في العام 1928 ولد كامل بك الأسعد وتوفي بالأمس بعد اثنين وثمانين عاماً انتقل فيها الرجل من ابن زعيم لجزء من الطائفة الشيعية وأبناء الجنوب، إلى زعيم خَلَف والده في مرحلة صعود اليسار والمقاومة الفلسطينية، وكذلك مع صعود المد الديني في الحرب الأهلية الذي أخذ منه الجزء الأكبر من الجمهور الأسعدي.
في حياته، كان لافتاً فيه قدرته على الصمود أمام الضغوط وكذلك، رفضه الإملاءات، وتشدده في القيام بواجباته وخصوصاً الدستورية منها. وشخصيته هذه كانت وليدة مجموعة عوامل أحاطت به بدءاً من طفولته.
فهو ابن الزعيم الجنوبي أحمد بك الأسعد الوائلي، ولد في دارة العائلة في بلدة “الطيبة” الجنوبية. والدته فاطمة بك الأسعد، الامرأة الأكثر تأثيراً عليه، وعلى والده من قبله، بسبب شخصيتها القوية والمؤثرة كذلك على جمهور كبير في قرى الجنوب، وكذلك مع من هاجروا إلى بيروت بعد الحرب العالمية الأولى وصولاً إلى مرحلة الخمسينات من القرن المنصرم.
طبائع والدته الحازمة في عملها وفي علاقاتها مع أهالي البلدات والقرى الجنوبية أثرت على والده أحمد حيث تحوّل منزل العائلة إلى دار مفتوحة للقادمين من القرى والبلدات الجنوبية للتهنئة بالأعياد أو لطلبات توظيف وفتح طرق وبناء مدارس، إضافة إلى غيرها من تقاليد الإقطاع اللبناني وتقاليد الجمهور الذي كان يدور من حواليه. اهتمام الوالدة في الانفتاح على الناس، لم يجد لدى ابنها كامل نفس المنطق. فهو تربّى في عصر أسرع كثيراً من العصر الذي كانت تعيشه الاقطاعات اللبنانية، ولذلك صاغ لنفسه منذ منتصف الخمسينات منطقاً مختلفاً عبر الدخول بشكل كامل في الحياة السياسية اللبنانية ومحاولة فرض شروط تتناسب مع رؤيته للموقع الرئاسي الثاني.
في “مدرسة الحكمة” في بيروت تلقى دراسته الابتدائية والثانوية. والمعروف أن عدداً كبيراً من خريجي “الحكمة” هم من رجال السياسة في لبنان، ونال إجازة في الحقوق والعلوم السياسية من جامعة السوربون في باريس في العام عام 1952 ليعود إلى لبنان ويتحضر للانتخابات النيابية في عهد الرئيس كميل شمعون.
انتخب نائباً لأول مرة عن دائرة مرجعيون في الجنوب عام 1953 وأعيد انتخابه في الدورات اللاحقة في أعوام 1957 1961 (عندما جرت دورة انتخابات فرعية بسبب شغور مقعد نيابي أثر وفاة والده) و1964 و1968 و1972 حيث توقفت الانتخابات النيابية خلال الحرب الأهلية، فبقي نائباً إلى العام 1992 بعد انتهاء الحرب الأهلية وتطبيق اتفاق الطائف، يومها ترشح للانتخابات النيابية عبر لائحة تمثله في مواجهة لائحة ترأسها رئيس حركة أمل نبيه بري، فشل الأسعد في الوصول إلى الندوة البرلمانية، وبدأ نجمه يخبو بسبب قرارات المنع والضغط التي مورست على جماعته للابتعاد عنه.
في العام 1961 عين وزيراً للتربية الوطنية في حكومة رشيد كرامي. يومها كان مقرباً من العهد الشهابي، ولكنه في نهاية عهد الرئيس فؤاد شهاب، وحين كان رئيساً للمجلس النيابي، انقلب على شهاب معارضاً التجديد له ولاية أخرى في رئاسة الجمهورية. وفي المقابل ،وافق الأسعد على انتخاب المرشح الشهابي شارل حلو رئيساً للجمهورية، فسميت بقاعدة إقصاء شهاب وانتخاب شهابي مكانه.
في العام 1966 ردّ عليه “المكتب الثاني”، أي الجهاز المقرب من شهاب، وأسقطه في معركة رئاسة المجلس النيابي، ولكنه عيّن وزيراً للموارد المائية والكهربائية والصحة في حكومة الرئيس عبد الله اليافي في عهد شارل حلو.
ساهم لاحقاً بتأسيس “تكتل الوسط النيابي” الذي ضمه مع سليمان فرنجية وصائب سلام. وقد لعب كامل الأسعد دوراً رئيسياً في إيصال فرنجية إلى رئاسة الجمهورية عام 1970 بعد التوافق مع كمال جنبلاط على إسقاط المرشح الشهابي الياس سركيس بفارق صوت واحد. إلا انه في العام 1976 وبعد بدء الحرب الأهلية، قاد الحملة النيابية المطالبة باستقالة فرنجية من رئاسة الجمهورية قبل ستة أشهر من نهاية ولايته.
مرحلة الستينات والسبعينات، كانت فترة “كباش” كبير بين كامل الأسعد وأقطاب الصراع ضده، صراع مدمّر للسيطرة على القاعدة الجماهيرية الشيعية التي يمثلها آل الأسعد. وقف ضده من جهة الإمام موسى الصدر، حيث كان مدعوماً من الشهابية وما تمثله في تلك المرحلة من خدمات للناس في القرى والبلدات، مع أن نواب كتلة الأسعد هم من طرحوا إنشاء “المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى”. ومن جهة ثانية، كان اليسار اللبناني المدعوم من منظمة التحرير الفلسطينية وكمال جنبلاط، في صراع تاريخي طويل يحاول سحب بساط السلطة من تحت قدميه بهدوء مرات وبعنف أحيان أخرى. جاءت ولادة حركة أمل وسيطرتها على السلطة خلال الثمانينات لتنهي الحلم الأسعدي بالعودة إلى السلطة.
ترأس المجلس النيابي 16 عاماً، أطولها كانت لمدة 13 عام متواصلة انتهت في العام 1984 بعد وصول الرئيس حسين الحسيني إلى رئاسة المجلس بدعم سياسي من حركة أمل، وتخلي حلفاء الأسعد عنه، بعد سقوط لبنان في وحل مستنقع القتل الأهلي.
أسس في العام 1970 الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وحصل على امتياز جريدة “الرابطة الشرقية” الناطقة باسم حزبه.
صانع الرؤساء
منذ منتصف الستينات إلى منتصف الثمانينات، تحول كامل الأسعد إلى مساهم في صناعة الرؤساء.
ففي مرحلة رئاسته المجلس النيابي المتقطعة والطويلة، انتخب خمسة رؤساء جمهورية بدءاً من شارل الحلو عام 1964 وبعده سليمان فرنجية 1970 والياس سركيس 1976 وبشير الجميل 1982 وأمين الجميل1982. كان المجلس النيابي يتنقل بين ساحة النجمة وقصر منصور بسب الحرب وحواجز القتل والخطف والقناصين الذي كانوا يغلقون الطرق. كان يصر على موقفه ولا يتراجع عنه، وهي واحدة من الصفات التي ورثها عن والدته. فبالنسبة له كان ممنوعاً أن تمر الاستحقاقات الدستورية ولا يفتح المجلس النيابي أبوابه، حتى ولو خلال أسوأ الظروف، لأنه كان معنياً بتطبيق مهمته كرئيس للمجلس النيابي كاملة، ولذلك مرت انتخاب الرئيس سركيس وبعده الرئيسين بشير وأمين الجميل.
خلال الحرب الأهلية تعرض منزله في بلدة “الطيبة” للتدمير، وكذلك تعرض هو لمحاولة قتل وإطلاق نار وتهديد ومنها إطلاق نار على طائرة كانت ستقله إلى دمشق في العام 1976. رحل من لبنان إلى فرنسا ولكنه عاد في العام 1987. ظل مرشحاً مع لائحة كاملة في الانتخابات النيابية في أعوام 1992 و1996، كذلك في العام 2000 والعام 2005.
تزوج من غادة الخرسا ولهما ثلاثة أولاد، أحمد، إيمان ومها، وقد انفصلا بعد ذلك. ثم تزوج من لينا سعد وأنجبت له، خليل وعبد اللطيف وهما توأم ثم وائل.
توفي كامل الأسعد عن عمر يناهز الاثنين والثمانين عاماً. رجل عاش مراحل الوطن كلها من عهد الشمعونية والصراع الأهلي في العام 1958 إلى مرحلة الشهابية وسيطرة رجالات فؤاد شهاب على البلد ومن ثم وسقوط المكتب الثاني، وبعدها مرحلة اتفاق القاهرة في العام 1969 وتسليح الفلسطينيين واستقدام الفدائيين من الأردن بعد أيلول الأسود، فيما بقي دوره كرجل يصر على مبادئه ورأيه الواضح من القضايا مع بدء الحرب الأهلية والاجتياحات الإسرائيلية ونهاية الجمهورية الأولى مع توقيع اتفاق الطائف، ودخول لبنان في مرحلة السلم الأهلي.
oharkous@gmail.com
• كاتب لبناني