لا تني قوى “8 آذار” تحاول إقناع اللبنانيين بصدقيتها السياسية. جهودها في هذا السياق عمرها من عمر إنسحاب الجيش السوري من لبنان. كل خطابها يتركز على فرضيات “المؤامرة” ومعزوفة الإستهداف الاميركي ـ الصهيوني.
على هذا، فان كل ما يطالب به الشعب، وتحديدا في سوريا، هو تتمة للمؤامرة الوافدة على بلاد الممانعة. فمنذ بدء الاحتجاجات هناك، انبرى في لبنان “المتسورنون” ليصدروا تحذيرات حازمة وواضحة لقوى “14 آذار” مضمونها ان أي تدخل أو موقف ضد حزب البعث الحاكم منذ اربعة عقود سيجرّ على البلد الويل والثبور وعظائم الأمور.
“المتسورنون” كانوا سعداء بما يجري في مصر، لكن الكآبة السياسية حطت رحالها بين ظهرانيهم مع اندلاع الثورة في سوريا. ذلك ان هؤلاء يعتقدون ان الشام مُلك لآل الأسد وليس فيها شعب يستحق الحياة، او له حق المطالبة بأدنى حقوقه السياسية.
الأروع من ذلك ، انهم يحاضرون في “التدخل” ويحذرون من انه لو حصل، فلن تبقي قوى “8 آذار” ولن تذر شيئاً في بلاد الأرز العليل. يتناسون ان اللبنانيين لم تسقط من ذاكرتهم حادثة تدخل حزب الله في الشؤون المصرية والخلية المعروفة باسم “خلية سامي شهاب” ومحاولة استخدام ارض الكنانة لصالح المشروع الإيراني.
المفارقة انه منذ اندلاع الثورة الشعبية في سوريا، لم تعد قوى “8 آذار” تدلي بدلوها في ما خص حقوق الشعوب. ولم تعد تنظّر لحركات التغيير. والأرجح انه ما عادت الشعوب العربية على صواب.
قبل ذلك صال وجال كثر من موالي سوريا عندنا ليمدحوا النظام البعثي “وقيادة الأسد الحكيمة والمستهدَفة”، ولم يتأخروا لحظةً في ذم المتظاهرين. أكثر من ذلك، فقد نصب هؤلاء انفسهم قضاة لمحاكمة الشعب السوري على “تمرده”.
وبعضهم ممن يقال عنهم انهم قادة تاريخيون، على غرار امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، لم يعترفوا بوجود معترضين أصلاً. وهو قال ما حرفيته: “أين هو الشعب السوري لنتضامن معه؟”.
الأرجح ان السيد نصر الله كان يعتمد على الجهاز الأمني السوري في منع التصوير، لكن لسوء الحظ لم يوفق. واتكاله على الأجهزة الأمنية السورية ليس جديداً، فهذا دأبه. وليس للبنانيين ان يتفاجأوا بالأمر. ذلك ان 26 عنصراً من حزبه قضوا على يد الجيش السوري في ما عرف بـ”مجزرة فتح الله”، لكن أحداً لم يسأل عنهم.
كما ان حروبه مع “أخيه الأكبر” نبيه بري في الضاحية وبيروت و”إقليم التفاح” وما خلفته من ضحايا وثكلى وايتام وأرامل، كلها ذهبت أدراج الرياح، علماً أنها كانت في سياق الهيمنة السورية ـ الإيرانية على لبنان.
قد يأتي يوم يردد فيه هؤلاء رثاء الامام الحسين لابنه: كنت السواد لناظري فعليك يبكي الناظر.
ayman.jezzini@gmail.com
* كاتب لبناني- بيروت