العفيف الأخضر
السيد “القائد”، عندما عنونت رسالتي الأولى، في مسلسل رسائلي الأخيرة بـ:”أيها الحكام العرب: القرار هو الفرار”، كنت أنت أول من فكرت فيهم من هؤلاء الحكام الذين باتوا في عين العاصفة. اعرف مدى عنادك العصابي ومدى تعلقك الجنوني بالسلطة، التي يصبح المصاب بجنون العظمة يري فيها سبب بقائه وبقاء شعبه على قيد الحياة.تماما كما كانت حالة شبيهك صدام قبلك؛ إذا واصلت الإصرار على العناد فقد تكون نهايتك شبيهة بنهايته التي نعرف.
نصيحة طيب رجب اردوجان لك بالرحيل الفوري، مع إعطائك الأمان من الملاحقة الجنائية الدولية، هي نصيحة خالصة وسخية من رئيس الحكومة التركية.كان عليك، لو كنت سياسياً واقعيا بتعريف الحد الأدنى أن تفهم أنه، منذ وقّع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا قرارا دوليا برحيلك، انك قد انتهيت؛ لأن كل ما قمعته بالحديد والنار طوال 42 عاما انفجر اليوم في وجهك وفي وجه ليبيا المنكوبة بك، والتي لا يعرف أحد سلفا كيف ستكون بعدك: موحدة؟ منقسمة؟ متصالحة؟ متحاربة؟ دولة؟ قبائل؟ تركيا؟ أم الصومال؟
على الأرض بدأ مساعدوك ينفضون من حولك واحدا بعد واحد بمن فيهم عبد الرحمن شلغم، احد أفضل وزراء خارجيتك، الذي أخشى أن تكون قد عزلته بوشاية من رئيس مخابراتك الدموية، موسى كوسى، بسبب قبوله اقتراحي تمويل ترجمة مجموعة من الجامعيين، بإشراف الجامعي التونسي محمد الحداد ، لـ”معجم القرآن”، الكفيل بالمساعدة على تدشين مسار إصلاح الإسلام.وعندما نصّبت موسى كوسى خليفة له كان أول ما بادر إليه أنه أمر قنصل ليبيا بمرسيليا، المكلف بمتابعة ملف ترجمة المعجم ، بقطع كل اتصال بي وبمحمد الحداد وبنسيان الترجمة… وهوتصرف يليق برئيس مخابرات دولة مارقة عن تقاليد الحضارة ومعادية لثقافتها.
حاولت في السبعينات ،قبل اختطاف وتصفية الإمام موسى الصدر، استدراجي لدخول ليبيا لتصفيتي، متعللا بحيلة انك تريد إجراء حوار فكري معي. وعندما قلت،لسعيد حفيانة الذي سيصبح فيما بعد سفيرك في باريس، إنني لن ادخل بلدا أحرق كتبي ونشر ذلك في صحافته، رد علي: “كان ذلك في الفترة السلبية. أما الآن فسيكون القائد متفقا معك. فهو الآن يعتبر نفسه رئيس اليسار العالمي. رددت عليه متهكما: إذن الخلاف بدأ منذ الآن: أنا هو رئيس اليسار العالمي… القذافي غدار، بإمكاني لقاؤه لكن في سويسرا وتحت إشراف أمنها! عندئذ انهي المقابلة التي حضرها صلاح البيطار وصديقي المناضل الطاهر عبد الله ، الذي كان أخبرني قبل اللقاء أن رئيس المخابرات العسكرية الليبية طلب منه تأجير شقة لي حتى في الشانزليزيه وإعطائه العنوان…
بما أنه لا مكان للثأر في سلّم قيمي، حييت، تشجيعا لك ولأمثالك، قرارك الواقعي الذي تصالحت به مع المجتمع الدولي بتخليك عن مواصلة مغامرة امتلاك السلاح النووي، واقترحت عليك بعض التدابير لتحقيق “المصالحة الثانية والأشق مع شعبك”. لم تحقق منها شيئا لان جنون العظمة جعلك تعتقد أن: “على الغرب أن يأتي إليك ليتعلم منك الديمقراطية بما هي كلمة عربية (يا للجهالة الجهلاء الهاذية!) تعني: الشعب جالس على الكراسي!” كما اخبرني بذلك ساخرا د. عبد المطلب الهوني الذي كان يقول لي وللصديق جورج طرابشي دائما أنك حالة ميؤوس منها!
في التسعينات، خلال حصار ليبيا، اقترحت عليك اعتزال الحكم في رسالة سلمها الروائي الجزائري، وممثل الجزائر في مجلس وزراء الداخلية العرب في تونس السيد حفناوي زاغز، لممثل ليبيا في هذا المجلس لإيصالها إليك. لو استجبت لاقتراحي لربما كانت ليبيا اليوم غيرها الآن.
جنون العظمة جعلك غير مؤهل للاعتزال بل للعزل. “بارانويتك” جعلتك مهووسا بالقتل، تختار دائما العنف الدموي على الحوار،الجمود في الوضع الراهن Statu quo على الاصلاح، وأناك وانانيتك المتورمين على مصالح ـ ومصير ـ شعبك. وهذا في علم السياسة مانع من موانع ممارسة السياسة.
ها قد مد لك طيب رجب اردوجان حبل نجاة من مصير مجهول ينتظرك، فامسك به قبل فوات الأوان، وارحل عن ليبيا التي حولتها إلى مقبرة كبيرة لخيرة أبنائها الذين قالوا لك :لا. أو خيلت لك البارانويا الهاذية، أي التي جعلتك غير مبال بآلام ضحاياك، أنهم سيقولون لك يوما ما: لا.