يعتقد العديد من الكورد إن شهر آذار هو شهر الكرد وحدهم دون سواهم. فجل الأحداث تقف شامخة بتضاريس حزنها وحقول فرحها في هذا الشهر. ففي 16 آذار قصفت مدينة حلبجة بالسلاح الكيماوي، وفي آذار ترك الملايين من الكورد في العراق مدنهم بعد فشل انتفاضتهم عام ،1991 وفي آذار تم رمي ما يقارب مليون كوردي فيلي من ديارهم خلف الحدود مع إيران. وفي هذا الشهر كانت اتفاقية آذار عام 1975 بين صدام وشاه إيران وبومدين وعلى أثرها فشلت الثورة الكردية في العراق. وفي 12 آذار 2004 انطلقت شرارة الانتفاضة في قامشلو وفي 31/3/1947. و في ليلة إحياء عيد النوروز 20 /9 / 2008 سقط كوكبة أخرى من الشباب الكرد على مذبح الحرية غيلة وغدرا غدرا على يد الأجهزة الامنية للنظام الحاكم في سوريا، و اعدم أول رئيس للكورد الشيخ الفاضل القاضي محمد في مها باد.. يبقى آذار مضغوطا في تاريخه الكردي ومفتوحا باتجاهات عديدة حينما يتعلق بعيد نوروز الذي يعتبره الكورد وبقية الشعوب الهندو أوربية عيدهم وبداية رأس السنة الجديدة. نوروز أو نيروز بمعنى اليوم الجديد في عدد من اللغات الهندو أوربية وهو أول يوم من السنة الشمسية الإيرانية، ويوافق اليوم الحادي والعشرين من شهر آذار (مارس) من السنة الميلادية.
نوروز في التاريخ
يرى البروفسور ميرداد أستاذ التاريخ في فيلادلفيا إن أصل العيد يرتبط باحتفالات السر صال (رأس السنة) التي تبدأ من 21 آذار حتى نهاية نيسان لمدة 40 يوم، معتبرين 21 آذار انتصارًا للنور على الظلام باعتبار أن يوم 20 آذار يتساوى فيه الليل والنهار ويبدأ طول النهار من 21 آذار. ويؤكد على إن نوروز كان عيدا في روما وأثينا والقسطنطينية وكان عيدّا لميثرا بمعنى “ملاك إدارة الشمس”. و فيالقرون الأربعة الأولى للمسيحية اعتبروا نوروز عيد ميلاد السيد المسيح، ويؤكد المؤرخ الأميركي على انه في 612ق.م، قام مؤسس الإمبراطورية الميدية : “أك سار بن خشو بن دايوكو ” بجعل سقوط نينوى في 21 آذار ليتوافق هذا الحدث الجلل مع انتصار النور على الظلام. ومنذ ذلك التاريخ بدأ التقويم الكوردي الحديث في عامه هذا هو 2619 ك.
لقد بقي نوروز عيدا مشتركا لعدد من الشعوب. فعلى سبيل المثال يحتفل به المصريون باسم عيد “شم النسيم”، حيث كتب المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار، ج2، كيف إن النيروز هو رأس السنة القبطية (النوروز: هو أول السنة القبطية بمصر وهو أول يوم من توت وسنّتهم فيه إشعال النيران والتراش بالماء وكان من مواسم لهم المصريين قديمًا وحديثًا). وقال ابن وصيف شاه في ذكر مناوش بن منقاوش احد ملوك القبط في الدهر القديم: وهو أول من عمل النوروز بمصر فكانوا يقيمون سبعة أيام يأكلون ويشربون إكراما للكواكب. ويؤكد المقريزي على مشترك نوروز بين الشعوب والحضارات عبر الأزمنة التاريخية. فهو يشير إلى ارتباطها بزمن أكثر عمقا فيقول في كتابه الأنف الذكر (قال ابن وهب: بردت النار في الليلة التي القي فيها إبراهيم وفي صبيحتها على الأرض كلها فلم ينتفع بها احد في الدنيا تلك الليلة وذلك الصباح. فمن اجل ذلك بات الناس على النار في تلك الليلة التي رمي فيها إبراهيم عليه السلام ووثبوا عليها وتبخروا بها وسموا تلك الليلة: نيروزًا).
ويتحدث المقريزي عن تداول كلمة النوروز في الحضارات الفرعونية حيث كتب (قال الحافظ أبو القاسم علي بن عساكر في تاريخ دمشق من طريق ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن فرعون لما قال للملا من قومه: إن هذا الساحر عليم قالوا له: ابعث إلى السحرة فقال فرعون لموسى: يا موسى اجعل بيننا وبينك موعدًا لا نخلفه نحن ولا أنت فتجتمع أنت وهارون وتجتمع السحرة فقال موسى: موعدكم يوم الزينة قال: ووافق ذلك يوم السبت في أول يوم من السنة وهو يوم النوروز , وفي رواية: إن السحرة قالوا لفرعون: أيها الملك واعد الرجل فقال: قد واعدته يوم الزينة وهو عيدكم الأكبر ووافق ذلك يوم السبت فخرج الناس لذلك اليوم قال: والنوروز أول سنة الفرس هو الرابع عشر من آذار وفي شهر برمهات ويقال: أول من أحدثه الملك جمشيد من ملوك الفرس وانه ملك الأقاليم السبعة فلما كمل ملكه ولم يبق له عدو اتخذ ذلك اليوم عيدًا وسماه نوروزًا ( أي اليوم الجديد).
نوروز والديانات
يربط المقريزي نوروز بنبي الله سليمان وأيوب عليهما السلام فكتب (وقيل: إن سليمان بن داود عليهما السلام أول من وضعه في اليوم الذي رجع إليه فيه خاتمه وقيل: هو اليوم الذي شفي فيه أيوب عليه السلام وقال الله سبحانه وتعالى له: ”اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فجعل ذلك اليوم عيدًا وسنوا فيه رش الماء ويقال: كان بالشام سبط من بني إسرائيل أصابهم الطاعون فخرجوا إلى العراق فبلغ ملك العجم خبرهم فأمر أن تبنى عليهم حظيرة يجعلون فيها فلما صاروا فيها ماتوا وكانوا أربعة ألاف رجل ثم إن الله تعالى أوحى إلى نبي ذلك الزمان ارايت بلاد كذا وكذا فحاربهم بسبط بني فلان فقال: يا رب كيف أحارب بهم وقد ماتوا فأوحى الله إليه: إني أحييهم لك فأمطرهم الله ليلة من الليالي في الحظيرة فأصبحوا أحياء فهم الذين قال الله فيهم: ”الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم “ ” البقرة 243 ” فرفع أمرهم إلى ملك فارس فقال: تبركوا بهذا اليوم وليصب بعضكم على بعض الماء فكان ذلك اليوم يوم النوروز فصارت سنّة إلى اليوم.
أسطورة الضحاك
تذكر موسوعة الويكيبديا إن ضحاك بن مرداس التّازي من الأشخاص الذين ذكر اسمهم في ملحمة الشهنامة الشهيرة والكتاب المقدس عند الإيزيديين الأفستا. كان حاكما في إيران و كان ملكاً مستبداً. و قبّل إبليس كتفيه فظهر عليها ثعبانان اثنان. و كان ضحاك يقتل شابين كرديين في كلّ يوم ليتغذى الثعبانان. و كان من رعاياه رجل اسمه كاوه الحداد و أمر ضحاك بقتل أولاده غير ابن واحد. و كان كاوى الحداد يدعو النّاس إلي الثورة لحين قتله للضحاك ، وتذكر المصادر العربية إن بيوراسب وهو الازدهاك الذي يسميه العرب الضحّاك وأهل اليمن يدّعون إن الضحاك منهم وانه أول الفراعنة وكان ملك مصر لما قدمها إبراهيم الخليل والفرس تذكر انه منهم وتنسبه إليهم وانه بيوراسب بن ارونداسب بن رين كار بن وندر يشتك بن بارين بن فروال بن سيامك بن ميشي بن جيومرث ومنهم من ينسبه غير هذه قال هشام بن الكلبيّ: ملك الضحاك بعد جم فيما يزعمون والله اعلم ألف سنة ونزل السواد في قرية يقال لها برس في ناحية طريق الكوفة وملك الأرض كلها وسار بالجور والعسف وبسط يده في القتل وكان أول من سن الصلب والقطع وأول من وضع العشور وضرب الدراهم وأول من تغنى وغني له قال: وبلغنا إن الضحاك هو نمرود وان إبراهيم عليه السلام ولد في زمانه وانه صاحبه الذي أراد إحراقه وتزعم الفرس إن الملك لم يكن إلا للبطن الذي منه اوشهنج وجم وطه وان الضحّاك كان غاصبًا وانه غصب أهل الأرض بسحره وخبثه وهوّل عليهم بالحيّتين اللّتين كانتا على منكبيه ولان ظلمه اشتد كثيرا فكانت لابد له من نهاية ليقتل على يد كاوى الكوردي وقيل كان ملكه ستمائة سنة وكان عمره ألف سنة وقيل: كان ملكه ألف سنة وكان عمره ألف سنة ومائة سنة وأيا تكن الأسطورة لكنه تعني مقاومة الإنسان الضحية للظلم عبر أزمنة طويلة ولعل الجذور الكوردية للقصة تبقى احد أهم جذورها التي مدت القصة بنبضة الحياة.
نوروز عند العرب قبل الإسلام وفي الإسلام
كانت العرب تعرف نوروز قبل الإسلام ففي فيض القدير شرح الجامع الصغير ص 511] 6106 – (قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية هما يوم النيروز والمهرجان (وان اللّه تعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر) قال الطيبي: وهذا نهي عن اللعب والسرور فيهما وفيه نهاية من اللطف وأمر بالعبادة وان السرور الحقيقي فيهما قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا قال مخرجه البيهقي).
وفي المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار ج2 للمقريزي (سئل ابن عباس عن النيروز لم اتخذوه عيدًا فقال: انه أول السنة المستأنفة وآخر السنة المنقطة فكانوا يستحبون أن يقدموا فيه على ملوكهم بالطرف والهدايا فاتخذته الأعاجم سنة.
إذن يوم الزينة كان جزء من أيام لعرب ويفسر ابن عباس يوم الزينة في سورة طه الاية رقم ( 59 : 61 ) على انه قد يكون النيروز قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى، فتولى فرعون فجمع كيده ثم اتى، قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى .
قوله تعالىقال موعدكم يوم الزينة واختلف في يوم الزينة، فقيل هو يوم عيد كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه؛ قاله قتادة والسدي وغيرهما. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: كان يوم عاشوراء. وقال سعيد بن المسيب: يوم سوق كان لهم يتزينون فيها؛ وقاله قتادة أيضا. وقال الضحاك: يوم السبت. وقيل: يوم النيروز؛
أما الشيخ محمد بناحمد السفا رينيالحنبلي ففي كنابه غذاء الألباب ص 29 إلى 45 (قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يأكل مَا وَجَدَ , فَاِنْ وَجَدَ اللَّحْمَ أكله ويأكل لَحْمَ الدَّجَاجِ , وأحب الأشياء إليه الْحَلْوَى , وَالْعَسَلُ , وَمَا نُقِلَ عَنْهُ اَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ مُبَاحٍ قَالَ: وَجِيءَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِفَالُوذَجٍ فأكل مِنْهُ , وَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يوم النيروز فَقَالَ: نورزونا كُلَّ يَوْمٍ , وإنما يُكْرَهُ الأكل فَوْقَ الشِّبَعِ , وَاللُّبْسُ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَالِ , وَالْبَطَرِ ).
إن التعامل مع نوروز من قبل الخلفاء الأمويين والعباسيين كان اجتهادا شخصيا فتارة كان يمنع لأسباب تتعلق بشخصية الخليفة الذي كان بالضد من حياة الترف والزينة كما فعل المأمون وتارة كانت تعظم كما في عهد معاوية ففي الاستيعاب في تمييز الأصحاب ج2 بذكر ابن بكير عن الزبير:إن معاوية هو أول من اتخذ ديوان الخاتم وأمر بهدايا النيروز والمهرجان.
ومن غريب التاريخ إن الخلافة العباسية كانت تتعامل مع الشعوب الغير عربية حسب تقويم تلك الشعوب فعلى سبيل المثال إن الخراج كانت تجمع في أيام نوروز لحين تغييرها في زمن المعتضد ففي المنتظم في التاريخ ج 12 إن المعتضد أمر بإنشاء الكتب إلى العمال في النواحي بترك افتتاح الخراج في النيروز الذي هو نيروز العجم وتأخير ذلك اليوم إلى الحادي عشر من حزيران وسمى ذلك النيروز المعتضدي وفي هذه السنة.
وكانت أسواق القاهرة تتعطل في يوم النوروز وفي حماه وحمص باسم عيد الربيع حتى عام 282هـ حين أبطله الخليفة العباسي المعتضد بالله أحمد بن موفق طلحة بن المتوكل بن المعتصم آمرًا بإلغاء مراسيمه. و بقي محظورًا رسميًا حتى عام 567هـ حيث انتصر العبيديون على العباسيين و أعادوا مراسيمه التي بقيت شائعة و رسمية طيلة الدولة الفاطمية , الأيوبية , المملوكية حتى سقوطها بيد العثمانيين عام 1516 / 1517 م. حيث بدأ العثمانيون بمكافحته و مكافحة تراث الموحدين إجمالا .
نوروز المشترك بين الشعوب ماضيا إلى يومنا هذا
ناهيك عن الشعوب الهندو أوربية فان بقية الشعوب في المنطقة تحتفل بنوروز مع اختلاف التسميات وطقوس الاحتفالات حيث يسمي العراقيون العرب في جنوب العراق يوم النوروز «الدخول» أي دخول سنة جديدة بدايتها الربيع – حسب التقويم الفارسي – ويحتفلون بالنوروز بتزيين البيوت وعمل الخبز المحلي والحلوى الصفراء «زرده» ولبس ملابس جديدة والخروج من المدن والقرى إلى شواطئ الأنهار ويزورون قبور الأئمة والسادات ويقوم أهل الريف بسباقات الخيل وممارسة الأهازيج التي يسمونها «الهوسات» مفردها «هوسه» في الفضاء قرب قبور السادات في الريف.
وفي المجال الرسمي فالدول العربية مثل العراق والأردن يسمون النوروز «عيد الشجرة» حيث هو مناسبة لغرس الأشجار وفي مصر فللربيع عيد يسمونه «عيد شم النسيم» في الأسبوع الأول من شهر نيسان ولعله يصادف يوم الطبيعة في إيران اليوم الثالث عشر من ابتداء النوروز.
أما عند الأكراد فان النوروز هو ذكرى ثورة قادها «الأسطورة كاوه الحداد الكردي” على الملك «ازدهاك» الضحاك. ويقوم الأكراد بإشعال النيران في رؤوس التلال والجبال وهي رمز لعمل قام به «كاوى” إشارة لأتباعه بانطلاق الثورة “ثورة المظلومين والمهمشين على الطغاة ” – حسب الأدبيات الكردية الشعبية.
وللشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب قصيدة بهذا المعنى فيها إن النوروز هو ثورة الفقراء الكادحين على الظلم إذ قال:
يا شعب كاوه سل الحداد كيف هوى صرح على الساعد المفتول ينهارُ
وكيف أهوت على الطاغي يدُ نفضت عنها الغبار وكيف انقض ثوار
والجاعل الكير يوم الهول مشعله ينصب منه على الآفاق أنوار
*شيرين* يا جبلّ الأحرار ما غفلت عن حقها الضائع المسلوب أحرار
.. والنوروز مناسبة لصلة الرحم بين الأسر وتقوية أواصر الصداقة والجيدة بين الناس. وتجتمع الأسرة الكردية ساعة ابتداء السنة الجديدة حول صينية نوروز.
نقاط مهمة
ــــــــــــــ
1- إن عيد النوروز عيد يجمع الواقع بالأسطورة ، يجمع شعوب متعددة وحضارات مختلفة.
2- أجواء القصة فيها تداخل كبير للأحداث والأبطال ولكنما وثقناه من المصادر تؤكد إن ضحاك كان فارسيا.
3- “كاوى” كوردي، واعتقد إن الكورد يفتخرون لا ببطولة كاوى وكونهم من أنقذوا شعوب المنطقة حينها من الحاكم الظالم ضحاك، بل إنهم يفتخرون بكونهم الشعب الذي أنجب بطل أسطورته من الطبقة العاملة فكل الأساطير أبطالها الهة أو أشباه الهة.
4- ثورة “كاوى” لم تكن ثورة قومية خالصة، لان ضحاك كان يطعم الثعبانين بدماغ طفلين كورديين فحسب بل ان ثورته كانت فيها الأبعاد الاجتماعية والطبقية وهنا سر قوة القصة.
قد نتفق أو نختلف على نقاط كثيرة وردت في هذا التقرير الموجز ولكن الأهم أن نعي تماما إن أسطورة الضحاك تتكرراليوم بصور متعددة وتفرض نفسها وبقوة على ساحات مختلفة في دول شتى.
كلنا يحتاج ليوم جديد كي نبرأ الذمة أمام الله, ويكتب التاريخ عنا إننا وقفنا في وجه الطغاة ذات يوم , لأجل ذلك لنعلن جميعنا “نوروز” يوما لانتفاضة المهمشين والمظلومين ومن تم إقصائهم وتغييبهم قسرا ويوما لحرية الشعوب عامة والكرد على وجه الخصوص…
الشكر من القلب لكل من ساعدني في إنجاز هذا التقرير الموجز.
haval88@gmail.com