«كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله»
ملاحظة: حتى لو كانت الفئة الكثيرة فئات كثيرة.. ولكنها كغثاء السيل.
ملخص ما نريد قوله، نحن الأقلية الضئيلة والمستمرة في تناقصها، من المؤمنين بشكل عقائدي حتى التعبد، باللاعنف، وقبل أن ينفجر الوضع المتفجر بلبنان، ويتحول العنف غير المباشر إلى عنف مباشر، أو يتحول الكلام القاسي إلى دم جار، موصول بالنهر أو المستنقع الكريه منظراً ورائحة، من الدم الذي تجمّع على مدى ثلث قرن من تاريخ لبنان غير اللبناني، واعتقدنا حالمين أو واهمين، أن الطائف قد غطاه أو سدّ مجراه.
ملخص ما نريد قوله.. وقد قلناه بتوسع وإفاضة وبلاغة ولم يصل إلى وعي القيادات العليا والميدانية المعسكرة في السياسة والمسيسة في العسكر والمتمذهبة في كل منهما، لأنها كسولة لا تقرأ النص إن طال قليلاً أو كثيراً، أو لأن سليقتها وذوقها اللغوي الضعيف جداً يمنعها من فهم الكلام العميق، أو لأن ثقافتها الضحلة، ثقافة العناوين العامة والتكرار الممل للبساطات والسذاجات والتعبويات واليوميات، تمنعها أن تقرأ فكراً مركباً ونسبياً بعيداً عن إطلاقيتها الرعناء وتعميماتها العمياء.
ملخص ما نريد قوله.. وكأنه الكلام الأخير قبل إطباق حبل المشنقة.. أننا ضد العنف، المباشر وغير المباشر، إلا في حالة واحدة هي أقرب إلى صد العدوان، مع إسرائيل، ولن ننسى أن نذكر بأننا نتمايز عن كل الجدد في رفع الشعار وأنصارهم الذين عاينا وعانينا فشلهم ومراوغاتهم النضالية.. نتمايز بناء على دروس تراثنا النقي في المقاومة، بأننا لم نعد نمرر الشعار لأنه صحيح بذاته، بل نسأل ونناقش في الطريق إلى الهدف، نناقش في التوقيت وفي الأسلوب وفي الجدوى وفي علاقة النضال بالحالة الاجتماعية وشروطها وتعقيداتها. ضد العنف لصالح الوطن أو لغير صالحه.. لأنه ليس لصالحه. لصالح المواطن أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح الدولة أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح الدين أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح الأمة أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح الوحدة أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح المستقبل أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح الأجيال أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح الطائفة أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح الحزب أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح الماضي أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح القدس أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح المذهب أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح العروبة أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها. لصالح التقدم أو لغير صالحه، لأنه لغير صالحه. لصالح العدالة أو لغير صالحها، لأنه لغير صالحها.. وكل ذلك.. وأوله الدين، على رأسنا جميعاً.. ولكننا نضعه نصاً في التاريخ فنحميه بالتاريخ والتاريخية والقراءة النسبية والقاعدة الفقهية في تبدل الأحكام بتبدل موضوعاتها، أي شروطها في الزمان والمكان والإنسان (عقله وقلبه ومصلحته) نضع النص في التاريخ، ونضع الروح، الحقيقة الروحية التي تعادل نصف الدين أو تزيد على النصف، نضعها في مكانها حيث تشدنا إلى التسامي والتثاقف والتواصل والتكامل، لأنها تبدأ من الخالق وتمر بالمخلوق لتعود إلى الخالق.. وهكذا دواليك.. وهكذا نضع التاريخ في عهدة الروح وكنفها.. نأخذ العفو ونأمر بالعرف ونعرض عن الجاهلين.
والوطن والدولة وفلسطين والحرية والاستقلال والسيادة.. كلها على رأسنا.. ولكي تكون على رأسنا يجب أن نبقى على رأسها، أي خداماً لها، أجراء لديها، لا مالكين لها نسترقها ونبيعها في سوق النخاسة.
ونعلنها صريحة مدوية.. أو ناعمة كأحلام العذارى أو عذبة كثغاء الحملان، أو بليغة كبكاء الأطفال الثكالى.. أو صعبة ولذيذة كآلام المخاض، أو رخيمة كتلاوة القرآن أو ترتيل “الأبانا” و”السلام عليك يا مريم”. والسلام عليك يا أمين الله على وحيه.. ويا غريب الغرباء.. من المغتربين في أوطانهم، المغتربة عنهم أوطانهم في اللامكان واللازمان. والكلام الذي كأنه لا كلام.. «ألم يرووا لكم في السفر، أن البدء يوماً كان.. جل جلالها الكلمة؟».
«وللألفاظ سلطان على الإنسان».
كفوا إذن.. اسكتوا.. نريد أن ننام.. نريد أن نقرأ.. نريد أن نستريح من حراسة وطننا المريض حتى لا تفاجئه ذاكرة الحرب فيتعرق ويغرق في سعاله.. وغير السعال.. وفي دمه.. في دمنا.. ودموعنا.
ولن تكفوا..
يتّموا ما شئتم ورمّلوا ما شئتم.. وابحثوا ما شئتم عن كافلين لليتامى وأزواج للأرامل.. واتركونا.. ارتكوا هذه الطائفة الناجية بإذن الله.. اتركوها لصمتها.. اتركوها لبلاغة خوفها وفصاحة رعبها.. وضخامة ذاكرتها واستحالة أحلامها…
لا تطلبوا منا رأياً.. لأننا نخاف الشفافية معكم.. لا نريد أن نصبح بضربة قلم أو لسان أو عصا، خونة.. حرام عليكم..
نحن من قماشة الشهداء الذين يطهر دمهم كل النجاسات حتى لو كانوا مغبونين بعد شهادتهم. والله وتالله وبالله.. وبجميع الأنبياء والأئمة والشهداء والصديقين والقديسين والطوباويين نحن نحبكم ونعلم أنكم لا تحبوننا لأنكم لا تحبون أنفسكم.. ونصرّ على حبكم لأننا لا نتقن غير الحب.. ولذلك نرفض الحرب.. نرفض أن يتحول دمنا خمراً وحبرنا مصلاً وحلمنا رعباً ووطننا وجعاً.
هل هذا ملخص؟ والله إن ما في داخلي يحتاج إلى عشرات الدفاتر لأكتبه…
فكيف إذا أردت كتابة ما أسمعه من الناس.. الناس الذين يريدون أن يبقوا كما خلقهم الله على الصفاء والنقاء.. والذين يختلفون ولا يقتلون ولا يرغبون أن يموتوا قبل أجلهم.. ولا بعده.. كيف إذا ما كتبت ما في قلب أمي التي لا تحسن قول ما في داخلها.. ولكنه يظهر سريعاً في وجهها وعينيها ورجفة يديها عندما تسمع بأن أحداً قتل أحداً بيده، من دون وضوح شرعي أو قانوني، فقط لأنه مختلف معه.. وتقول لي: يا ولدي.. وهل فلسطين والوطن والدولة والدين والطائفة.. بحاجة إلى هذا كله؟ وأحار في جوابها.. فإن قلت لها لا، قالت لي: ولماذا ناضلت وشغلت بالنا عقوداً من الزمان؟. وإن قلت نعم.. قالت: إذن لماذا تتقاتلون وأنتم ذاهبون إلى فلسطين؟ لن تصلوا…
أيها القادة، أيها السادة، أيها الخطباء، أيها العلماء، أيها الأدباء، أيها الكتّاب، أيها الشعراء، أيتها العساكر، أيتها البنادق، أيتها الخناجر، أيتها الألسنة المسنونة.. كفاكم جهلاً.. اذهبوا وتعلّموا من الأمهات الأميات.. شرط أن لا ترهبوهن وتجبروهن على الكلام الذي يرضيكم رغبة أو رهبة.
نحن الأقلية العددية، الأكثرية النوعية. لا يعترينا الخوف إلا عليكم لا منكم.. وسوف نختبئ حتى لا يصيبنا رصاصكم الواعي! أو الطائش.. وكل رصاصكم طائش.. لأن الوطن سيكون بحاجة ماسة إلينا في نهاية الحرب لنعيد بناءه على المحبة والاختلاف الجميل والحلم الأجمل.. والذاكرة المطهرة من الأوشاب والأشواك.. والإيمان الذي يتألق أمناً وأماناً وأمنة ونعاساً وأمنية تبدأ من الوطن وتتجسد في المواطن…
اعملوا ما شئتم.. أنتم على مكانتكم ونحن على مكانتنا.. وستعلمون من «الرابح غداً والأكثر حُسّداً»، كما قال علي لأبي ذرّ في طريقه إلى الربذة.. وهو الله السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر.. هو الله.. أي والله. يا غثاء السيل إن أهل السلام هم الخميرة التي لن تفسد.
في الختام نصلي، نحن الأقلية المذكورة أعلاه وأدناه وأقصاه.. على النبي وآله ونترحم على أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. ونسلم على روح الله يسوع الملك وعلى أمه العذراء البتول.. ونسأله تعالى أن يجنبنا ومن يقول قولنا أو لا يقوله، أن لا ندخل في ظلم أو ظلام.. وإذا وضعنا في خيار بين أن نكون ظالمين أو مظلومين أن يهدينا لأن نختار أن نكون مظلومين لا ظالمين.. وندعو بدعاء زين العابدين وسيد الساجدين.. شاعر الله في العالمين علي بن الحسين الباقي من كربلاء شاهداً لنفسه وأجداده وأحفاده للحق بالحق.. والداعي لنا أن نستنّ بسنّة الحقيقة والسلام وشجب الحرب حتى لا تقع، فإن وقعت مانعنا وامتنعنا فإن مُنعنا شمرنا أثوابنا حتى لا تتلوث بالدم الحرام كما تلوثت عندما رضينا بالحرب أو سكتنا عنها وكنا شياطين خرساء ودفعنا الثمن وحدنا.. أو نحن وطوائفنا، ولم تكسب إلا طائفة واحدة هي ما اجتمع من أشرار الطوائف كلها.. ومن كان عنده دليل على عدم صحة كلامي فليقله وأنا له من الشاكرين.
يقول زين العابدين: «اللهم صلّ على محمد وآله وألبسني زينة المتقين وحلّني بحلية الصالحين في بسط العدل وكظم الغيظ وإطفاء النائرة (الفتنة) وضمّ أهل الفرقة وإصلاح ذات البين وإفشاء العارفة (التعارف والمودة بين الناس) وستر العائبة والقول بالحق وإن عز، واستقلال الخير وإن كثر من قولي وفعلي واستكثار الشر وإن قلّ.. ووفقني إذا اشتبهت عليّ الأمور لأهداها وإذا تشابهت الأعمال لأزكاها، وإذا تناقضت الملل لأرضاها».
* “السيد” هاني فحص كاتب ورجل دين شيعي
اسكتوا.. نريد أن ننام حتى لا نفاجأ بذاكرة الحرب
Ghassan Barakat
حماك الله يا سيد هاني من كل أذية ومن كل مكروه قلمك في الكتابة رحمة ومحبة وسلام، مرة جديدة حفظك الله من كل بلية وشر