..”وتوضيح مسألة أن فكر الدكتور (أحمد البغدادي) لم يكن هو المسؤول عما لاقاه من أذى لاحقه، واجب من يعرفون الفرق الكبير بين حرية الرأي وتجاوزات السب والقذف والتباهي بالإساة إلى مقدسات الناس وتسفيه تاريخهم وحضارتهم”.. هذه إحدى الفقرات التي وردت في مقال الكاتبة المصرية المحترمة صافيناز كاظم عن وفاة الدكتور البغدادي. الإشكالية المطروحة في عرض الكاتبة المحترمة هي أنها لا تعي بأن مشكلة المسلمين الرئيسية على اختلاف توجهاتهم، وهي منهم، تكمن في هذه النقطة، وهي التأويل بطريقة إقصائية إجرامية بحيث يتحول النقد اللاذع للفهم الإنساني للنص الديني إلى هجوم على الدين، منطلقين في ذلك من أن هذا الفهم يدخل في خانة المقدسات، وأن أي نقد له يعتبر نقدا للدين وسبا وقذفا وتسفيها للتاريخ والحضارة. فنحن لا نعلم العلاقة بين ما كان يسمى مقدسا وحضارة في تاريخ المسلمين، وبين “الخزعبلات الدينية” الراهنة لبعض المنتمين إلى التيار الديني بوصفها مكوّنا من مكوّنات تلك الحضارة وأحد تجليات الشعور الديني. هي المأساة التي عبر ويعبر عنها المنتمون إلى التيار الديني ومنهم المحترمة صافيناز كاظم، الذين يعتبرون الفهم هو ذات النص، والذين يعكسون من خلال مواقفهم وصاية على التدّين وعلى الفهم الديني بحيث يقصون من هم خارج الدائرة الدينية الطائفية التيارية التاريخية الضيقة.
المشكلة الإضافية للمحترمة صافيناز ومجموعتها الدينية، التي تتبنى سياسة إقصائية ضد الآخر المختلف مع فهمها للنص الديني، وتؤسس للإستبداد الديني الذي هو أخطر بكثير من أي استبداد آخر، هي أنها تصف، من دون دليل أو برهان وكأنها كاشفة للقلوب قبل الأفئدة، كل من يتبنى فهم البغدادي، وكل من علّمه أو سار في طريقه، بأنه “لاديني”، وبأن البغدادي لا ينطق إلا بأقوال “خارجة عن سياق التفكير” لمجرد أن تلك الأقوال تتعارض مع ما تتبناه تلك المجموعة من فهم، فإما أنت معي وإما أنت خارج سياق التفكير، ومن ثَمّ من السهولة بمكان طرد صاحب الفهم المختلف من الحياة، غير أنه هيهات أن يستطييع أحد طرده من التاريخ.
من الغريب أن صافيناز تحاول أن تُظهر للقارئ بأنها تعي ما حذر منه البغدادي بشأن “التعليم الخاص” في الكويت ومن تدريس مادة الموسيقي وتدريس مادة القرآن، بل ومن تدريس مادة التربية الإسلامية، أكثر من الكويتيين أنفسهم. وهذا الموقف لم يكن ليتبلور من الكاتبة المحترمة لولا ارتباط الموضوع بالدين، فلو كان البغدادي أشار إلى أي إشكال تربوي آخر بعيد عن أي علاقة خاصة بالدين لما أثر ذلك في “ذوقها” الديني ولما حرك “ضميرها” غير التعددي الإقصائي المتشدد. إن الحميّة الشاذة والغريبة على الفهم الديني لا على الدين، أضرت بشكل كبير بالأمانة العلمية التي تتمتع بها صافيناز، وجعلت ديدن طرحها هو العصبية لا البحث والتقصي عن النتائج من خلال التجربة والدليل والبرهان.
والكاتبة المحترمة تظهر حرصها على التعليم الخاص في الكويت وعلى مادة القرآن والتربية الإسلامية دون أي إدراك لمخاطر مخرجات هذا النوع من التعليم على سلوكيات الشباب في الكويت، ومن ضمن تلك المخاطر، كما عبّر البغدادي، أنه لا يريد “إماما ولا مقرئا في سرادقات الموتى”، وأنه “يريد أن يكون له في المستقبل ابن يفتخر بعلمه وعقله وليس بتخلفه الفكري”. فتجويد القرآن لا يمكن أن يكون مادة علمية تدرس بالمدارس، إنما هو مسعى ديني روحي بحت لا علاقة له بالتعليم أو بالتربية الحكومية. كما أن الكاتبة المحترمة لا تعي الأضرار الناتجة لبعض المناهج الدينية على مستقبل التعايش غير الطائفي وغير الإقصائي بين كافة المواطنين في الكويت بمختلف توجهاتهم، بل هي لا تهتم بهذا الوعي بسبب انطلاقه من أرضية دينية ما يجعل أي مسعى نقدي ضده وكأنه مسعى ضلال وضد الدين ولابد من أن يؤفل نوره بحركة ظلامية غير واعية. لذلك، وما دامت الحكومة تسعى لأن تكون مديرة على شؤون جميع الكويتيين بمختلف توجهاتهم، أي أن تكون حكومة علمانية، فإن أي تنمية علمية وفنية لابد أن يكون مكانها في المدارس، وأي مسعى روحي أو طائفي فمكانه الدين وفي البيوت وفي جمعيات التيارات الدينية لا في المدارس الحكومية. وبالتالي صدق البغدادي حينما قال “من المستحيل أن تتحصل المعرفة من الدين”، ولم يصدق من قال أن هذا القول يمثل “هياجا لا ديني”. بل من يعتقد أن الدين ممكن أن يكون بوابة للمعرفة العلمية الحياتية في العصر الحديث هو الذي يجب أن يراجع جميع شهاداته العلمية التي حصل عليها لأنه لم يستطع أن يبرهن على ذلك.
إن الإشارة إلى العلاقة بين نقد البغدادي للفهم الديني الإقصائي المتشدد التاريخي والمتبنى من قبل صافيناز كاظم، وبين منع المفكر نصر حامد أبوزيد من دخول الكويت، تبعث على السخرية. فمظلومية أبوزيد وعدم تصدي “الأكاديميين” وأتباع التيار الديني من الصحفيين والكتاب، ومنهم الكاتبة المحترمة، لمحاولات زعزعة حياته الأكاديمية والأسرية ولسمعته، جعلتهم يتصيدون بعض الظروف لإيجاد فرص يكفّروا من خلالها عما ارتكبوه من ظلم ولا مبالاة ضده. فبدلا من الاعتذار عن ممارساتهم السيئة ضد ابوزيد، يحاولون تحليل الأمور من منطلق مزاعم “هجوم” البغدادي على الدين. وبدلا من ارتكاب خطيئة معينة ضد ابوزيد، زاد الهجوم على البغدادي خطاياهم بلة.
كاتب كويتي
ssultann@hotmail.com
“الفتانون وحكايات التبوير”: “المتخلّفة” صافي ناز كاظم تفتح باب التشهير بأحمد البغدادي!
“مأساة” صافيناز كاظم
د. شذى احمد — schataly@gmail.com
احسنت استاذ فاخر وكما عودتنا كتاباتك الجادة والهادئة الطرح تعود بنا من جديد الى نقاط في غاية الاهمية.. وتناقش تزمت الفكر السائد والمدعوم من سلطة الجماعة المهيمنة على كل مساحات الفكر والاعلام.. لك مني كل اعتزاز وتقدير واتمنى لفكرك النير الدوام والمزيد من المواجهة التي لا تبقي لخصومك الكثير او القليل لقوله