الآن، وفي صباح يوم جمعة الرحيل، وفي مرحلة حرجة تحاول فيها جهات متعددة ايجاد مخرج للدكتاتور، وفي ظل تنازلات أخرى اقر بها ذلك الذي كرهه المصريين، يحاول كثيرين من ضباع السلطة في مصر ان يحوزوا جزءا من الجسد السياسي المصري المنتظر ولادته ولو بعملية قيصرية شديدة التعثر. سمعناها كثيرا علي مدى 30 عاما من عراب النظام المدعو “صفوت الشريف” ان المعارضة المصرية والاحزاب السياسية فيها هي جزء من النظام. لم يرد احد منهم علي هذا الاتهام المخجل المشين. فحمرة الخجل غادرتهم منذ زمن طويل وحل محلها بجاحة ونطاعة لا تقل عن نطاعة السلطة في مصر.
وستحاول بقايا السلطة بعد الرحيل ان تتفاوض مع هؤلاء. وهنا يبقى السؤال: اين الشباب الذي قام بالثورة في المفاوضات المزعومة؟ نشتم رائحة اللصوصية مرة اخرى. فاذا كان حكم الدكتاتور هو حكم اللصوص وغير شرعي، فاحذيته وجواربه وملابسه الداخلية وجلده الخارجي غير شرعي.
حكم نظام يوليو مصر باحذية عروبية وجوارب قومية وملابس داخلية اشتراكية وجلد اسلامي. وعلي مدي ستين عاما كان يخلع ما يعيقه عن الاستمرار في السلطة وفي تحقيق الهزائم. خلعهم جميعا في مراحل متعددة لتجديد نفسه كما تخلع الثعابين جلودها. الم يكونوا جزءا منه كما قالها العراب.
في هذه اللحظة وقبل رحيل الدكتاتور لا زال الائتلاف الوطني للتغيير (المكون من هذه الأحزاب) يرفض التفاوض مع عمر سليمان النائب الذي عينه الدكتاتور في لحظة انكسار ذليل او ربما مراوغة منه لانه خير الماكرين بان خلع وحدانيته التي طالما تشدق بها بانه الواحد الاحد الذي لا شريك له في الملك. ولم يقل احد ان هذه مطالب الشباب من اليوم الاول للثورة.
علي مدي عام منذ عودة البرادعي ذهب كثيرين من اعضاء الاحزاب في هرولة متسارعة للقاء البرادعي والالتفاف حوله باعتباره المخلص المنتظر. كلهم وبلا استثناء راسخون بافكارهم وايديلوجياتهم بل وممارسساتهم السياسية المنحطة في سياسة النظام الذي اتي البرادعي لانقاذ مصر منها ومنه. اشتم كثير منهم ان هناك تغييرا علي وشك الحدوث فسارعوا للبرادعي. وانفضوا عنه في فضيحة سياسية سعد بها الدكتاتور ونظامه، عندما اكتشفوا ان مصر التي علي وشك الولادة لا تريد ان تلوث نفسها بافكارهم التي حكمت بها دكتاتورية يوليو مصر على مراحل لأكثر من نصف قرن. فانفضوا عن البرادعي بل ورفضوا بعدها ضمه الي الائتلاف.
تقول الانباء حاليا: علقت أحزاب الوفد والتجمع والناصري المكونين للائتلاف الوطني للتغيير الموافقة علي الحوار مع عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية إلي أن يتم السيطرة علي البلطجية الذين حصدوا مزيدا من القتلى والجرحى بميدان التحرير أول أمس مهددين بالانسحاب من الحوار نهائيا إذا لم يتم حماية الشباب في التحرير من الهجمات التي يتعرضون لها من أنصار النظام – علي حد قولهم – وتنفيذ المطالب التي حددها الائتلاف والتي تتمثل حسبما أعلنوا في استقالة الرئيس مبارك من منصبه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل علي تنفيذ طموحات الشباب ،وتأسيس جمعية تأسيسية تكون مهمتها تعديل الدستور بما يضمن حياة ديمقراطية وعادلة للمصريين، وأن تقوم القوات المسلحة بدورها في حماية المصريين والتصدي لأي محاولات لزعزعة الأمن وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، نافين مشاركة أي منهم في الاجتماع الذي دعا له السيد عمر سليمان.
تلك كلها كانت مطالب الشباب الذي استشهد منه كثيرين في معركة الحرية بميدان التحرير بل ان وقف تظاهرهم ومسيراتهم السلمبة وتفاوضهم كان مشروطا بمغادرة الدكتاتور وليس فقط وقف اعمال البلطجة. فمن منكم من الشباب ايها الحيزبونات البالية، ومن منكم لم يكن ممثلا في مجالس النظام الغير شرعية التي اتي بها عبر البلطجية والمجرمين والخارجين عن القانون علي مدي ستون عاما.
إنها ساعات قليلة قبل ظهر يوم جمعة الرحيل، والشباب مازال في ميدان التحرير وهناك من يحاول سرقة الثورة منه وعلي راسهم الاخوان المسلمين والاصوليين. الاخيرين كانا الجلد الاخير الذي حكم به الدكتاتور انه الجلد الذي لا يزال يحمل بعضا من دفي جسد الحية التي علي وشك الرحيل.
elbadry1944@gmail.com
* القاهرة