العنوان الكامل للمقال هو: الشيء بالشيء يُذكر: بعد اعتراف الشيخ الصياصنة على نفسه، وقبل اعتراف عائلة حمزة الخطيب بأنها عذبت ابنها وقتلته!!
*
ذكرني اعتراف الشيخ أحمد الصياصنة على شاشة التلفزيون السوري على نفسه، والاعترافات التي ظهرت قبله وستظهر بعده، ومنها اعترافات قد تبث على ألسنة عائلة الطفل الشهيد حمزة الخطيب وتتهم “فيلق النينجا التابع للعصابات المسلحة” بقتله والتمثيل بجسده، بعدما سمعت عن اعتقال العائلة..
ذكرتني كل هذه الاعترافات ببيان لنبيل فياض نشره في جريدة الثورة السورية بعد شهر من اعتقاله في الأمن السياسي، يمدح فيه تعامل الأجهزة الأمنية الفائق النعومة معه، وساعتها نشرت مقالاً بتاريخ 23/11/2004 في جريدة تشرين السورية (ولنشره قصة تستحق أن تروى ذات يوم) سخرت فيه من قصة التعامل الأمني الفائق النعومة،وقلت في ختامه “ومع ذلك سألتمس للسيد نبيل فياض العذر لأن الداخل إلى المكان الذي كان فيه مفقود والخارج مولود كما يقول السوريون في العادة ، وقد أجد نفسي مضطراً في يوم من الأيام لكتابة مثل بيانه ، وأتمنى _فيما لو حدث ذلك_ على قرائه أن لايصدقوني !” ويومها قامت قيامة نبيل فياض ورد علي وكذبني، وحدثت معركة أخذ ورد استغرقت أكثر من شهرين، لكن وبعد فترة اتصل بي نبيل فياض وقال لي أنه أجبر على توقيع البيان، لأنهم عثروا في بيته أثناء تفتيشه على مسدس غير مرخص، وخيروه بين السجن لثلاث سنوات، وبين التوقيع على البيان، الذي كتبه وقتها عماد فوزي الشعيبي، فاختار التوقيع، والخروج من السجن !!
نص المقال:
سياحة أمنية في سورية: السوري نبيل فياض يصدر بياناً حول اعتقاله !!
بقلم حكم البابا
لو كتبت فحوى ما جاء في بيان السيد نبيل فياض _ الذي أصدره بعد اعتقاله لمدة شهر في أحد فروع الأمن السورية_ حول التعامل المغالي في انسانيته معه في لوحة كوميدية لاتهمت بالمبالغة وموت الاحساس لدي والسخرية من الألم الانساني. لكن كل هذه الاتهامات لم تمنعني من الابتسام وأنا أقرأ البيان الذي نشر _ إمعاناً في السخرية ربما_ في الصحافة السورية التي ليس من تقاليدها نشر البيانات الشخصية.
فالسيد فياض يفصّل في المعاملة الانسانية التي تلقاها بدءاً بالسماح له بالاتصال بمن يريد، ومروراً باحضار طبيبه الخاص ، منوهاً بأنه قضى فترة احتجازه في المشفى تحت الرعاية الطبية التي ربما فاته أن يصفها بالفائقة ، ومذكراً بأن التحقيق معه لم يتعد أسلوب المناقشة المتعاطفة معه ثم ايصاله إلى بيته ، لكن الأمر الوحيد الذي مرّ من (فلتر) السيد فياض _خلال تعداده لخدمات الخمس نجوم الأمنية التي تمتع بها_ هو طريقة اعتقاله بعد تفتيش منزله ومكان عمله التي تبدو متناقضة مع ماتلاها من إنسانية فترة الاعتقال !
ذكرني هذا البيان الذي كتب على مايبدو على قاعدة (شر البلية ما يُضحك) بمشاهد رويت لي عن معتقلين كانوا يخرجون إلى باحات سجنهم ليهتفوا بفدائهم لمن سجنهم بالروح وبالدم، ولم ينقص السيد فياض في بيانه لتكتمل الصورة الكاريكاتورية إلا دعوة كافة الاخوة المواطنين للتمتع بهذا النوع المبتكر والمريح من السياحة الأمنية. والآن سأدع المخيلة الدرامية جانباً لأتساءل بجد: هل هذا ما يحدث حقاً ليس في حالة اعتقال مواطن، بل في حالة مخففة هي استدعاء مواطن لمراجعة أحد فروع الأمن؟
من تجربتي الشخصية أجيب : لاأظن! فبسبب مقال عن الاعلام السوري كتبته في جريدة النهار عام 2001، وقلت فيه أقل مما قاله وزير الداخلية السوري الحالي اللواء غازي كنعان الذي وصف إعلام سورية بأنه “لا يُقرأ”، قضيت ما يزيد عن نصف شهر وأنا أداوم في أحد فروع الأمن يومياً من التاسعة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، ومن الخامسة مساءً وحتى العاشرة ليلاً، أسمع خلالها التهديد والوعيد وأتلقى الاتهامات ويُبحث لي عن ارتباطات، وعرفت فيها من الرعب والخوف ما لم أعرفه في أي لحظة من حياتي باستثناء اللحظات المماثلة التي كنت فيها مستدعى إلى فرع أمن آخر!
وحتى لا أجد من يقول لي أن هذا الزمن مضى ، إليكم ما حدث معي قبل عدة أشهر. فخلال ندوة عقدتها هيئة الاذاعة البريطانية في دمشق كنت أحد المشاركين فيها، اعتذرت عن أخذ جريدة “البعث” التي كانت توزع على الحاضرين، وخلال الاستراحة عاتبني رئيس تحريرها _الذي أصبح الآن وزيراً للاعلام _ على رميي لجريدته على الأرض ، وهو مال م أفعله، وسألني بلهجة المهدد إن كنت أعرف باسم أي حزب تنطق هذه الجريدة، وهل أعرف من هو هذا الحزب، ليضيف أخيراً يأن هناك جهات أخرى ستعرف كيف تتحدث معي. وفعلاً لم يمر أكثر من عشرة أيام حتى استدعيت إلى أحد فروع الأمن ليحقق معي بتهمة رمي جريدة البعث على الأرض، وليعاد تذكري بأن هذه الأبنية _ التي أتحاشى أنا وغيري المرور قربها، فإن اضطررنا للمرور نغض أبصارنا عنها خوفاً ورعباً _ بتاريخها السيء الصيت وجدت لارهابنا وخلق مرض جديد يعانيه المواطن السوري اسمه فوبيا المخابرات، وبعد ذلك يأتي السيد نبيل فياض ليروي في بيانه مآثر عن المعاملة الفاضلة للمواطنين داخلها ، حتى ليظن قارئ البيان أن موظفيها من خريجي أرقى مدارس الاتيكيت في العالم!
ومع ذلك سألتمس للسيد نبيل فياض العذر لأن الداخل إلى المكان الذي كان فيه مفقود والخارج مولود كما يقول السوريون في العادة ، وقد أجد نفسي مضطراً في يوم من الأيام لكتابة مثل بيانه ، وأتمنى _فيما لو حدث ذلك_ على قرائه أن لايصدقوني !
نشر في جريدة تشرين السورية 23/11/2004
رابط المقال:
http://hakambaba.maktoobblog.com/57147/وطن-بالفلفل-الأحمر-8-سياحة-أمنية-في-سور/