إلى كل من استسهل وصف يوم الأربعاء بـمختلف الأوصاف، وفي ضوء تعدد التفسيرات التي يمكن إطلاق أحدها على ذلك الحدث المتمثّل بـ”اقتحام” مجلس الأمة الكويتي، وانطلاقا من عدم الوقوع في مستنقع التناقض بين دعم احتجاج أكثر انتهاكا للقانون في الخارج، وتجريم انتهاك أخف بكثير منه في الداخل، أقول، وبكل ثقة، بأن يوم الأربعاء الأسود هو يوم مميز في “بياضه”، يوم يسجل في تاريخ الكويت على أنه قفزة نوعية في الصراع السلمي، وفي الاحتجاج السياسي الرمزي، من حيث هو إشارة جلية لإدانة الانتقائية القانونية في وسط مصنع القانون (البرلمان) في ظل وجود مشرّعي ومنفّذي القانون. فهو يوم قد ساهم في تطوّر الوعي السياسي، وفي تشكيل مشهده، هذا المشهد المستند إلى جملة من الشعارات الإصلاحية التي تجلى أحدها في “الحكومة الشعبية”.
لقد آثر الكثير من الكويتيين أن يقفوا إلى جانب الثورات العربية، وأن يدعموا التغيرات العربية، بدءا من البحرين، مرورا بسوريا واليمن ومصر، انتهاء بليبيا وتونس، غير مبالين بما يمارسه الثوار، والمحتجون، من تعد على القانون، ومن انتهاك للنظام العام، أملا في تحقيق نتيجة تغييرية، بسبب أن التغيير لا يمكن أن يتحقق دون هذا التعدي والانتهاك، ولأن “التجاوز” هو سلوك احتجاجي على تجاوز السلطة للقانون.
لكن، حينما تعلق الأمر بمجتمع الكويتيين، ارتفعت الحمية الوطنية عن البعض، غير مبالين بسقوط تلك الحمية في وحل التناقضات الحكومية فيما يتعلق بسلوك التنفيذ الانتقائي للقانون. لذلك، ساهم هذا التصرف في جعل مجتمعهم وكأنه ينتمي إلى كوكب آخر، وأن أفراده من الملائكة، لا يخطئون، ولا يمكن أن يتجاوزوا القانون، ومن غير المعقول وجود علاقة انتقائية مع القانون، ما أدى ذلك إلى التسبّب في تشكيل كرة ثلج احتجاجية. لقد ظن هذا البعض أن مجتمعهم معزول عن العالم العربي، في سلوك أفراده، وفي نظامه السياسي، وأنه قريب جدا من الشأن الغربي الديموقراطي، مما قد يحميه من الآثار العربية الربيعية. فتوهموا السلامة، واستبعدوا الواقعية السياسية والاجتماعية، المؤشرة إلى ضرورة الحراك الشبابي بسبب الأوضاع الداخلية الجامدة والفاسدة.
أراد البعض أن يركّز منظاره، فقط، على “الاقتحام”، وأن يختزل كامل الحراك الشبابي في سلوك يوم الأربعاء، وفي وجود بعض النواب “الفاسدين” وسط الشباب، كما أراد هذا البعض أن يوهمنا بأن “الاقتحام” حوّل الأنظار إليه بدلا من أن يستمر في تركيزها على السلوك الحكومي، المناهض للديموقراطية والجالب للفساد.
إن تلك النظرة تعتبر ناقصة في ظل المعطيات التي برزت على السطح بعد حادثة “الاقتحام”. أول تلك المعطيات، تركيز الإعلام الغربي، الأمريكي، على واقعية مطالب الشباب، وضرورة تنفيذها من قبل الحكومة الكويتية. المعطى الآخر تمثّل في تعجيل الحراك، ثم “الاقتحام”، في تطوير أساليب الحراك بحيث أصبح المختلفون فكريا وسياسيا واجتماعيا، في خيمة حراكية واحدة وبألوان احتجاج مختلفة ضد الحكومة، مطالبين السلطة بخطوات إصلاحية متباينة. وعلى الرغم من ذلك التباين إلا أن المطالب الإصلاحية تجاوزت الحكومة حتى وصلت إلى السلطة، بعد أن مرّت في تأثيراتها على بعض المكونات الاجتماعية والحركية الكويتية.
لذا، كان “الاقتحام” عاملا مساهما في تطوير الحراك، حركيا، وفي رفع سقف المطالب، سياسيا واجتماعيا. كما كان عاملا مساهما في دفع الغرب، الإعلامي ثم الحكومي، للاهتمام بمطالبه، ما يحتاج الأمر إلى تشكيل فريق فكري سياسي لتحديد واستشراف مغزى هذا الاهتمام، وإلى آلية معينة تشرح طريقة التعامل معه. لذلك، فإن تركيز البعض على مطالب إصلاحية مكرّرة منذ أكثر من 40 عاما بدلا من المطالب الإصلاحية الراهنة، هو شأن قد عفى عليه الزمن، ولا يمكن إلا أن يكون مطلبا تقليديا يتجاوزه سقف المطالب التغييرية الراهنة. فسقف الإصلاح التقليدي لا يمكن أن يصنع حراكا حديثا في الوقت الراهن في ضوء علاقة جميع الإصلاحات والمطالب التغييرية العربية بعبارة “الربيع العربي”، بعد أن اصبحت تلك العبارة ملهمة، محرّكة، وصائغة لمطالب تستلهم صورها من القيم العالمية الحديثة.
فالبعض يعتقد بأن أجندة الحراك في الكويت سياسية فقط، ولا ينظر الى تأثيراته السياسية الاجتماعية. من تلك التأثيرات، التغيير الذي حدث ويحدث في قانون القبيلة، وتأثير ذلك على توجهات شباب القبائل، وعلى سلوكهم السياسي والاجتماعي، حتى بتنا نسمع تمرّدا على قيم قبلية أصيلة، وتوجها لصياغة مواقف سياسية خارج إطار العرف القبلي، ومواقف تنتمي إلى أطر المجتمع المدني الكويتي أكثر من انتمائها للقبيلة، ودعوات لعزل شيوخ القبائل ورفض أوامرهم إن كانت تتجاهل الحراك وتتحدى مطالب التغيير وتميل إلى ما تريده الحكومة. ومن صور الحراك الأخرى، التأثير على أدبيات الخطاب السياسي والاجتماعي والديني السلفي، برفع العديد من المجموعات السلفية، المتمردة على السلفية التقليدية، شعارات واتخاذها مواقف تؤيد الكثير من صور المطالب المدنية المنصوصة بالدستور استنادا إلى الالتزام بوسيلة القانون، حتى بات الوضع السلفي الكويتي منتميا إلى العديد من صور تطور الحراك الإسلامي، كذاك الذي نتلمسه في المغرب وتونس.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com