سؤال تبادر الى أذهان المراقبين بعد ان أدلى المرشد الاعلى للثورة الايرانية علي خامنئي بدلوه في شؤون المحكمة بعد لقائه أمير قطر اليوم في طهران.
اللافت في حديث خامنئي أنه جاء في اعقاب إنجاز الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد خطوة جديدة على طريق الانقلاب على ثورة الخمينية ومرشدها علي خامنئي بإقالته وزير الخارجية منوشهر متكي المحسوب على المرشد وهو خارج البلاد بطريقة مذلة ومهينة إلى درجة أن الرئيس السنغالي هو من أبلغ الوزير الايراني الضيف بخبر إقالته.
الخلاف بين احدي نجاد والمرشد الاعلى للثورة الاسلامية ليس جديداً، بل هو نتيجة الخلاف بين الحرس الثوري والسلطة الدينية. فالمعلومات تشير الى ان الحرس الثوري يعمل منذ مدة طويلة على وضع يده على مقدرات البلاد تدريجيا من اجل التمهيد لتغيير وجه النظام في ايران وتقويض سلطة رجال الدين وصولا الى تهميش ولاية الفقيه.
وتضيف معلومات طهران ان “الحرس” اعتمد في سبيل هذه الغاية النفّس الطويل والقضم التدريجي على سنوات، بحيث اصبح ما يعرف بمشروع “خاتم النبيّين” الهولدينغ الاقتصادي القابض على مقدرات البلاد كافة من نفط ومشروع نووي ومشاريع إقتصادية على انواعها، علاوة على إضعاف سلطة البازار والحد من تأثيرها على السلطة السياسية. وهذا كله، مدعوما بقوة عسكرية منظمة وخلايا نائمة ومتفتحة في انحاء العالم كافة، مما يجعل من “الحرس” المفاوض الاول والاخير بشأن كل ما يتعلق بالاصابع الايرانية الممتدة في اكثر من دولة نجحت إيران في خلق مواقع نفوذ لها فيها.
وتضيف المصادر ان الحرس الثوري اصبح قاب قوسين او ادنى من تحقيق مراده بعد ان كان عدّل نتائج الانتخاات الرئاسية الاخيرة فأقصى الاصلاحيين وأعاد احمدي نجاد الى السلطة، ليضعه في مواجهة المرشد. ونجح نجاد في إقصاء عدد من الوزراء وكبار الموظفين عن مراكزهم تباعا وصولا الى وزير الخارجية منوشهر متكي.
وفي سياق متصل اعربت المصادر المطلعة عن اعتقادها بأن ايران قد لا تكون بمنأى على الاتهامات التي ستأتي في متن الاقرار الاتهامي بالتورط في إغتيال الرئيس الحريري. وهي، تاليا، بدأت العمل على تجهيز الضحية المرتقبة التي قد تكون المرشد نفسه او الذين يدورون في فلكه في السلطة الايرانية. وتستشهد المصادر بالاستقبال الذي لقيه رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في طهران، وان مضيفيه لم يأتوا على ذكر المحكمة الدولية ولا قرارها الاتهامي في محادثاتهم. بل تركزت المحادثات على الاستفادة من قدرات الحريري وعلاقاته الدولية في المجال الاقتصادي تحديدا، وسبل التعاون الممكن بين الحريري وايران في هذه المجالات. لكن المرشد تناول المحكمة بشكل مباشر. وعزت المصادر هذا الموقف للمرشد علي خامنئي الى رغبته في توجيه رسالة الى الداخل الايراني، قبل خارجه، محاولا ثني الفريق الحالي عن تقديم التنازلات من اجل رفع العقوبات عن ايران، خصوصا في الشأن اللبناني حيث الاستثمار الايراني الابرز هو حزب الله.
وتضيف المصادر ان التحول الايراني بعد إقالة متكي يسير في اتجاهين: الاول هو الاقرار بالنتائج الكارثية للعقوبات الدولية على الاقتصاد الايراني، وضرورة العمل على رفع هذه العقوبات في أسرع وقت ممكن. والثاني يكمل المسار الاول، وبدأ بتصريح للرئيس الايراني اعلن فيه عن امكان التفاهم مع الغرب بدلا من التصادم علما ان الغرب لم يبدل في مواقفه من ايران لكي يسير احمدي نجاد في اتجاه المصالحة معه.
وحسب المصادر في طهران، ان السلطات الايرانية بدأت بتقديم اوراق اعتمادها الى الغرب في العراق حيث تخلى نوري المالكي عن العديد من صلاحياته لصالح “المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية” الذي سيرأسه خصمه أياد علاوي، ما سهل تشكيل الحكومة العراقية من دون ان تسجل طهران انتصارا فيها. وهذا، إضافة الى تكليف تركيا التفاوض نيابة عن ايران لمعالجة الملفات الشائكة مع الغرب لقاء رفع العقوبات عن طهران. وهي تسعى حاليا للتصالح مع المجتمع الدولي لقاء الاعتراف بإقليمية دورها على ان تسحب فتائل التوتير التي اوجدتها في غير دولة.