المتعارض، الضروري لمجتمعات مازالت تتحكم فيها الذهنيات التقليدية المتشبعة بثقافة الإجماع، لتدريب جمهوره و الجمهور العريض على ثقافة الديمقراطية الغائبة غيابا فاجعا في المجتمع التونسي و المجتمعات العربية; يستفيد من هذا الغياب أقصى اليمين الإسلامي الشمولي بفرض ثقافة الإجماع، ثقافة “السمع والطاعة”: “أمام النص نقول سمعنا و أطعنا”(راشد الغنوشي).
باسم هذا الانضباط البقَري أمام النص، يريد الغنوشي اليوم نسخ جميع فصول(= مواد) مجلة الأحوال الشخصية، المتعارضة، من منظور القراءة الحرفية للنص، مع النص: نسخ قانون التبني، والطلاق المدني أمام القضاء، ومنع تعدد الزوجات، ومنع القوامية أي رئاسة الزوج للعائلة التي حوّلها قانون 1993 إلى شراكة بين الزوجين…
نموذج حزبك سيكون عندئذ أسوة حسنة لجميع الأحزاب الحداثية في تونس و حتى أبعد.
هل ستغرق تونس في مستنقع الصوملة؟ هل ستحترق في نيران إمارة إسلامية على الطريقة الطالبانية أو الإيرانية أو السودانية، و الفوارق بين الثلاث في الدرجة لا في النوع؟ أم هل ستصبح تونس تركيا ثانية تقود مع الأولى العالم الإسلامي إلى: “مصالحة الإسلام مع الحرية و الديمقراطية و العلمانية” كما اقترح اردوغان عليها و على إسلامييها خلال زيارته الأخيرة إلى تونس، وتُنمي اقتصادها، على غرار تركيا الإسلامية، بمعدل قياسي:8% سنويا؟ كلها احتمالات واردة بنفس الدرجة تقريبا. وحدها الشجاعة السياسية و الفكرية عند قواها الحية المتحدة في كتلة تاريخية قد تكون قادرة على تغليب الاحتمال المتفائل. و لمثل ذلك يعمل العاملون.
هذه وصيتي.
قُدْ حزب إنقاذ تونس: رسالة إلى قائد السبسي
* لا بـاجـيـك مـن أهـل الـعـزم ولا مـن الـكـرام *
حـتي تـأتي مـكـارمـه ومـكارمك بحزب يتظلل بظله التونسيون
و مـن نـفـقـتك ونـفقـته بـيـن وظاهر الـعـشـاء الذي سيـتناوله الـشعب
إسـتـبـدلـتـم الـقـفـة بالحاويات فـألـهـتم المقبور وفرعـنتم المخلوع
وأنـتـم أنـتـم لـم تبرحوا أصناكم وضللتم أمـامـها عـاكـفين . الشـرك ديدنـكم والطـمع طـبـعـكم
****** لا أرجـو من الله إلا فتح بـصائركم *******
قُدْ حزب إنقاذ تونس: رسالة إلى قائد السبسي
oui c’est vraie, la tunisie a fortement besoin d’un grand parti politique pour promouvoir ses paysage politiquo-économique et social et à ce titre je pense que Mr Caid Essebsi est habileté à le conclure.