يسود نقاش في أروقة الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار بشأن المهام الجسام التي ستلقى على عاتقها بعد صدور القرار الاتهامي في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر شهداء ثورة الارز.
وطبيعة النقاش تدور حول كيفية مواكبة الامانة العامة لتداعيات صدور القرار وردود الفعل المرتقبة من قبل سائر مكونات الشعب اللبناني، خصوصا ان الامانة العامة تجد نفسها مؤتمنة على السلم الاهلي والمجتمع المدني في جميع الاراضي اللبنانية وليس حصرا في مناطق الاغلبيات السنية والمسيحية، إذا أنها تعتبر ان الهم الشيعي قبل وبعد صدور القرار الاتهامي في صلب اهتماماتها وتوجهاتها، في معزل عن مصادرة القرار الشيعي في ثنائية أمل حزب الله.
وترى الامانة العامة ان أي تداعيات سلبية للقرار الاتهامي يجب ان لا تطال سوى الافراد المتهمين والذين يجب عليهم التعاطي مع القوانين وفق المنطق القانوني وليس الانقلابي وعدم جرّ طوائفهم الى مغامرات غير محسوبة العواقب. ومن هنا ترى الامانة العامة ان من ابرز مهامها للمرحلة المقبلة تأكيد دورها كجامع مشترك ليس بين مكوناتها الرئيسية بل ايضا تأمين التواصل بين هذه المكونات والطائفة الشيعية وصولا الى إعادة تأكيد العقد الاجتماعي الذي اتفق عليه اللبنانيون في الطائف، والعودة بالبلاد الى بر الأمان وتعزيز السلم الاهلي، وصولا الى ترسيخ هذا السلم بما لا يؤسس لحروب جديدة.
وإنطلاقا مما سبق، يُسجَّل لقوى 14 آذار، ومن خلال أمانتها العامة، أنها أطلت على اللبنانيين مطلع العام الحالي ببيانِ واضح، حددت فيه مكامن الإستعصاء في الأزمة اللبنانية مع نهاية السنة الفائتة، كما بيّنت فيه توجهاتها للفترة المقبلة، في ضوء الواقع الراهن واستناداً إلى التزاماتها المبدئية في إطار الحركة الاستقلالية.
أبرز ما في بيان الامانة العامة الاول لهذا العام هو جرعة الثقة الفائضة بصحة التوجهات التي حكمت تحركاتها ومبادراتها خلال العام المنصرم. وما عزز هذه الثقة التهافت السريع لهجوم قوى 8 آذار على المحكمة الدولية، إن بخصوص ما سمّي “ملف الشهود الزور”، أو دفع الدولة إلى التنكُّر لالتزاماتها حيال المجتمع الدولي بخصوص المحكمة، أو الرهان على تمكُّن ال”س – س” من اختراع حلول منافية للحق وللحقيقة وطبائع الأشياء.
ولعلّ أكثر ما نجحت فيه قوى 14 آذار في الآونة الأخيرة هو انها لم تخض معركة المحكمة الدولية وحدها في مواجهة المطالب التعجيزية لقوى 8 آذار، بل خاضتها “مع الدولة” وعلى أرضيّة الدولة. وهذا ما كشف الفريق الآخر بوصفه مناهضاً لفكرة الدولة ومقتضياتها.
على انه لا بد من القول إن أبرز مكامن قوة 14 آذار إنما يكمن في نقطتين مركزيتين:
ثبات التضامن الاسلامي – المسيحي، لا سيما على مستوى العلاقة بين “المستقبل” و”القوات اللبنانية”، وخصوصاً بفضل الشجاعة المنقطعة النظير التي يُبديها البطريرك الماروني.
أن “جمهورالاستقلال والمجتمع المدني لم يكفّّ عن العطاء بشجاعة وسخاء في مختلف الظروف وأصعبها، رغم كل التقصير حيالهما”، بحسب ما جاء في بيان الأمانة العامة.
وأخيراً حدّدت قوى 14 آذار توجهاتها للفترة المقبلة على أساس الثوابت التالية التي تمثّل ما سمّته استمرار “المقاومة البناءة”:
“الحرص المطلق على التضامن الاسلامي – المسيحي الذي استولد استقلال 2005 والذي هو في اساس معنى لبنان والدفاع عنه”.
التمسك بمشروع الدولة، وعدم الفصل بين مصلحة القوى الاستقلالية ومقتضيات بناء الدولة”.
التمسك بقرارات الشرعيتين العربية والدولية، لا سيما القرارين 1701 و1757، وبالتضامن العربي خلف مشروع السلام”.
“التمسك بالطابع السلمي الديموقراطي المدني للحركة الاستقلالية، وبالحجّة مقابل التهديد والوعيد”.
“مواكبة الراي العام الاستقلالي، والتجاوب مع تطلعاته ومبادراته”.
ومع ان الامانة لقوى الرابع عشر من آذار حددت العناوين العريضة لتوجهاتها المقبلة إلا أنها في حاجة الى مزيد من ورش العمل في نقطة مركزية أساسية تتعلق بالبند الاخير من التوجهات لجهة مواكبة الرأي العام الاستقلالي والتجاوب مع تطلعاته ومبادراته وإيجاد الرابط الوطني بين هذا الرأي العام ونظيره في الضفة المقابلة.
هذا الجهد بدأته الامانة العامة من خلال رعايتها لمبادرات عدة خلال السنة المنصرمة، ومن دون أدنى شك فهي ستعمل على بذل المزيد من الجهود لتفعيله خلال العام المقبل.
اخير لعل الدور الابرز لما يمكن للأمانة العامة ان تضطلع به في المرحلة المقبلة، وهي ليست بغافلة عنه، هو دور الكتلة التاريخية المؤسسة للمرحلة المقبلة، خصوصا ان لبنان شهد في تاريخه بروز هكذا كتلة عند مفاصل رئيسية في مسيرته الاستقلالية من أجل تحقيق مهمات لا يستطيع طرف بمفرده ان يضطلع بها، وبخاصة الطوائف التي لا تشكل كائنات سياسية وانما ثقافية واجتماعية متعددة، وتطلق مفهوم العيش معا وليس العيش المشترك.