كل يوم تقريباً تشير “الوكالة الوطنية” أو الصحف اللبنانية، إلى عمليات “تشليح” يتعرّض لها العمال السوريون في جنوب لبنان. وغالباً، ما يتعرض هؤلاء لسرقة أموالهم وهواتفهم النقّالة. “حوادث متفرّقة” لا تلفت النظر، ولو أنها أصبحت “يومية” منذ أشهر فقط؟ ربما تكون “متفرّقة”، ولكن “يجمعها” أنها بعض مظاهر الإضطهاد المتعمّد الذي يتعرّض له العمال السوريون لأنهم “يعادون آل الأسد”! أي لأنهم “الخونة…”!
*
آلاف العمال السوريين يعيشون في المناطق الشيعية في لبنان. كانوا حتى قبل ستة أشهر حاكمين بأمرهم، يتمتعون بحصانة “إلهية”، وهيمنة خفية، ويطلق عليهم توصيف “ضيوف” خلافا لتوصيف “رعايا” الذي يطلق على غيرهم من العمال العرب كالسودانيين والمصريين والعراقيين. لكن هذا الواقع تبدل منذ اندلاع الانتفاضة في بلادهم، على الاقل بالنسبة لقسم كبير منهم، ممن يؤيدون نداءات إسقاط النظام التي تعم المناطق السورية.
“القوميسير السياسي” الإلهي إسمه “الرابط”!
في المنزل شبه المتداعي قبالة منزلنا في إحدى القرى الجنوبية، يتكدّس منذ سنوات أكثر من خمسة عشر عاملاً سورياً. منذ فترة لاحظ سكان الحي أن عدد قاطنيه قد تضاءل، ما دفع أحد الفضوليين إلى السؤال عن السبب، فكان الجواب أنهم آثروا ترك البلد والبقاء إلى جانب عائلاتهم في سوريا. والحقيقة التي يتداولها سكان الحي أنهم أُجبروا على ذلك، بعد أن تبين “للرابط” الذي يتولى إدارة شؤون الحي، وهو المسؤول الحزبي المحلي وفق الهرم التنظيمي في حزب الله، أنهم يعادون آل الأسد ويؤيدون الثورة، كما أن بعض مواطنيهم وشوا بهم، وأبلغوا “الرابط” أن أفرادا من عائلاتهم يشاركون في التظاهرات المناهضة للنظام.
لا يوفّرون كردياً واحداً من تحقيقاتهم!
لا ينتهي الإقتصاص من ثوار سوريا عند هذا الحد.
روى لي شاب كردي من “القامشلي” يعمل بستانياً في منطقة شيعية، أن رجال الأمن في حزب الله لا يوفرون كرديا واحدا من التحقيقات اليومية. قال: “هم يستدعوننا باستمرار إلى مكاتبهم، أمس استدعوني وأخذوا مني هاتفي الخلوي، وقام أحدهم بتسجيل كل الأرقام الموجودة فيه ليعرف مع من أتواصل. منذ فترة، قرر أحد المسؤولين في القومي السوري ترحيل عدد من زملائي في العمل لأنهم رفضوا المشاركة في مسيرة نظّمها حزبا “البعث” و”القومي” تأييدا لبشار”، يتابع: “أجبرهم على الصعود في السيارة، قائلا: سوف نرميكم على “المصنع”، لا مكان للعملاء بيننا، وما زلت اتصل بذويهم، الذين لا يعرفون عن مصيرهم شيئا، وعرفنا في ما بعد أنه تم تسليمهم للأمن السوري.
لا تقتصر المضايقات وشد الخناق على العمال السوريين المؤيدين للثورة، من قبل حزب الله والأحزاب المتحالفة معه كحزبي البعث والقومي السوري.
هناك مدنيون لبنانيون أشد فتكا منهم، وأكثر تعصبا من السياسيين. يقول الشاب الدرعاوي الذي كان يعمل “ناطورا” لإحدى المؤسسات غير الرسمية: “في أول ايام الإنتفاضة ، زارني في الغرفة المخصصة لي، عامل التنظيفات في المؤسسة التي أعمل فيها، وهو لبناني من إحدى قرى الشريط الحدودي، أقول هذا لأنه من المفترض أنه يدرك معنى الظلم وأهمية الشعور بالحرية. على الفور، لاحظ أني أنزلت صورة الرئيس (بشار الأسد) عن الحائط، فبدأ يكيل لي الشتائم ويتهمني بالعمالة والتآمر على محور المقاومة، وخرج من غرفتي ثائرا فائرا، في اليوم التالي أبلغتني المؤسسة أنها استغنت عن خدماتي.
لجأت للعمل في بيروت، سكان المبنى الذي أعمل فيه “ناطورا”، يعاملونني كأني صاحب الملك، يعتذرون ألف مرة قبل أن يطلبوا مني القيام بعمل ما، هذا لأني مع المعارضة بالطبع. المفارقة المضحكة، هو أنني كنت أعمل في بيروت سابقا، وهربت منها بعد مقتل الرئيس الحريري، لأن الأخوان هناك انقضوا علينا وصاروا يتصيدوننا كالعصافير، فسبحان مبدل الأحوال”!
على امتداد المناطق الشيعية في لبنان وخاصة في الجنوب، لا بد أن ترى كل يوم مشهدا غريبا من نوعه: اشخاص ملثمون يعتدون بالضرب على عامل سوري. قبل منتصف آذار هذا العام، كان المشهد مختلفا او معاكسا تماما. كان العمال السوريون يحكمون المناطق التي يقطنونها بيد من حديد، سلتطهم كانت امتدادا لسلطة حلفائهم، أو العكس. فإذا صادف وحصل إشكال مع الأهالي، تقوم مخابرات الجيش اللبناني يدعمها أمن حزب الله والأحزاب الحليفة، باعتقال الأهالي اللبنانيين، ورميهم في النظارة، كرمى لعيني “الأشقاء”! اليوم تقوم الجهات ذاتها بتأديب العمال السوريين المعارضين للنظام، ويفرضون على مستخدميهم طردهم من العمل، كما يتم نقل الخطيرين منهم إلى السجون السورية مباشرة. والقاسم المشترك بين المشهدين، مشهد ما قبل الثورة وما بعدها، هو التعتيم الإعلامي على كل ما يجري من إشكالات أو اعتداءات، ويكون العامل السوري المقيم في لبنان بذلك قد دفع ضريبتين ثمنا لكرامته، واحدة للنظام في الداخل وأخرى لأنصاره في الخارج.
يستغرب شاب دمشقي يدرس في الجامعة اللبنانية، كيف يمكن للشعب اللبناني، خاصة أبناء الطائفة الشيعية -بغض النظر عن مواقف قادتهم السياسيين- الذين ذاقوا الويلات من آلة القتل الإسرائيلية، أن لا تهتز مشاعرهم لرؤية الدم السوري مسفوكا في الشوارع! ويتحدث عن وصمة عار سوف يسجلها التاريخ بحقهم، لدفاعهم عن نظام ديكتاتوري دموي.
بينما تشير زميلته إلى أنه لم يتغير عليها شيء بقدومها إلى بيروت: “هنا أيضا يوجد أجهزة مخابرات تلاحقنا، وتحصي تحركاتنا، وتمنعنا من التجمع، بحجة أن لبنان لا يجوز أن يصبح متراسا للتصويب على سوريا”، تتابع: “الأفضل أن يقولوا إن لبنان ليس متراسا للتصويب على النظام في سوريا، أما الشعب السوري فلا أحد يهتم بحمايته، ومن الأفضل أن يباد بنظر بعض الأحزاب في لبنان، لأن ثورته تهدد كياناتها”.
أوضاع السوريين في لبنان، ليست أفضل حالا من أوضاعهم في سوريا نفسها، ما داموا يحلمون بالحرية. ويبدو أن الديكتاتوريات التي اختصرت معاني المقاومة والممانعة والمواجهة بأنظمتها الخاصة وأحزابها الإلهية والخالدة، تتشارك الرعب من دنو أجلها. لذلك تزيد من أساليب بطشها وقمعها، في البلدين الشقيقين، لكنها نسيت الحقيقة العلمية التي تقول إن “الضغط يولد الإنفجار”.
“خونة”: العمال السوريون يضطهدهم شبّيحة “الحزب” والقومي والبعث
يوم انتهاء كيان الأسد الإجرامي، لا بد لنا نحن اللبنانيين عند النهوض لاستعادة حرياتنا وتحرير ديمقراطيتنا الاسيرة منذ 1976، أن نبادر إلى مساءلة أعلام العمالة للأسد أمام القانون، من أعلى الهرم إلى أسفله، ومن العملاء الحاليين وعودة إلى السابقين أمثال لحود وغيره. أمام القانون اللبنانين وإن تعذّر أمام المحافل القضائية الدولية المختصة. أروَع ما في الأمر، أن فريق سليمان يعتقل لاجئين سوريين مدنيين ويسلمهم لى فرق الموت الأسدية. وهذا ما يصفه القانون الجنائي بجريمة قتل بالواسطة.
“خونة”: العمال السوريون يضطهدهم شبّيحة “الحزب” والقومي والبعث
سبحان الله كيف يتفق حزب ٍكحزب الله الذي يقول “لا إله إلا الله” مع حزب كحزب البعث السوري الذي يرغم الشعب السوري في قول “لا إله إلا بشار” كما شاهدناه على محطات المرئية. صدق المثل الذي يقول: “قل لي من تعاشر أقل لك من تكون”
“خونة”: العمال السوريون يضطهدهم شبّيحة “الحزب” والقومي والبعث
بدل ان يلتهي المستقبل بالخطابات عليه شن حملة سياسية قانونية لحماية السوريين في لبنان وللضغط على حكومتنا دولياً في هذا المجال