في هذه اللحظة التاريخية يطلّق الموارنة دورهم الريادي وينظرون الى الحرية مصدرا لقلقهم والى الديموقراطية نقيضا لأمنهم، ويكتفون بتوسّل ذمّي قاهر وبالمطالبة بشراء أرضٍ في الحدث أو بتعيين عدد من المديرين العامين مع الشكر.
منذ ان إندلعت الانتفاضة العربية، مع إقدام محمد بو عزيزي في تونس على إحراق نفسه ممّا ولّد شعوراً بالخجل لدى كل مواطن عربي في كل البلدان، وفجّر في وجه الأنظمة حقداً دفيناً على تاريخٍ من حرمان وقمع وتراجع ثقافي وتشويه لصورة العرب، وأنا أراقب السلوك المسيحي العام في لبنان والعالم العربي تجاه ما يجري.
كان واضحاً أن الجماعة المسيحية في لبنان تنظر بعين “القلق” الى ما يحصل من حولنا. وقد عبّر عن ذلك غبطة البطريرك الراعي خلال حفل تنصيبه في بكركي بشكلٍ واضح مستخدماً كلمة “القلق” في وصفه الانتفاضة العربية.
استمرّ هذا الشعور في التعبير عن نفسه بأشكالٍ متعددة ومن مواقع مسيحية مختلفة. فكثيراً ما تسمع سؤالاً عما هو البديل من نظام البعث في سوريا؟! هل هو أفضل لنا من الحالي؟ هل سيدفع المسيحيون ثمن التغيير هذا؟ لا نتدخّل بالشأن السوري متذرعين بالمطالبة بعدم تدخل سوريا في شؤون لبنان، وصولاً الى اللقاء المسيحي الذي دعا اليه البطريرك الماروني لقادة وزعماء الطائفة، والذي لم يتطرق الى متغيرات المنطقة، واعتبر ان المشكلة الاساسية للحضور المسيحي في لبنان هي عدم تقدير المسلمين لوجود المسيحيين كهبة من الله لهم. لذا طالب اللقاء “بالأمان” من خلال منع المسيحيين من بيع الأراضي إلاّ للمسيحيين، وبالحماية من خلال اجبار المسلمين على اعطائهم عدداً من المديرين العامين يفوق العدد الحالي.
أكتب هذه الكلمات بمرارةٍ وأصف المشهد المسيحي اليوم خريفاً من ضمن ربيع العرب. مع التأكيد أن ربيع العرب 2011 أزهر بعد ربيع بيروت 2005 الذي كان للموارنة وكنيستهم دور رائد فيه منذ النداء الشهير لمجلس المطارنة الموارنة العام 2000.
ففي لحظةٍ تاريخية، يأتي خلالها 400 مليون مسلم للاعتراف بدم الفتى حمزة الخطيب وغيره من الأطفال وبنموذج لبنان الذي لم يكن لولا مساهمة المسيحيين فيه، يُطلّق الموارنة دورهم الريادي وينظرون الى الحرية مصدراً لقلقهم والى الديموقراطية نقيضاً لأمنهم، والى مبدأ تداول السلطة معاكساً لأسلوب عيشهم، ويكتفون بتوسلٍ ذميّ قاهر وبالمطالبة بشراء أرضٍ في الحدث أو بتعيين عدد من المديرين العامين مع الشكر!
لا، نحن جماعةٌ تفعل وتتفاعلُ مع الآخرين. لسنا أقليّة تبحث عن حماية من أحد ولسنا بحاجة للتوسّل والإستعراضات المسرحية من أجل تأمين الحضور. لقد عانى لبنان منذ بداية الخمسينات من النظام العربي القديم الذي أراد تعريبنا، وهنا تأتي الكلمة بعيداً عن الثقافة إنما تعني انه حاول – ذلك النظام الذي يترنّح اليوم – أن يصبح النظام اللبناني شبيهاً به، فاشياً قامعاً للحريات متخلّفاً دموياً قمعيّاً. لكننا رفضنا تلك المحاولات من خلال تأكيدنا على اسلوب عيشٍ لبناني صنعناه مع المسلمين في لبنان وكان لنا الفضل الأكبر فيه. اليوم يحاول العالم العربي ابتكار نظام بديل من نظامه القديم.
بادروا بتقديم النموذج اللبناني على غيره، قولوا إنكم جاهزون للنقاش والتفاعل مع هذا العالم العربي الجديد الذي رفع رأسهُ في مواجهة الطغاة.
إذا لم تواكبوا هذه الثورة العظيمة وإذا لم تتقدّموا طليعة الديموقراطيين في المنطقة، فسيكتب أحدهم يوماً ان ربيع العرب كان خريف الموارنة!
(نائب سابق)