علينا أن ننتظم في مدرسة الانتفاضة، ديمقراطيون قدماء يتعلموا النهج الديمقراطي من جديد ويتخلصوا من افكارهم التي تجاوزها عصر انتفاضة الشعوب وربيع الحرية، ومنتفضون ملأوا الشوارع والمدن والبلدات والاحياء يتعلمون السياسة التي منعها عنهم النظام لنصف قرن مضى.
ما نتعلمه من مؤتمر “السميراميس” ومؤتمرات قادمة، دروس عديدة منها الا ننزلق لتخوين من يخالفنا الرأي. فالتخوين في السياسة الديمقراطية لا يصح إلا بمحاكمة عقلانية تنظر في اثباتات ملموسة. أي رأي في السياسة مهما كان غريبا او مستهجنا يظل رأياً نختلف معه ننقده، نبين خطأه، لا نقبله…
ونتعلم ان ننظر إلى الوقائع وليس للافكار المسبقة، فاللقاء في نتائجه الختامية وليس في آراء انشائية قالت انه لصالح النظام دون ان تبين كيف. فائدة النظام الوحيدة من سماحه للقاء، توقعه أن رؤوسا حامية في المعارضة ستشن حملة على منظميه مما يشق صفوفها. الاختلاف طبيعي إذا كان جدلاً من اجل الافضل، ولكنه ضار بخروجه عن اطاره العقلاني لسوق اتهامات لا تستند لوقائع بل تتجاهلها.
لقد تسرّع البعض في اتهام المجتمعين بانهم مسيّرون من النظام. فإذا كان النظام قد مرّر اللقاء دون قمع، فبيانه الختامي صدمه فسارع لمهاجمته وأرسل “شبيحته” لتهديد منظميه بالقتل. وهم معارضون بارزون لا يشك في وفائهم لمبادئهم الديمقراطية التي اضطهدوا بسببها طويلاً، كما لا مجال للشك في وقوفهم مع الانتفاضة ودعمها لتحقيق الانتقال السلمي لنظام ديمقراطي. هم خصوم السلطة وحلفاء الانتفاضة حتى لو جرى الاختلاف معهم حول بعض الأمور، فالخلاف طبيعي طالما الحديث عن ديمقراطية وديمقراطيين، والمعارضين ليسوا نسخ لصورة واحدة وإلا بماذا يفترقون عن نظام القائد والحزب الواحد؟
هم معارضون وليسوا كل اطياف المعارضة واحزابها ومنظماتها، وآرائهم معروضة للاطراف الاخرى المعارضة لتبدي رأيها، ليمكن التوافق على نقاط موحدة لتأتي ممثلة لمعظم اطياف المعارضة في الداخل والخارج. إن حملة تشهير من معارضين آخرين يتوهمون أن هذا اللقاء من إعداد السلطة مجانب للحقيقة وخطأ يضر الحراك الشعبي والأحزاب المعارضة والشعب والبلد.
من حقهم الاجتماع علناً. فعدم تعرض النظام لهم ليس منّة، بل رضوخ لحق المواطنين في التجمع والتداول في الشؤون العامة مما كفله الدستور ومنع تنفيذه النظام الاستبدادي لعقود. انعقاد اللقاء انتصار للانتفاضة التي قدمت تضحيات من دماء ابنائها ليصبح عقده ممكنا دون أن تجرأ السلطة على منعه. الانتفاضة فرضت على النظام القيام بإجراءات ليست لمصلحته. ليس كل من لا يتعرض له النظام هو مسير من قبله وإلا لغرق الجميع في اتهامات متبادلة تمزق وحدة الصف في مواجهة اجهزة القمع. لا يكفي ان نرفض نظرية المؤامرة ثم ننزلق اليها دون أن ندري. فعندما يقال ان اللقاء “مسرحية للنظام” دون الاهتمام بما صدر عنه، فذلك هو تفسير المؤامرة. التفسير العقلاني يذهب للحقائق، لما صدر عن اللقاء يحاكمه وينقده، يرفضه او يعدله.. إذ لا يمكن الاكتفاء بتفسيرات مسبقة. ولمن لم يقرأ بعد ربما يفيد تلخيص النقاط العشر التي وافق عليها اللقاء:
1 دعم الانتفاضة الشعبية السلمية لتحقيق اهدافها بالانتقال الى دولة ديموقرطية مدنية. 2 انهاء الخيار الامني وسحب القوى الامنية من الشوارع والمدن وتشكيل لجنة ذات مصداقية للتحقيق في جرائم القتل. 3 ضمان حرية التظاهر السلمي دون اذن مسبق وسلامة المتظاهرين. 4 اطلاق سراح المعتقلين السياسيين دون استثناء. 5 رفض التجييش الإعلامي وفتح الإعلام المحلي أمام الموالين والمعارضين على حد سواء. 6 إدانة جميع أنواع التحريض الطائفي والتأكيد على وحدة الشعب. 7 اعادة اللاجئين والمهجرين وحفظ امنهم وحقوقهم وتعويضهم. 8 ادانة اي دعوات للتدخل الاجنبي. 9 السماح للاعلام العربي والدولي بالتغطية بكل حرية. 10 عقد لقاءات مماثلة في المحافظات السورية.
اللقاء أعلن انحيازه للانتفاضة وحدد ما على النظام القيام به كمقدمة ضرورية لمرحلة انتقالية تؤمن انتقالاً سلمياً للبلاد إلى حكم ديمقراطي مبني على دستور جديد يوفر الحريات ويضمن تطبيقها.. هل هذا الكلام لا يقصده اصحابه بل يمثلون مسرحية يديرها النظام ؟ هذه هي نظرية المؤامرة بعينها.
كما يمكن ان نتعلم ألا يجرنا الحماس، الضروري، ولكن وحده لا يكفي، لاعتبار ان إسقاط الحراك الشعبي لشرعية النظام يعني ان النظام قد سقط فعليا، فالإنشاء لا يصنع وقائع، الإنشاء يعبر عن الوقائع ويكون صحيحا بقدر ما يقترب منها. نظام الامر الواقع ما زال قائما ومتماسكا وربما يقلد النظام الدموي الليبي دفاعا عن بقائه. ما زلت الثورة في مراحلها الاولى، فلكي يتفكك النظام يجب كسب قطاعات واسعة حيادية او مترددة أو صامتة او قلقة على مصيرها او مفضلة للاستقرار المزعوم..
هؤلاء ملايين من الشعب يمكن كسبهم بتقديم اللقاء ولقاءات اخرى قادمة داعمة للانتفاضة نموذجا سياسياً مقبولاً لديهم يطرح حلولا “للأزمة”، مع عدم اضاعة هدف الانتقال من الاستبداد للديمقراطية. فلا يسر احد سقوط القتلى اليومي والخراب المادي والاقتصادي الذي سيؤثر على الفئات الشعبية. سيقول البعض ان نظام الامر الواقع لن يقبل بذلك، ليكن، فليرفض وتكون المعارضة قدمت طريقا لحل سلمي بدل الحل العنفي للنظام، واظن ان ذلك قد يؤدي لكسب حياديين ومترددين إلى جانب الانتفاضة، مما يسرع تفكك النظام ويسهل انتصارها. والمقصود بتسمية “أزمة” أنها ليست بديلا عن تسمية “انتفاضة” كما يظن، فهناك السلطة وهناك الثورة، الازمة هي عجز السلطة عن وقف التظاهرات، ولا المتظاهرين فرضوا على النظام الرحيل، ويمكن ان تستمر هذه الحالة، “الأزمة”، طويلاً.
لا يمكن قبول حوار مع النظام دون شروط، فالحوار في ظل الوضع الحالي حيث يستخدم النظام قواه المسلحة لمحاولة القضاء على الانتفاضة هو إملاء الطرف المدجج بالسلاح لشروطه. لقد حددت التنسيقيات والمعارضين المشاركين في اللقاء الحد الادنى المطلوب من النظام لبدء حوار مجدي لتأمين انتقال سلمي نحو الديمقراطية، أي انهم ليسوا ضد الحوار من حيث المبدأ ولكن قبوله دون شروط تضمن الحد الادنى لنجاحه، ستبقي الاوضاع دون تغيير.
إلى جانب أصحاب الحوار بلا شروط، والقابلين بحوار ضمن شروط، هناك من يرفض أي حوار من الأساس وهو الموقف الذي يعبر عنه منتسبون لتنسيقيات، معتمدين على اعتقاد بان النظام قد سقط فعلا ويبحث فقط في طريقة ترحيله، وهو موقف يتجاهل الوقائع حول أنه لم يسقط بعد وأن قطاعات لا يستهان بها من الشعب تريد حلاً وسطاً بين النظام والمعارضة. والنظام قادر على الاستمرار لفترة طويلة دون ان يجبره الحراك الشعبي أو الضغوط الخارجية بمستواها الراهن على التنحي وخاصة انه يعتمد على قوى عسكرية وأمنية متماسكة حتى الآن بغطاء دولي توفره روسيا والصين وإيران..
إن التجريب هو سمة للحراك الشعبي غير المسبوق وهو لا يمكن ان يصل إلى نهاياته حسب أي مثال كالتونسي أو المصري أو الليبي أو البحريني أو اليمني، فقد يختط طريقا سورياً خاصا، إلا ان السعي لحلول تختصر الزمن والخسائر، دون إضاعة الهدف الرئيسي، الحرية، أمر ممكن والنقاش حوله يجب أن يبقى مفتوحا للوصول للحل الامثل دون تشهير او تخوين. احترام دماء الشهداء يفترض العمل لوقف سفك المزيد من الدماء والاصرار على محاسبة عادلة لمرتكبي القتل، فرفض اي حوار مشروط مع نظام الامر الواقع، عدمية ضارة.
لا تقديس لاي طرف، فالقطاعات الشعبية المنتفضة نفسها قد تخطئ في بعض خطواتها والنقد والحوار حول كافة القضايا هو المفضل لتصحيح الاخطاء. لا خلاف بين أطراف المعارضة والشارع الشعبي على الهدف الرئيسي، نظام ديمقراطي مدني، ولكن الاختلاف مشروع حول وسائل الوصول لذلك الهدف باسرع وقت وباقل الخسائر.
توالي الاحداث والتجارب في الايام الثورية الراهنة سيرجح الحل الأمثل. الديمقراطية مؤكدة ولكن الطريق إليها يختلف حسب الواقع والقوى والمؤثرات المحلية والاقليمية والدولية… الانتفاضة لتأكيد الاختلاف وليس لقمعه باسم دماء الشهداء الأبرار، وليس من حق أحد ان يعتبر موقفه الحقيقة المطلقة. الانتفاضة مجموعة ألوان تتآلف لتعطي لوحة رائعة بالوانها المختلفة.
ahmarw6@gmail.com
* كاتب من سوريا
ملاحظات حول لقاء الـ”سميراميس” التشاوري السوري مقالتك مشاركة غير مشكورة فبدل ان تساعد على دخول الكتلة الصامتة ميدان الثورة وبدل المواعظ. حري بك ان تسال الكتلة الصامتة ماذا يخسر الشعب السوري اذا ما سقط نظام القمع الاسدي . الانتفاضة وجدت الجواب قهي ستكسب الحرية وتخسر الذل . وجه كتابتك الى المترددين فليس الوقت الان الا العمل المستمر لاسقاط النظام الفاشي . لا تقوم باللف والدوران فانت لا تساهم في دعم الثوار بمثل هذه المقالات . لامناص من اسقاط النظام فلا تقف على الحياد فلو كنت انت تشارك في احدى الميادين الثائرة فكيف سيكون شعورك بعد قراءة مثل هذا مقال؟؟ اكتب… قراءة المزيد ..
ملاحظات حول لقاء الـ”سميراميس” التشاوري السوري
(فرفض اي حوار مشروط مع نظام الامر الواقع، عدمية ضارة)
جورج.. ان تدلي بدلوك فيما يحدث وانت من عجائز المعارضة عمل مقبول ..لكن وبدون العودة الى ما سردت اريد ان اسألك هل ما زلت تعتقد ان هذا النظام سيحاور الا بشروطه وهو يصارع من اجل بقاءه مملكة وراثية بالقتل والبطش؟ وما قيمة جملتك تلك؟انك مثل بعض عجائز المعارضة تحاول ان تقدم النصائح بدل ان تشارك الثوار في مضاهرات دمشق . لا اخونكم لكن ان لم تقولوا الكلمة الداعمة لاسقاط النظام فالرجاء ان تصمتوا وشكرا