مراسل “لوموند” غيّوم بيرييه
“إنه أحد أكبر المدرّجات في العالم، ويبلغ طوله 8،4 كلم. ويمكن لطائرتين أن تهبطا متقابلتين على المدرّج نفسه في الوقت نفسه دون أن تلتقيا”، حسب ما قال “ستين دياغلو”، وهو مدير شركة “ماكيول” للأشغال العامة التي عُهد إليها ببناء المطار الجديد لـ”إربيل”، عاصمة كردستان العراق. وكان “دياغلو” فخوراً وهو يطلعنا على المرافق “الأحدث في الشرق الأوسط”، مضيفاً ان المطار سيكون قادراً على استقبال 5،2 مليون راكب سنوياً. ولكنه استدرك: “في أحسن الأحوال، سيستقبل هذا المطار مليون مسافر سنوياً، ولكننا في هذه المنطقة نهوى بناء المرافق الضخمة”.
وبعد تأجيله عدة مرات منذ أكثر من سنة، فإن افتتاح هذا المطار الدولي الجديد، الذي يرمز إلى التفاهم المستجد بين تركيا وكردستان العراق، ينبغي أن يتم في شهر سبتمبر. وتأمل حكومة إربيل أن يتم الإفتتاح بحضور رئيس حكومة تركيا، رجب طيب إردوغان.
إن التبادلات التجارية بين أنقرة وإربيل، التي ظلّت لفترة طويلة تتأثر بالعلاقات السياسية الصعبة، قد حقّقت معدّلات نمو قياسية. فـ60 بالمئة من الشركات الأجنبية العاملة في كردستان العراق هي شركات تركية.
وقد يكون أبرز مؤشرات هذا التطوّر أن شركة الطيران التركية الحكومية ستفتتح خط طيران يومياً بين أربيل وكل من إستانبول وأنقرة. وسيرتفع عدد رجال الجمارك في مركزي “الحابور” الحدودي إلى 3 أضعاف عددهم الحالي لتسهيل حركة الشاحنات التي تنقل كل يوم ألوف الأطنان من مواد البناء ومن سلع الإستهلاك. وقال لنا السيد “دياغلو”: “لقد فهمت الشركات التركية قبل سواها أن منطقة كردستان آمنة ومليئة بالفرص: محطات توليد الكهرباء، والطرق، ومصافي النفط، والأنابيب، كلها ينبغي بناؤها الآن، وكلها تحقق أرباحاً”. وقد انجزت شركته لتوّها عملية إعادة تأهيل طريق إربيل- كركوك، التي تشكل محوراً نفطياً إستراتيجياً.
ويقول القنصل العام الجديد لتركيا في كردستان، “عايدين سيلسين”، أن “رجال الأعمال الأتراك أكثر جرأة من رجال الأعمال الفرنسيين. وحينما قام وزير خارجيتنا، أحمد دافوتوغلو، بزيارة كردستان في أكتوبر 2009 فقد أعلن أن الحدود بين تركيا والعراق ينبغي أن تسقط بفضل الإندماج الإقتصادي بين البلدين”.
وقام وزير التجارة الخارجية التركي، “ظافر كاغلايان” بزيارة إربيل في شهر يونيو على رأس وفد من 200 من رجال الأعمال. ويمثّل العراق، الآن، الشريك التجاري الرابع لتركيا بفضل المبادلات التي تبلغ 5،7 مليار أورو (حوالي 10 مليار دولار)، بينها 5،4 مليار دولار مع كردستان. وتستعد 3 بنوك و6 شركات نفط للإستثمار في كردستان. وهنالك مشروع لإقامة “منطقة حرة” على الحدود. وتقوم شركات البناء التركية ببناء عشرات المجمّعات السكنية، والفنادق، والمراكز التجارية التي تكتظ بالمنتجات التركية، وهذا عدا أن 80 بالمئة من مواد البناء تأتي من تركيا أيضاً. ويمكن للمرء أن يرى شاحنات الإسمنت وهي تنتظر دورها على الحدود على مدى كيلومترات.
جدير بالذكر أن مجرّد التفكير بوجود ممثل رسمي لتركيا في إربيل كان يبدو من المستحيلات قبل أقل من 3 سنوات. وكان العائق الرئيسي هو تواجد مئات من متمرّدي “حزب العمال الكردستاني” في جبال شمال كردستان، والتعاون “غير الكافي” في نظر أنقرة الذي أبدته حكومة إربيل.
ولكن ديبلوماسية “حسن الجوار” التي اعتمدها وزير خارجية تركيا سهّلت التقارب. وجاءت زيارة رئيس إقليم كردستان المستقل، مسعود بارزاني، إلى تركيا في شهر يونيو كتعبير عن التقارب الحاصل. وقال لنا القنصل التركي في إربيل أن “هنالك تعاوناً حول ملفات الأمن مع الولايات المتحدة، والعراق، وحكومة إقليم كردستان”. وجدير بالذكر أن الجيش التركي يمارس عمليات قصف منتظمة لمخابئ حزب العمال الكردستاني الواقعة في كردستان. ويضيف القنصل: “أكثر من ذلك، فنحن بحاجة إلى الغاز والبترول من العراق لضمان التنمية السريعة لبلادنا”. إن أكراد العراق الذين يرغبون في تصدير مواردهم الخاصة إلى تركيا، ينوون رفع إنتاجهم بنسبة 10 أضعاف في غضون 5 سنوات.
لتحقيق غزوهم الإقتصادي لهذه المقاطعة العثمانية السابقة، يعوّل الأتراك على رجال أعمالهم، ويستثمرون في التعليم، ويعيدون تنشيط شبكات العلاقات القديمة. وقد افتتحت “جماعة فتح الله غولين” (وهو إمام تركي يترآس شبكة مدارس في كل أنحاء العالم) 19 مدرسة وجامعة واحدة. كما ستقوم جامعة “بيلكنت” في أنقرة، التي أسّسها رجل الأعمال التركي “إحسان دوغراماشي” (أصله تركماني من إربيل)، الذي توفي في العام الماضي، بافتتاح فرعٍ لها في إربيل في مطلع السنة الدراسية الجديدة. وتقوم شركة البناء العملاقة “تيبي”، التي تملكها نفس المجموعة العائلية، ببناء جامعتي السليمانية وإربيل.
ويقول وزير التجارة والصناعة في كردستان، “سنان شلبي”، أن تركيا “هي بوابة مفتوحة على الغرب وعلى الحضارة الغربية”. إن “سنان شلبي”، الذي عيّنه مسعود بارزاني في هذا المنصب، تركماني ويرتبط بتركيا وبعائلة “دوغراماشي” النافذة. ويقول الناس في إربيل عنه: “إنه تركي ويصلح للتحدث مع الأتراك”.
ويقول أحد المحلّلين المختصين بالمنطقة أن أنقرة “تمارس ديبلوماسية غزو تجاري. إن الأتراك يقوم بإعادة بناء العراق على نحو مناسب لهم”. ولا تقتصر الشهية التركية على الشمال الكردي. فالقنصل التركي في إربيل يقول: “نرغب في أن نتواجد في كل مكان، وأن نتعاون مع الجميع”. في الموصل، وفي بغداد، حيث تتابع تركيا بانتباه المفاوضات الجارية لتشكيل حكومة جديدة، وكذلك في البصرة، أي في الجنوب الشيعي حيث افتتحت تركيا قنصلية جديدة تقوم بالبحث عن أسواق جديدة.
أكراد وأتراك يبنون “دبي” جديدة في كردستان العراق!
شي رائع