بيروت – “الشفاف”- خاص
نتائج المرحلة الثانية من إنتخابات المجالس البلدية والإختيارية تقدّم صورة عن الاتجاهات العامة للرأي العام اللبناني عموما، و”المسيحي” منه خصوصا.
في ما يلي سنحاول الإجابة عن السؤال عن الاتجاهات العامة لدى “المسيحيين”، على ان نتناول لاحقا بالقراءة النتائج في المزاج “الشيعي” في نتائج انتخابات البقاع، و”السني” في انتخابات اقليم الخروب والعاصمة بيروت.
لقد اظهرت النتائج الى اليوم، بما لا يرقى اليه الشك، تراجعا دراماتيكيا لتيار عون الذي ما عاد يستطيع المضي في افتراءاته وإدعاءاته المستمرة منذ خمس سنوات. فانكشف زيف “مشروعه السياسي” على الساحة المسيحية بعد ان استخدمه “حزب الله” طويلا لتغطية استكباره على اللبنانيين مقابل منافع لعون والحوزة المقربة منه من أصهرة ومنتفعين. إبتداءً من “ورقة التفاهم” بين عون ونصرالله، وصولا الى “سجد” (حيث اغتال عضو في الحزب ضابطاً في الجيش اللبناني) و7 ايار، وحرب تموز 2006، وتأخير تشكيل الحكومة، والاعتصام العبثي الشهير، ومسألة سلاح حزب الله……
ومن الواضح ان عون لكثرة التصاقه بحزب الله، نسي ان جمهور المسيحيين حيوي ويحاسِب ويٌمهِل ولا يهمِل، وان هذا الجمهور اعطى عون الفرصة تلو الفرصة ولكن ليس الى ما لا نهاية.
ففي الدائرة التي اختارها النائب عون للمنازلة مع اخصامه في قوى 14 آذار، وهي دائرة بيروت الاولى الاشرفية والرميل والصيفي، بدا واضحا ان عون ولفيفه كانوا في حاجة الى انتصار ما. فبدأوا بالاحتفال “بالنصر” المزعوم بعد اقل من ساعتين على إقفال الصناديق. وخرج عونيون الى الإعلام يتبجحون ويجزمون بالانتصار، من امثال “نقولا الصحناوي” الذي اطل على اكثر من شاشة تلفزيونية ليعلن جازما وباستفزاز واضح فوز لوائح عون في الاشرفية والرميل والصيفي وان قوى 14 آذار خسرت جميع المقاعد الاختيارية. ولكن، اتّضح لاحقا ان الفوز كان معكوساً. فخسر عون “الصيفي” كاملة، وخسر “الاشرفية” كاملة، وفاز مع الارمن ومسعود الاشقر في “الرميل” بـ7 مقاعد من بينها 5 مقاعد لعون ومقعدين للطاشناق، في حين حصدت قوى الرابع عشر من آذار 5 مقاعد.
في زحلة خرج عون من المعادلة واعلن فوزه في الاستفتاء؟!
فالمرشح العوني “البدعة” في زحلة لم يجد لائحة تتحمله، فترشح منفردا! وفازت لائحة سكاف بـ19 مقعدا من اصل 21، واستطاعت قوى الرابع عشر من آذار ان تخرق بمقعدين فقط.
وفي قراءة عددية لانتخابات زحلة فإن الذي رجّح كفة لائحة سكاف على قوى 14 آذار هو النائب “نقولا فتوش” الذي خرج من صفوف الآذاريين محاولا إيجاد موقع له اينما كان.
“الفتّوش” لم يكن “مُقنِعاً” حينما تلطّى بـ14 آذار، وهو يبدو مقنعاً أكثر خارج 14 آذار، فهنيئاً لـ”اللواء” جميل السيّد به!
والى موقف فتوش الكيدي، لا بد من التوقف عن التصويت الكثيف للمجنَّسين والشيعة الى جانب سكاف، ما جعل لائحته تنطلق بقاعدة 7000 صوت مقابل لا شيء لاخصامه.
مخلّفات الإحتلال: جميل السيّد وإيلي الفرزلي..
وهذا ما يثبت قدرة النظام في دمشق على التدخل في الشؤون اللبنانية من خلال التصويت من خارج الحدود، فضلا عن إدعاءات اللواء جميل السيد بالانتصار المزعوم في زحلة ليتبعه نائب رئيس مجلس النواب في زمن الوصاية ايلي الفرزلي الذي اعتبر، شامتاً، ان نتائج الانتخابات البلدية افرغت نتائج الانتخابات النيابية من مضمونها.
وإزاء هذه النتائج لا بد لكل من عون وقوى الرابع عشر من آذار من إعادة قراءة مواقفهم وإن من زوايا مختلفة.
فعون مدعو من جهة الى التبصر في أزمة تياره والخروج من الشخصانية والأصهرة والمحاسيب. ومن جهة ثانية هو مدعو الى تغليب المصلحة الوطنية عامة والمسيحية خصوصا الى جانب قوى السيادة والاستقلال والحرية ليستعيد المسيحيون دورهم في لبنان وليستعيد لبنان معناه بلدا للتعايش ورسالة في المحيط العربي وصلة وصل بين الديمقراطيات الغربية والعالم العربي. ولكن، هل يملك ميشال عون قراره؟
اما قوى 14 آذار فهي مدعوة بدورها الى مراجعة اكثر من موقف.
فعلى هذه القوى، اولا، ان تتوقف عن لعب دور الخاسر عمليا والمنتصر فعليا، خصوصا وان جمهور 14 آذار يثبت يوميا، ولدى كل استحقاق، انه حي ومتوثب ومستعد للتضحية ولتلبية النداءات على اختلافها، طلابية ونقابية ونيابية وبلدية واختيارية…..
البرجوازية المسيحية، لماذا لا تضع يدها في جيبها؟
ليس سرّاً أن “تيّار المستقبل” يعاني من أزمة مالية، تنعكس سلباً على وسائله الإعلامية، وعلى قدراته التعبوية. وتؤثّر هذه الأزمة المالية “الحريرية” على كل مؤسسات 14 آذار، وقد تكون هذه الضائقة المالية تعبيراً “صارخاً” عن ضغط سعودي على سعد الحريري. وهذا في حين يستمر التمويل “الباسداراني” لجماعة 8 آذار!
ان على رأس المال المسيحي ان لا يقف موقف المتفرج إزاء الاستحقاقات ليترك الامر لغيرة الغيارى والمندفعين من اصحاب القضايا على الساحة المسيحية وحدهم!
فإذا كان رأس المال السني يعجز مرحليا عن مواكبة الاستحقاقات مالياً، فلا بد لرأس المال المسيحي والبورجوازية المسيحية من ان تضطلع بدورها في تغطية مصاريف الحملات الانتخابية على اختلافها. مع التشديد على انه ليس المطلوب شراء ذمم الناخبين واصواتهم بل المصاريف اللوجيستية للحملات الانتخابية، خصوصا ان القيادات السنية في البلاد تضطلع في هذه المرحلة المصيرية من عمر لبنان بدور القيادات المسيحية التاريخية لجهة تأكيدها نهائية الكيان اللبناني وسيادته وتنوعه وحرصها على العيش المشترك. وما انتخابات بيروت سوى خير دليل على الوعي السني المتنامي باهمية لبنان الرسالة وتكريس هذا الدور بالشراكة مع المسيحيين خصوصا وسائر اللبنانيين عموما.
وعلى قوى 14 آذار ان تدرك ان جمهورها بدأ يعد العدة لمحاسبة قياداته، بدليل محاولات الاقناع المستميتة التي جرت في بيروت لـ”جر” الناخبين من الانصار والمؤيدين الى صناديق الاقتراع. فصحيح ان الانتخابات البلدية ليست جذابة بالمفهوم اللبناني، إلا أن الانتخابات الاخيرة كانت سياسية بإمتياز كما ارادها النائب عون. ومع ذلك تخلّف الجمهور المسيحي عن تلبية نداء قوى الرابع عشر من آذار على غير جري العادة.
اما على المستوى السني فكان واضحا ان الشارع السني ما زال يعقد لواءه لتيار المستقبل بنتيجة الانتخابات التي حصلت في العاصمة بيروت وإقليم الخروب حيث كرس المستقبل المناصفة في المجلس البلدي وصوت بكثافة للائحة “وحدة بيروت”، على الرغم من ان التيار يعاني كما اسلفنا مرارا “ازمة مالية”، فضلا عن السقف السياسي المتدني والتهدئة التي يلتزم بها التيار نظرا لكون رئيسه يشغل حاليا منصب رئيس الحكومة، بما عليه من التزامات محلية واقليمية تغلب موقف “نظرية الدولة” على شد العصبيات المحلية الانتخابية.