بعد مفاجأة إقالة وزير خارجيته، “متّكي”، أثناء زيارة رسمية للسنغال، فاجأ الرئيس الإيراني (بالتزوير) العالم بتصريحٍ تحدّث فيه، وعلى غير عادة، عن “إيجابيات” في المفاوضات النووية مع الغرب!
وصرح محمود احمدي نجاد السبت للتلفزيون الرسمي ان مفاوضات جنيف مع دول مجموعة 5+1 كانت “جيدة جدا”، مضيفا ان الوقت حان للانتقال من “سياسة المواجهة الى سياسة التفاهم”. واعلن “ان مفاوضات جنيف كانت جيدة جدا. لقد درست بعناية ملخصا عن الاجتماعات. كانت هناك نقاط ايجابية. لقد حان الوقت بالنسبة اليهم للانتقال من سياسة المواجهة الى سياسة التفاهم. فالجميع سيخرجون منتصرين معها”.
واضاف “ان سياستهم فشلت. اصبحت ايران نووية. والطريق الافضل للجميع هو التعاون. آمل ان نتوصل في المفاوضات في اسطنبول ثم في البرازيل وثم في طهران. الى اطار للتعاون. انه يصب في مصلحة الجميع”.
وانتقد الرئيس الايراني استخدام “رافعات غير قانونية. رافعات مجلس الامن او (عقوبات) اقتصادية ضد شعب عظيم مثل شعب ايران”. واضاف “آمل ان نتجه نحو التفاهم والتعاون. الشعب الايراني يستقبل بايجابية التعاون” مع الدول الكبرى.
معلومات “دايلي تلغراف”
وتأتي تصريحات أحمدي نجاد بعد ساعات من تسريب معلومات (ربما من تركيا) لجريدة “دايلي تلغراف” البريطانية حول مفاوضات سرّية بين إيران والغرب بوساطة تركية.
وحسب الجريدة البريطانية: “ايران بدأت «مفاوضات سرية» مع الغرب بوساطة تركية، في شأن تبادل للوقود النووي، ووقفها تخصيب اليورانيوم، في مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها.
وأشارت الصيحفة الى ان الصفقة تتضمن شحن ايران نحو طنّ من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5 في المئة، ومخزونها الكامل من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، ويبلغ 30 ملغ، الى مكان آمن. في المقابل، تزوّد روسيا وفرنسا ايران قضبان وقود جاهزة لتشغيل مفاعل طهران للبحوث الطبية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول منخرط في المفاوضات قوله: «نعتقد أن الصفقة ممكنة، لكن ما زالت ثمة تفاصيل كثيرة يجب انجازها». ونسبت الى مصادر ديبلوماسية قولها ان مفاوضين ايرانيين وأتراكاً التقوا مرات عدة لمناقشة تفاصيبل الصفقة، والتي تأمل طهران وأنقرة بطرحها خلال جولة المحادثات المقبلة بين ايران والدول الست المعنية بملفها النووي، والمقررة في اسطنبول أواخر كانون الثاني (يناير) المقبل.
وأوردت «ذي ديلي تلغراف» ان روسيا والولايات المتحدة وفرنسا منخرطة ايضاً في المفاوضات التي بدأت بعد لقاء بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ومسؤولين ايرانيين، خلال مشاركتهم في منتدى بالبحرين مطلع الشهر الجاري.”
الغريب في الموضوع هو أن “الدايلي تلغراف نفسها” تنقل عن ديبلوماسي فرنسي أن مفاوضات جنيف كانت عبارة عن جلسات طويلة طرح فيها كل جانب وجهة نظره بدون أن يجري نقاش حقيقي بين الطرفين! وهذا يعني أن “الإختراق” الحقيقي لم يحصل في المفاوضات التي جرت في جنيف قبل أيام، بل داخل النظام الإيراني نفسه!
ما سبق يطرح عدة أسئلة: هل هنالك علاقة بين إقالة متكي المفاجئة وإعلان نجاد المفاجئ أن المفاوضات مع الغرب كانت “جيدة جداً” وأن “الوقت حان للإنتقال من المواجهة إلى التعاون”؟ وما سبب هذا التطوّر الإيراني المفاحئ للغرب، وللولايات المتحدة تحديداً؟ وهل ستلاقي الإدارة الأميركية، التي تتخلّلها تيارات متعارضة، الخطوة الإيرانية، أم هل ستضيّع الفرصة كما فعلت في نهاية عهد الرئيس محمد خاتمي في العام 2005؟
للإجابة على ما سبق، ينبغي العودة إلى مقال “الشفاّف”، يوم الإثنين في 13 ديسبمبر، تحت عنوان: “إقالة متكي تفتح معركة الرئاسة.. وتمهّد لاختراق في المفاوضات مع الغرب؟”
وجاء في مقال “الشفاف”:
يبقى سؤال أساسي: ماذا ستكون نتيجة الإطاحة بمتّكي على مفاوضات إيران مع الغرب، التي ستُستأنَف في الشهر المقبل في تركيا؟
مع صعوبة التكهّن بالنوايا الإيرانية، فإن إقالة متّكي المحسوب على خصوم نجاد وحصر المفاوضات بسعيد جليلي يمكن أن يمهّد لقدر من “المرونة” الإيرانية في المفاوضات! فأحد مشكلات المفاوضات مع إيران كان، دائماً، حول الفريق “الداخلي” الذي سيستفيد منها سياسياً! وكان بين أسباب إبعاد خاتمي عن معركة الرئاسة هو تخوّف المحافظين من أن يتم التوصّل إلى اتفاق مع الغرب “في عهده”!
وفي الحالة الراهنة، فإن انحصار المفاوضات بفريق أحمدي نجاد يمكن أن يعني أن أحمدي نجاد، وحليفه (وربما “خلفه”) سعيد جليلي سيظهران إستعداداً للتنازل من أجل التوصّل إلى اتفاق لأنهما هما اللذان سوف “يستفيدان” من هذا الإنجاز الديبلوماسي. وذلك، خصوصاً أن الوضع الإقتصادي لإيران دخل في مرحلة “مُزرية” بسبب العقوبات الدولية ومعها سياسات نجاد الحمقاء!
الأرجح، إذاً، أن علي لاريجاني، وخصوم أحمدي نجاد الآخرين، سيخرجون، الآن، بتصريحات متشددة وسيسعون لإجهاض أي مشروع للتفاهم مع الغرب!”
رغبة أحمدي نجاد في التوصّل إلى اتفاق مع الغرب ليست “مفاجأة” كاملة، إذاً!
وخصوصاً في ضوء ما كشفه المسؤولون الإيرانيون للوفد اللبناني الذي زار إيران مؤخراً عن المصاعب التي يلاقيها الإقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الدولية. (يمكن للقارئ العودة إلى موضوع: “ما خَفي من زيارة إيران: طهران عينها على بنوك بيروت و”طيران الشرق الأوسط“)
وقد طلب المسؤولون الإيرانيون من الرئيس الحريري مساعدة إيران لتأمين مادة البنزين، وتمرير التحويلات المالية الدولية لإيران عبر البنوك اللبنانية، بدلاً من دبي وماليزيا وأرمينيا (وكلها باهظة الكلفة)، عدا تأمين شركة “طيران الشرق الأوسط”الرحلات الجوية الدولية بدلاً من الشركة الوطنية الإيرانية التي تعاني من مشكلات صيانة وقطع غيار!
وأعقب ذلك إعلان إدارة نجاد عزمها على رفع الدعم عن 20 سلعة أساسية أولها البنزين، لأن الميزانية الإيرانية لم تعد قادرة على تحمّل كلفة “الدعم” التي تبلغ 100 مليار دولار سنوياً!
وفي هذه الأثناء، أشارت تقارير صحفية، بعضها إٍسرائيلي، إلى خفض الدعم المالي الإيراني لحزب الله بسبب المصاعب التي تواجهها الخزينة الإيرانية. ومن الصعب التحقّق من مدى صحة هذه التقارير الصحفية.
الأسباب التي تدفع إيران لمحاولة التفاهم مع الغرب ترتبط بالعقوبات الدولية بصورة أساسية. ومن الواضح أن إدارة نجاد تسعى للحؤول دون إعلان عقوبات أميركية جديدة، يمكن إتخاذها خلال الأسبوعين المقبلين.
صالحي: شخصية “مقبولة” من الغرب
وثمة نقطة تجدر الإشارة إليها، وهي ردود الفعل الغربية الإيجابية إزاء تعيين علي أكبر صالحي خلفاً لمتّكي على رأس الخارجية الإيرانية. وهي خطوة محسوبة.
فصالحي كان ممثل بلاده إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، (1997 – 2005).
وخلال تسلمه هذا المنصب لقي تقدير الغربيين نظراً إلى مواقفه المعتدلة، كما وقع في ديسمبر 2003 بروتوكولاً إضافياً توافق إيران بموجبه على تعزيز مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية نشاطاتها النووية.
وقد حرص صالحي، فور تعيينه، على التأكيد على أن أولوية بلاده هي العلاقات مع السعودية ودول الخليج وتركيا. وهذه الإشارة للسعودية تستبق القلق العربي من تفاهم إيراني-أميركي من وراء ظهر العرب!
لكن التطوّرات قد لا تكون كلها إيجابية لأكثر من سبب.
فحسب ديبلوماسي أميركي (ورد كلامه في مقال “دايلي تلغراف” نفسه): “المعضلة الأساسية هي التالية: هل نكتفي بما حقّقناه من أرباح، ونشحن خارج إيران كل ما نستطيع شحنه من اليورانيوم منخفض التخصيب، أم نرفض المساومة على أمل أن تنجح العقوبات”؟
ماذا سيكون موقف خامنئي و”الباسداران”.. وإدارة أوباما؟
عدا هذا الموقف الأميركي “الملتبس”، فمن المؤكّد أن “الأجنحة” الأخرى في النظام الإيرانية لن تعمل على تسهيل “تفاهم نجاد مع الغرب”!
بالدرجة الأولى، ماذا سيكون موقف المرشد خامنئي؟ وماذا سيكون موقف “الباسداران”، مع تقدير أن جيش النظام العقائدي لن يكون ضد التفاهم! وماذا عن شخصيات مثل لاريجاني، ورفسنجاني؟ ثم، ماذا سيكون موقف “المعارضة الخضراء” في إيران؟
اللعبة ما زالت مفتوحة! خصوصاً أن ما تطلبه إيران يشمل، بالدرجة الأولى، ملفّات “النظام الإيراني” نفسه، وملفّات المنطقة العربية: أي دور إيران في الخليج، ولبنان، وفلسطين وغيرها!
حزب الله وسوريا..
في هذه الأثناء، يمكن للسيد حسن نصرالله أن يضع مشروع “الإنقلاب” في الأدراج! فلن تعطيه طهران “الضوء الأخضر” لاجتياح البلد وعينها على المفاوضات مع اميركا!
كما يمكن أن يشعر النظام السوري ببعض القلق: فالتفاهم الإيراني مع الغرب، إذا تمَ، سيكون عبر تركيا وليس عبر “الوسيط السوري” الذي لم يعد إلزامياً
إقرأ أيضاً:
قصة “الصفقة الكبرى” التي عرضتها إيران ورفضتها أميركا في 2003
نبذ التسلّح النووي، مكافحة “القاعدة”، قبول مبادرة السلام السعودية، ونزع سلاح حزب الله، والتنسيق في العراق
نجاد فاجأ الغرب: “حان وقت الإنتقال من المواجهة إلى التفاهم”!
عمو لأيوب — blindedpress@blindhotmail.lb
ما فعله أحمدي نجاد ليس بمفاجأةبقدر ما هو تكتيك سياسي عمي على الأغبياء. فهما صنوان وأصحاب مصالح مشتركة في تفتيت العالم العربي ليس إلا. وما حصل اليوم كان منتظراً لأن الشعارات ليست سوى وسيلة ترويج لبضاعة سياسية كما الحال في التجارة والشعوب دائما هي التي تدفع الثمن domage.