بعيداً عن « أوهام » الحكومة الميقاتية وضياع رئيسها، وعن تقديس « حزب الله » للمتهمين الأربعة، يُطلّ السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم، ليقول ما طاب له من فنّ التسويف، وعبارات الاتهام، وكلام التحريض، والدعوات المفضوحة لتفعيل مشاركة لبنان الرسمي بما يجري في سوريا.
فهو، يريد الاقتصاص من مهربي السلاح المزعومين، ومن كل من يتضامن مع القتيل في مواجهة القاتل، وفي النهاية، يعود إلى أسطوانة الممانعة البالية: سوريا ستنتصر، ومعها سينتصر كل الحلفاء، ذوي الالتزام « الأخلاقي » مع النظام اللا أخلاقي.
من يستمع إلى سعادة السفير، لا بد له من أن يتوقف أمام كل ما يقوله، ويراجعه من ألفه إلى يائه، ليكتشف أن هذا الكلام لم يكن ليكون بعد العام 2005، لولا الواقع الذي فرضه « حزب الله » ومن معه على لبنان لا أكثر ولا أقل. فإرهاب السلاح «المقاوم» و »الممانع»، فتح الأبواب أمام انتكاسات كثيرة، وعلى الصعد كافة، ليس أقلّها إخضاع كل مختلف، لإرادة الحزب وبالطبع في هذا الوقت تحديداً. فعل الإخضاع هذا يتم ويُمارس على كل من يعارض ما يحصل من مجازر بحق الشعب السوري.
هذا بالتحديد ما يستند إليه السفير عبد الكريم كي يقول ما يقوله. فهو يعلم جيداً أنه بعد العام 2005، لم يعد للبعث اليد الطولى في الدولة ولا لـ»القومي» ولا لأي تنظيم مرتبط عضوياً بالنظام السوري أي تأثير فعلي، ويعلم أيضاً أن الحزب وحده من يؤمّن له التغطية المناسبة ليقول ما يحلو له، ويُنصّب نفسه ولياً على اللبنانيين ودولتهم ومؤسساتهم.
قبل هذا الحديث، كان سفير « النظام» يُتابع من مبنى سفارة نظامه، ما يقوم به شبيحته في لبنان من تعدٍ صارخ على كل ما يمت لحرية التعبير بصلة. ذلك أنّ « العقل الأحادي » الذي ينتمي إليه عبد الكريم، لا يحتمل، كما «حزب الله» ومن معه، أي فعل، يمسّ حياء نظام انتهك كل حياء، وجعل من سوريا ساحة لتلقين «أنظمة» الحزب الواحد كيفية التعامل مع المطالبين بالتحرر.
أضف إلى ذلك، أن ما قاله سفير النظام السوري، يبقى برسم من يتربعون على السلطة في لبنان اليوم. فهو يرسم من جديد خطة طريق لهم حول ما هو مطلوب منهم، وفي ذلك تطور نوعي، يُعبر في مكان ما عن العقم السوري وعن الخضوع اللبناني. إذ إن الرسائل السياسية التي كان يُعمّمها بشار الأسد سابقاً أو بالحد الأدنى فاروق الشرع، أصبح يقول بها ناطق برتبة سفير.
أما خريطة الطريق التي تتحدث عن التحقيقات بما يسمى تهريب السلاح، والتحرك لوقف التحريض على المؤامرة ضد النظام، فهي تطرح علامات استفهام حقيقية تبقى برسم بعبدا والسرايا، وهما بالطبع لن يُعلّقا على هذا التعدي السافر على سيادة الدولة.
يُمكن للمرء القول ان من يقبض على إرادة «المسؤولين» في لبنان، يتحكم بكل مفصل من مفاصل الدولة. وبالتالي كل معزوفة ينطق بها مثلاً الرئيس نجيب ميقاتي عن أهمية تحييد لبنان، سقطت. فيما رئيس البلاد لا يقول شيئاً، بل يحصر اهتمامه في تقريب وجهات نظر من على طاولة ميقاتي، في الطاقة أو في أمر ثانوي، لا يهمّ.
حري باللبنانيين اليوم، الوقوف ملياً أمام هذا الواقع. حري بهم أيضاً أن ينظروا إلى أبعد من مجرد كلام يصدر عن سفير. المطلوب في هذه الحالة، ربط هذا الكلام مع سببه، مع حاميه، مع مرجعية مُطلقه، والتمعّن بما يستند إليه، لتأكيد واقع يقول بأن لا خلاص للبنانيين يأتي من خارج الحدود، بل الأجدى أن يبدأ البحث عن خلاص داخلي ينطلق من الداخل ويعانق « متغيرات » و »انتصارات » الخارج.
يبقى، أنه إكراماً لما تبقى في نفوس اللبنانيين من إنسانية، واحتراماً للدماء التي تسيل في شوارع حماه ودير الزور وحمص وغيرها، أن يقال لعبد الكريم، أنّه سفير نظام، لا سفير سوريا وشعبها
* كاتب لبناني