صورة المقال: صلاة الجمعة 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، في ميدان البرلمان بالعاصمة البريطانية لندن
يختلف المسلم عن بقية شعوب العالم بضياع مؤشِّر الولاء لديه!
فهو يريد ان يكون وطنياً يخدم الوطن والأرض التي اظلته سماؤها، ويريد في الوقت نفسه ان يكون مدافعاً عن الاسلام مطيعاً لأوامر الله والقرآن والشريعة، كما أن لديه نزعة ونَعرة قومية… سواء كانت عربية او فارسية او غيرها…!
بالمقابل، الفرد السويدي او الدنماركي يعيش على أرضه، ولديه ارتباط نفسي والتزام واعٍ تجاه وطنه يتجلى في ممارسات مسؤولة تحرص على حماية الوطن واستقراره وتطوره، ولا يورط نفسه في أعمال تخريبية خارج وطنه ولا ينضم الى حركات دينية لإحياء الحملات الصليبية والقيام بأعمال القتل الجماعي الوحشي ضد اليهود او المسلمين. وهكذا الأمر بالنسبة للمسيحي او اليهودي البريطاني والفرنسي والجنوب أفريقي او اللاتيني…
أما بالنسبة للمسلم، ففي معظم الأحيان يَطغى الإنتماءُ الديني أو المذهبي على الانتماء الوطني، أينما كان. وهذا هو الخطر الأكبر والدمار الأعظم.. وهو السبب الرئيسي لما آلت اليه الأوضاع المأساوية اللاّإنسانيّة في سوريا والعراق وإيران واليمن ولبنان… فالدين والمذهب مزّق النسيج الإجتماعي لهذه الدول وخرّب مشروع الدولة المدنية المتحضرة وجعلها تحت رحمة فتاوى رجال الدين المتخلفين علمياً واخلاقيا وانسانياً… فالولاء للأسلام أولاً وأخيراً يَصْب في مصلحة رجال الدين … ورجال الدين فقط! فالإنسان المسلم الملتزم بشرع الله وكلام رسوله لا يستطيع ان يعرف ردة فعل الله تجاهه، ان كان راضيا عنه او غاضبا عليه.. ولا سبيل إطلاقا للاتصال به رغم تقدم سبل الاتصالات.. والطريقة الوحيدة لمعرفة موقف الله هو يوم القيامة ربما بعد نحو مليون سنة.. اما الرسول والصحابة الكرام والأئمة المعصومون فهم أموات.. ولا تقل انهم « أحياء عند ربهم يُرزقون ».. فهذا يحمل معنى مجازياً.. هم اموات ولهم قبور يزورونها… والقبور لا تكون للأحياء… بالتالي لا يبقي لدى المسلم سوى رجل الدين الحي.. الذي يمثّل شرعَ الله ويتكلم باسم الله والرسول والصحابة والأئمة… إذاً، جميع طرق العقيدة والدين الإسلامي تصب في مصلحة رجل الدين اوالمرجع الديني الذي هو بالتالي إنسان يصيب ويخطئ .. لكن تاريخ أئمة وشيوخ الدين خلال المائتي سنة الماضية يؤكد دون اي شك أن هدفهم الأساسي هوالإستحواذ المالي والسيطرة الاجتماعية والقيادة السياسية دون ان يكون لهم أيّ مشروع او برنامج لقيام دولة المجتمع المدني الحديث القائم على التنمية البشرية والاقتصادية.
مثلٌ واضح لسمو الولاء الديني والمذهبي على الانتماء الوطني: نائبان من نواب مجلس الأمة الكويتي يغردان خارج السرب: وليد الطبطبائي، (سُنّي) ينادي بدولة الخلافة الإسلامية ويشارك في صنع القذائف على خط المواجهة في سوريا، مع أحد فصائل (المقاومة) والتي هي بالعشرات، في موقف بالغ في الغرابة، مستخفاً بعقول الأمة ومحرجاً للقيادة السياسية؛ والنائب الآخر (شيعي) عبدالحميد دشتي يشارك في ملتقى التجمع العربي الإسلامي في دمشق في 19 مارس 2016 بخطاب ناري يمجّد الرئيس السوري بشار الاسد، وحسن نصر الله والمرشد الإيراني علي خامنئي، وأنه سيدعم الثورات المسلحة ضد دول الخليج في البحرين واليمن ولبنان. يأتي هذا بعد يومين من بيان مجلس التعاون الخليجي باعتبار ميليشيات حزب الله اللبنانية تنظيما ارهابيا و ان دولة الكويت جزء من منظومة مجلس التعاون الخليجي “وتتضامن معه قلبا وقالبا”. وكثيراً ما يضع نواب الكويت بلدهم في موقف محرج عبر إساءاتهم لبلدان الجوار الخليجية أو تدخلاتهم في صراعات أقليمية لا تخصهم ولا تعنيهم أطلاقاً. وتجد الكويت نفسها عقب كل حادثة من هذا النوع، أمام مهمة صعبة، تتمثل بتحييد تصريح النائب المسيء عن أي موقف رسمي كويتي، وتبدأ باتخاذ إجراءات قانونية ضده تصل حد استدعائه للنيابة العامة وتقديمه للقضاء!
ما هي الأسباب التي تجعل هذا المسلم ينحرف عن مساره الإنساني والاخلاقي والوطني وينخرط في اعمال العنف والقتل والدفاع عن أوهام الدين والمذهب؟
١– طبيعة النص القرآني المحرّض على القتل ونبذِ غير المسلم… (والقرآن هو كُل شيء بالنسبة لعقيدة المسلم)، واستغلال رجل الدين لهذه الآيات، وهي بكثرة وخصوصاً في سورة التوبة والتي تدعو الى قتل معظم سكان الأرض (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ) سورة محمد 4. والذين كفروا” يشكلون خمسة مليارات ونصف المليار من سكان العالم( 78٪ )لأن المسيحيين حسب المنطق القرآني أيضاً كفّار {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} سورةالمائدة 72 {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} سورةالمائدة 73 وجميع المسيحيون يقولون ان الله ثالث ثلاثة وان المسيح ابن الله…. اذاً، المشكلة لا تكمن بالمسلمين كما يُروَّج، ولا بسوء فهم الآيات، بل بكثرة النصوص والأحكام الشرعية التي تحثُّ على العنف وسفك الدماء. اذا كانت داعش تنادي بالجهاد، فالقرآن ينادي أيضاً بالجهاد (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا). واذا كانت داعش تفرض حكم القرآن والشريعة لإقامة دولة الخلافة الاسلامية ، والقرآن أيضاً يدعو لدولة الخلافة. داعش تقتل وتشرد وتقمع وتستعبد غير المسلمين والقرآن يقول:
(فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) سورة التوبة 5
الولاء والبراء هو ركن من أركان العقيدة الإسلامية. ومعنى الولاء: هو حُب الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ونصرتهم . والبراء: هو بُغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين ، من الكافرين والمشركين (وهم سكان اوروبا والأمريكتين). المسلم الحقيقي لا يدين بالولاء لغير المسلم!!!
مسيرة اسلامية في بلجيكا عاصمة الأتحاد الاوروبي و مقر حلف الناتو NATO, يطالب فيها المشاركون بنبذ الديمقراطية وتطبيق الإسلام. ويتساءل المسلمون بكل بلاَهَة عن سبب تصاعد موجات العنصرية في أنحاء أوروبا ضد المسلمين.
-
الإسلام لا يؤمن بالسلام العالمي الذي تنادي به الامم المتحدة والمنظمات الانسانية العالمية، فحسب القاعدة القرآنية، إما ان تكون مسلما او تدفع الجزية او تُقتل او تُطرَد خارج الدولة الاسلامية. هذه هي الخيارات المتاحة لغير المسلم تحت ظل دولة الخلافة الأسلامية. (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ) سورة محمد٣٥
٢– الجرعة الدينية الزائدة في المدارس والمساجد والفضائيات والتضيق على النشء والشباب بالفكر المتشدد والتثقيف المتطرف على حساب الثقافة الوطنية التي تحرص على حماية الوطن وتطويره. فلا وجود في الثقافة الدينية لمفهوم الانتخابات او الديمقراطية وحقوق الانسان… الهدف الأسمى هو الجهاد المستمر لبناء دولة الخلافة اواستمرارالثورة حتى ظهور الحجة.
وآيآت الجهاد وضرب الرقاب والمحرمات تُقرأ بصوت عالي وعلى مدار الساعة في المحلات التجارية والمستشفيات ووزارات الدولة والمطاعم والسوبرماركت، وفي القنوات الفضائية والإذاعة والهواتف النقالة، حتى اصبح الجهاد والحرام هو القاعدة وبناء الوطن والحلال هو الاستثناء! هذا التلقين اليومي المتواصل يجعل الشاب لا يستطيع ان يمارس حياته بشكل طبيعي، بل يجعله حاقدا متنافراً يكره نفسه ويكره المجتمع والعالم ويبحث عن وسيلة يفجّر بها نفسه ويذهب الى الجنة ليحصل (حسب اعتقاده) على الخلاص والحرية ويعانق حور العين! ومدارس التكفير وغسل الأدمغة ليست مقصورة على الدول العربية والإسلامية بل متوفرة بكثرة في دول الغرب والإنترنيت.
الإسلام دينٌ مُحرج لمن يدافع عنه
٣– توهُّم المسلمين بأنهم أفضل خلق الله ويجب أن يكونوا علي رأس العالم أولا يكونوا (لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ)! فهم ينظرون لغير المسلم نظرة دونية وعنصرية وان اليهود والمسيحيين والهندوس والبوذيين واهل الصين واليابان “لَهُمَ من الخاسرين” (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) سورة آل عمران85. ومهما تفوّق الغرب عسكرياً واقتصاديا وعلمياً وتكنولوجياً، فهو أمام الإسلام لا شيء (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ)سورة النور 39. والمسلم الإفريقي الهارب من الحرب الأهلية والجوع والحرمان والقتل البربري، الذي استقر في لندن، حيث وفّرت له الحكومة البريطانية الحياة الكريمة وتسهيلات ومزايا الإقامة، يرى نفسه أفضل من ملكة بريطانيا لأنه “مسلم” وهي “كافر”!
لعل أخطر ما يمارسه رجالُ الدين هو العمل على تغييب وإلغاء العقول لدى عامة المسلمين باسم الدين ونشر ثقافة التقديس، أحد أبرز أسباب حالة التخلف و أكبر معوق من معوقات الاصلاح. فتجد الغالبية العظمى من المتدينين لا يستطيع أن يبني قناعته بنفسه في أبسط الأمور، بل لا بد من شيخ او مَرجِع يساعده.
في الصورة مثلان لثقافة ألغاء العقل: (من اليمين) مرجع ديني شيعي(يحمل لقب ولي الفقيه) قال عنه خطيب جمعة طهران المؤقت و أمين عام جمعية المعممين المكافحين المحافظة، أية الله محمد علي موحدي كرماني، أنه يجب على الناس أن ينتخبوا الذين لهم طاعة مطلقة للولي الفقيه في انتخابات مجلس خبراء القيادة التي تم إجراؤها في 26 شباط/فبراير 2016 الماضي. و(من اليسار) عضو لجنة كبار العلماء في السعودية يؤكد بأن طاعة ولي الامر من طاعة الله وأنه بطاعة السلاطين تأمن بلاد المسلمين.
٤– ثقافة المُكابرة وتبرئة الذات وعدم الإعتراف بالحقيقة او تحمّل المسؤلية، وإلقاء اللوم علي جهات خارجية لتبرير الفشل والإخفاق والتخلف، سواء كانت القوة الخارجية هي الاستعمار او اسرائيل اوالإمبريالية او الصهيونية او حتي (الشيطان )… يجعل المسلمين، شعباً وقيادة، يكررون اخطاءهم التاريخية ويرتكبون نفس الحماقات التي تُدَمر مجتمعاتهم ومستقبل اولادهم. وهذه الثقافة تجعل المسلم يعيش في صراعٍ داخلي وحياة متناقضة. والأمثلة التي عاصرناها متعددة وكثيرة، اذكر بعضاً منها:
- في صيف ٢٠٠٧ (من مايو/آيار الى يونيو/حزيران) نشبت حرب ومعارك دموية شرسة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين، بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع ٢٠٠٦، راح ضحيتها ٦٠٠ فلسطيني معظمهم من المدنيين العُزَّل والأطفال والنساء (حسب تقرير لجنة فلسطينية محايدة معنية بحقوق الإنسان) سبقتها أحداث خطف وتعذيب أفراد من الجانبين. لم يتم محاسبة أى قيادي او مسؤول فلسطيني ولم تعترف أيُ جهة بمسؤوليتها عن هذه المجازر ولم يتم مصارحة الشعب الفلسطيني او تعويض أُسر الضحايا عن القتل والدمار.. بل أطلقوا عليها اسم (الانقسام الفلسطيني وصراع الأحبة) وألقوا اللآئمة على الإمبريالية الصهيوامريكية وإسرائيل وإيران… وكأن الفلسطينين قيادةً وشعباً لا عقل لهم ولا حكمة ومسلوبي الأرادة! وهم من يفتخر بارتفاع نسبة المثقفين والخريجين والكتاب والعلماء والنخبة لديهم..!!
- هُزمت الدول العربية بقيادة مصر هزيمة نكراء ماحقة أمام أسرائيل في ١٩٦٧ولم يُسموها هزيمة بل (نكسة حزيران ) وأخذوا يجادلون في حقيقة الهزيمة على مدى ٣٠ عاماً، تلتها هزيمة أُخرى في حرب١٩٧٣. والحروب تقاس بنتائجها, فالجيش السوري في 1973 خسر المزيد من الأراضي وأصبح في مرمى مدفعية اسرائيل والجيش المصري تعرض لحصار مكبل ولم يحرّر الجيشان أراضيهما المحتلة، وهذا هو العنصر الأساسي في الفوز بالمعركة…!! وما زالت مصر تحتفل سنويا في ٦ أكتوبر، بذكرى انتصار جنودها البواسل على العدو الأسرائيلي! بالرغم أن كل ما فعلته مصر في حرب أكتوبر هو إحداث الإرباك والدهشة في صفوف الإسرائيليين، وهذا يذكرني بعصا موسى التي تحولت الي ثعبان عظيم تلقف حبال وعصي السحرة! هذا الإنجاز من قبل موسى أدهش وأربك الجمع وفرعون فقط، ولم يحقق نصراً الهياً ولم يقتنع فرعون بدين موسى، ورحل موسى وقومه.
- في 14 يوليو 2015، تُقدم أيران الأسلامية تنازلات عن معظم مشروعها النووي أمام القوي العالمية الست ضمن أتفاقية 5+1 في فيينا وذكرنا في مقالة (النووي الإيراني وتكـرار الفشـل السـوفيتي) أن فاتورة المشروع النووي الايراني تقارب 500 مليار دولار أمريكي … وهي تكلفة المنشآت النووية و تشغيلها والأبحاث والعقوبات الأمريكية منذ 1979 والعقوبات الموسعة للأمم المتحدة في 2006 م وما صاحبها من أنخفاض في النمو الأقتصادي ومعدلات التنمية البشرية والقدرة الإنتاجية… إضافةً الي متغيرات القيمة الفعلية للدولار خلال الثلاثين سنة الماضية. و النتيجة: بناء مفاعل واحد في بوشهر بفترة زمنية جاوزت 30 عاماً وبطاقة إنتاجية 1000 ميغاواط… لا تسد حاجة مدينة بوشهر ذات الـ190 ألف نسمة، من الكهرباء..!! فإذا كانت تكلفة مشروع مارشال (Marshall Plan ) لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية 13 مليار دولار، ما يعادل 130 مليار في 2015… هذا يعني بأن تكلفة النووي الأيراني حوالي أربعة أضعاف مشروع مارشال….!!! وحتى أن أيران بعد هذا العناء لم تصل الي ما وصلت أليها دول فقيرة مثل كوريا الشمالية أو باكستان في أمتلاكها للقنبلة النووية…..!
الجمهورية الاسلامية لم تعترف بتنازلاتها امام امريكا واوروبا، ولم تصارح شعبها بحجم خسارة مشروعها النووي غير المُجدي، بل أقامت المسيرات في كبرى مدنها أحتفالاً بانتصارها على قوى (الإستكبار العالمي)!
صور من شوارع طهران عن بهجة الإيرانيين واحتفالهم بتوقيع بلادهم الاتفاق النووي مع الدول العظمى، باعتباره “انتصارا لهم.”
أورد لكم ذكر مثل واضح على تبرئة الذات وعدم تحمل المسؤولية ووالتّذَرّع بالشيطان: عندما دخل النبي موسى المدينة واستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، تدخل موسى فوكزه وقضى عليه، وسرعان ما برأ نفسه وورط الشيطان: “فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ” سورة القصص 15. كان يمكنه أن يتدخل بطريقة سلمية ويصلح بينهم بدلاً من أستخدام العنف والقتل.
- ثقافة كراهية الغرب المتفوّق، تيمناً بالآية (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) سورة البقرة 120
وواقع الحال هو عكس ذلك: في دولة اسرائيل يوجد مليون ونصف المليون اسرائيلي مسلم من اصول عربية، يتمتعون بكافة حقوق المواطنة التي نص عليها “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” من حق التفكير والمعتقد والتعبيرو التنقل وحق الضمان الاجتماعي والتعليم والعمل والإستفادة من التقدم العلمي وحق الزواج وتأسيس عائلة وحق المحاكمة العادلة ولا أحد يمكنه أن يجردك من حقوقك هذه. وهكذا هو الحال لمسلمي اوروبا وأمريكا. اذاً، الواقع يقول “لن يرضى عنك المسلمون حتى تَتَبع ملتهم”!! انظر الى ما فعلته دولة الخلافة الإسلامية في حق الاقليات المسيحية والأيزيدية في العراق من اعدامات جماعية وقطع رؤوس واعتداءات جنسية.
(في الصورة، من اليمين) تهجير الاف الأقليتين المسيحية والايزيدية من محافظة نينوى بعد إعلان الخلافة الإسلامية في محافظة نينوى في يونيو2014 وقيام داعش بقتل وتهجير الاقليات المسيحية والأيزيدية والاعتداءات الجنسية المنهجية على النساء والفتيات الصغيرات وأستعبادهن وبيعهن في اسواق الرقيق. (إلى اليسار) مسجد الطائفة الأحمدية المسلمة ( المتهمة بالكفر في الدول الأسلامية في العاصمة الألمانية برلين التي تحتضن أكثر من ثمانين مسجدا، قام بتصميمه المعماري الألماني كارل أوغوست هيرمان مستوحيا التصميم من تاج محل بالهند.
6- غياب ثقافة التسامح Tolerance بجميع انواعها، الديني والفكري والسياسي والعرقي وعدم نسيان الماضي، وان الغرب المتقدم هو العدو المتربص لا هم ولا عمل له إلا التآمر على المسلمين وتقسيمهم.
فقدان التسامح، الذي يعتبر أحد المبادئ الإنسانية، ادى الى تراكم العوائق في إدارة الأزمات عند المسلمين Crisis management والتعامل بطرق غير مدروسة مع الأزمات الداخلية والتوترات الخارجية. وهو السبب الذى أدى بالتالي إلى ضعفها وتفككها. أهوال الحروب رافقت معظم الأمم والشعوب، ولكنها عادةً تنسى الماضي المؤلم بكامل ارادتها، وتتخلى عن رغبتها في الإنتقام وتطوّر نفسها لتصبح من أكثر الدول تقدم وثراءً.
- اليابان: قُصفت وأحرقت القوات الامريكية والبريطانية معظم المدن اليابانية في الحرب العالمية الثانية، وأودت بحياة900 الف نسمة، ثم انهت الحرب بقنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي تسببتا بقتل 200 الف قتيل لتصل الحصيلة الى اكثر من مليون قتيل، أي مليون ضعف قتلى دير ياسين في فلسطين وصبرا وشاتيلا في لبنان. وبعد الحرب استسلمت اليابان وتسامحت، ولم يكن بالأمر السهل، ولكن من أجل مستقبل أبنائها والتخلص من أخطائها فتحت أعينها لرؤية مزايا التعامل مع الغرب والإستفادة منهاأقتصاديا وثقافيا وتقنياً، وها هي يابان اليوم تتفوق على اوروبا وأمريكا.
- الهند : استعمرتها بريطانيا العظمى واستغلت ثرواتها ما يقارب المائة عام (1856-1947)، وبعد الإستقلال وخروج الأنجليز، أبرمت الهند أتفاقيات تعاون مع انجلترا في جميع المجالات. ويبلغ حالياً عدد البريطانيين الهنود المليون والنصف المليون في بريطانيا منهم صادق خان (المسلم) عمدة لندن وأصل من باكستان التي كانت جزء من الهند في حقبة الإستعمار.
- فيتنام: التي دمرتها امريكا في حرب ضروس (1965-1975) راح ضحيتها مليون قتيل فيتنامي وثلاثة مليون جريح و13 مليون لاجئ، هذا يعني أيضاً مليون ضعف المشردين من فلسطين والعراق وسوريا. وخسرت امريكا 57 ألف جندي قتيل. ولكن منذ عام 1986 قامت جمهورية فيتنام الاشتراكية بوضع خطة إصلاحات إقتصادية وسياسية شاملة، وفتحت ابوابها على مصراعيها للإستثمار والتعاون والسياحة الأمريكية والغربية.
ختـامـاً، يقول المسلمون ان الآيات القرآنية لها أسباب نزول، وفي نفس الوقت يقولون ان هذه الآيات صالحة لكل زمان ومكان، وهما رأيان متناقضان ووجهتا نظرٍ مختلفتان ..! لأن الآيات مرتبطة بحوادث معينة وأشخاص وأزمنة وأمكنة و أحكام وظروف أجتماعية وسياسية واقتصادية وقعت قبل 1400 سنة لا يمكن ان تتكرر او تطابق ظروفنا الحالية، فالظروف البيئية والأجتماعية والقوانين الإنسانية والدولية مختلفة تماماً.
- فمثلاً، تحطيم الأصنام الذي قام به رسول الأسلام بعد فتح مكة كان عملاً مشروعاً آنذاكـ ولكن الآن لا تستطيع القيام بهذا العمل في تايلند او الصين او الهند او اليابان لوجود قوانين عالمية تصون حرية الأديان وتحمي المعتقدات والطقوس والاقليات والطوائف الدينية والعرقية.
- في الجزيرة العربية كان الرسول يُقاتل الذين لا يؤمنون بالله حتى يدفعوا الجزية تصديقاً لما جاء في القرآن (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) سورة التوبة 29
ربما كان هذا العمل مباحاً قبل 1400 سنة، في ظل مجتمع صحراوي قاسٍ لم يعرف الثقافة والحضارة والقوانين الإنسانية. ولكن، الآن، بعد تطور الحس الإنساني والسلوك البشري، المسؤولية الأخلاقية والقانونية تمنعك من تطبيق هذه الآية. فالمدن الكبيرة عند المسلمين تضم سكانها المسيحين واليهود والهندوس واللادينيين، منهم الأطباء والمدرسين والمهندسين والخبراء، يتمتعون بكافة حقوقهم والقانون يحميهم ويمنع أخذ الجزية منهم أو حتى المساس بكرامتهم وأعراضهم.
- وكذلك يُجرم القانون المدني تطبيق آيات الرق ومُلك اليمين ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) سورة الاحزاب. فلا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، وتحظر تجارة الرقيق بكافة أشكاله. واعتراف القانون الحديث بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
سبق ان ذكرنا في مقالة (الإعجاز العلمي للعقل البشري ام الإعجاز العلمي للقرآن؟) ان القرآن كتاب عبادة وليس مرجعاً في القانون أو كتاباً في الفيزياء. والقوانين البشرية تمتلك طبيعة التطور بتطور المجتمع، وهي قائمة على التجارب البشرية الطويلة، والقرآن ربما كان ضروريا لمرحلة زمنية كانت الحياة فيها قائمة على الصراع من أجل البقاء.
اما الآن فالحياة قائمة علي التعاون بين الشعوب، والبحث العلمي، والتسامح.
(نشر “الشفاف” هذا المقال في ١٦ يونيو ٢٠١٦. ونعيد نشره اليوم لمناسبة ما يُسمّى قضية “خلية العبدلي” في الكويت)