من “إساف” في صفا مكة الى “نائلة” في المروة، ومن “جهار” في جبل أطحل الى “هبل” في جوف الكعبة، ومن “السعيدة” في جبل أحد الى “سعد” في ديار بني ملكان على أطراف مكة، وبين هؤلاء الأصنام تواجد كثيرا من الأوثان، فكان ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، ولن ننسى هنا ربات قريش، اللات ومناة والعزى، فهن الوحيدات ربما المعروفات اسميا هذه الأيام بين المسلمين، نظرا لتكرار ذكرهن في اطار من السخرية في الدراما العربية، دون ان يعرف أغلبية المسلمين انهن أسماء لآلهات اناث وليس ذكور كما يتخيلون. وامتدت عبادة تلك الآلهات خارج جغرافية مكة في كثير من المدن والقرى صعوداً باتجاه الشمال حتى غرب العراق وشرق سوريا، في مناطق حضرية تجاوز مستواها الحضاري حضارة روما في كثير من المجالات الهندسية والمعمارية.
إضافةً لكل تلك الاصنام والاوثان ومن عَبَدَها، تواجدَ في مكة أيضا النسطوري واليهودي والدهري والطوطمي، وعاش بينهم أيضا التوحيدي الذي آمن باله واحد لاشريك له، دون أن يمنح نفسه حق الاعتداء على الآخرين وفرض وحدانيته عليهم.
عندما يأتي القرآن على ذكر أغلب الأسماء السابقة فهذا دليل أكثر من كافٍ، بأن حرية دينية لا مثيل لها عاشها أهل مكة قبل الإسلام، منحتهم حق الاعتقاد والايمان بما يشاؤون، دون أن يكرههم أحد لا ترغيبا ولا ترهيبا على الايمان بغير ما اقتنعوا. وقابلت كل قبيلة الحرية الدينية المتاحة باحترام عقائد القبائل الاخرى، وساهمت هذه الحرية اضافة الى حماية المكيين لقوافل الحجاج والتجارة واصحابها في جعل مكة من أهم المراكز الايمانية والتجارية في العالم آنذاك، مما عاد بالخير على أهلها جميعا قبل أن يأتي نبي الإسلام وجيشه، ويمعن بآلهتها تكسيرا وتحطيما وبمن يعبدها قتلا وذبحا.
لم يسجل لنا التاريخ حوادث كبرى في مكة، تتعلق بإكراه الآخر على اعتناق ما لا يؤمن به. والحوادث ذات الشأن التي جرت هي سياسية بحت ترتبط بالسيادة وبمن سيتولى أمور المدينة، والاشراف على أمور الحجيج ورعايتهم، فكانت أولا لقبيلة جرهم وبعدها اياد بن نزار فمضر، ثم انتزعتها خزاعة، لتزيحها قريش، والقبيلة التي تحصل على السيادة لم تكن تقصي القبيلة التي تفوقت عليها تماما، بل تحاول أن تُقربها اليها من خلال مصاهرتها أو اعطائها دورا ما، حتى تتحقق مصلحتها ومصلحة الجميع، وليأتي أخيرا نبي الاسلام من قريش لا لينازع أهله وعمومته على التفرد بالسيادة، بل لينازع الجميع في أديانهم ومعتقداتهم، وعلى يديه تم وأد حرية الإعتقاد في مكة منذ ذلك الوقت وحتى يوما لا أراه قريبا.
عدد الأديان اليوم في مدينة القدس “أورشليم” يعتبر صفرا فيما لو قارناه بما كان موجودا في مكة. وعدد الكعبات والأصنام والأوثان والأرباب والربات وباقي المقدسات – بالنسبة لمن يقدسها – التي كانت منتشرة في مكة وباقي الحجاز أكثر ربما بمئات المرات مما هو موجود اليوم في القدس، إلا أن حالة التناحر على أشدها، مما جعل من هذه المدينة نقمة على كل من سكنها وأتاها. فلماذا لا يستفيد سكانها من الفلسطينيين والاسرائيليين من تجربة مكة قبل الاسلام، ويقبلوا بأن يكون للمدينة وضع خاص شبيه بوضع مكة مع التأكيد على أن تكون السيادة على المدينة، إما مشتركة بالتساوي بين كل الأديان الموجودة، أو أن يُحال أمر السيادة الى هيئة دولية تشكل بموافقة الاطراف كافة.
في القدس تجتمع كل الشروط التي اجتمعت لمكة قبل الاسلام. فعلى ارضها اجتمعت ديانات عديدة جعلت منها مزارا مقدسا، وهدفا لاجناس متعددة من الحجاج. وكما شكلت مكة حلقة الوصل وعقدة المواصلات على طرق التجارة، فان القدس في يومنا هذا لها من الميزات ما يجعل غيرها من المدن مثل دبي خارج المنافسة نهائيا. فالقدس هي النقطة الواصلة بين مشرق العالم العربي ومغربه، وهي حلقة الوصل بين افريقيا واسيا، وهي استراحة نصف الطريق بين اوروبا الشمالية وآسيا وبين أقصى الشرق والغرب. علاوة على ذلك، فان المقيمين فيها من الفلسطينيين والاسرائيليين يشكلون حالة من التكامل الخلاق بين التكنولوجيا في كافة المجالات والأيدي الماهرة. هذا كله، سيجعل من القدس الآمنة مركزا عالميا دينيا وتجاريا واقتصاديا وسياحيا لا يضاهى، وهو ما سيعود بالفائدة على الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، عوضا عن أنهار الدماء وآلام القهر والمعاناة والمستقبل المجهول لكلا الشعبين.
قبل أية خطوة، يجب أولا أن تُقلم أظافر النصوص الدينية، والاسلامية منها على وجه الخصوص، لأن المسلمين وحدهم من تبقى بين الديانات من يدعو ويحلم بأسلمة العالم كله. لذا، فعلى كافة الرموز والمؤسسات الاسلامية الفلسطينية التي تدعي تمثيلها للمسلمين في القدس أن يتداعوا لاجتماع عام وعلني يقررون فيه وبصوت واحد أن الاسلام هو دين شعائر وعبادات فقط، أساسه أركان الاسلام الخمسة كما وردت في الشرع الاسلامي، وأن النص الديني من قرآن و”سنة نبوية” وأحاديث وتراث رجال الدين المسلمين هو بمجموعه نصوص خاطبت فقط عصرها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطبق على عصرنا هذا. والتأكيد بالاجماع على أن كل النصوص التي تدعو الى قتل الآخرين، هي نصوص فرضتها معارك الاسلام الاولى وطبيعة حياة انسان الصحراء في صراعه من أجل البقاء. بقية الأديان قلمت أظافرها بواسطة المصلِحين تارة وبواسطة الثورات تارة أخرى، وأكثرها تطرفا تلك التي جُل طموحها أن تجلب أتباعا لها بواسطة المساعدات المادية والعينية، ولا ضير في ذلك أبدا.
قد يحصل سباق بين الأطراف الدينية المختلفة على بناء دور العبادة، وهذا النوع من السباق هو أخطر من سباق التسلح بشقيه التقليدي والنووي. ومنعا لهذا السباق من الحصول فاني أقترح، سن قانون يفرض على كل من يريد بناء دار عبادة، أن يبني فيها ملاحق تخصص لأصحاب الديانات الأخرى، أو يكون القانون بطريقة أخرى، بحيث يستطيع الجميع أن يمارسوا شعائرهم في أي مكان يريدون حتى لو كان لأتباع ديانة مختلفة، كأن يُسمح لليهودي والمسيحي وغيرهما أن يمارسوا شعائرهم في أي مسجد اسلامي، في حين يستطيع المسلم أن يصلي في الكنيس اليهودي، أو الكنيسة المسيحية، أو في الخلوة الدرزية، أو داخل “مندي” وهو مكان عبادة خاص بالصابئة المندائيون، فهم من أوائل الديانات التي تواجدت في القدس وعلى ضفاف البحر الميت.
بالطبع لن يكون مسموحا أن تعلو أصوات الآذان خارج المساجد، أو أصوات الأجراس خارج الكنائس وما شابه ذلك، لأننا سنكون أمام سباق يتشابه في خطورته مع سباق بناء دور العبادة، لكن لا بأس أن يتفاخر كل طرف بما يرمز اليه، لنرى الحجاب والهلال والصليب ونجمة داوود وغيرها من الرموز في شوارع القدس.
آن الآوان للاطراف المتصارعة في القدس، أن يبني كل منها عاصمته بعيدا عن هذه المدينة التي أثخنتها وأهلها الجراح، واستبد بها القتل والغلو، وانتشر فيها الاقصاء والاستئصال في أعلى وأخطر درجاته. فالقدس وما بها من تعدد وتنوع عرقي وقومي وديني، وما تشكله من رمزية مقدسة لاقوام شتى وديانات كثيرة، لا يمكن أن تكون إلا كما مكة قبل الاسلام، يعيش في ظلالها الجميع ويتنعم من خيرها الجميع. وعلى غرار مكة فليعبد كل قوم ما يشاؤون، فالدين لكل اله حسب ما يعبدون، أما القدس فهي للجميع.
كاتبة فلسطينية
zena1903@hotmail.com
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلام– ملحق (4) : وهم الأهم انت الانسان , خليفة الله على الارض , صورته , جرم صغير فيك انطوى العالم الأكبر .. أنت انت : احاسيك , افكارك , ذائقتك .. لا تفرط بها , انتزعها , اكسر حاجز خوفك , اخرج من قوقعتك .. انت تتسوق غذائك وملابسك , ولكن لا تتسوق احاسيسك وافكارك , انت ولدتك امك حرا وسواسية كاسنان المشط مع “اسرائيل” , برلسكوني , اوباما , بريجنسكي , فلمنج …الخ .. منذ اول تسجيل لي على الانترنت وحتى اللحظة , لم اشترك الا في مدونة واحدة – حتى التي اكتب… قراءة المزيد ..
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلام– ملحق (3) هنا تعليق لمواطن امريكي (Jumper : South Carolina) لقي (506) اشادة من قبل القراء (Recommended) و (56) اشارة الى رصانته واهميته (HIGHLIGHT) على مقالة (Bibi’s Tense Time-Out) الذي كتبته (MAUREEN DOWD) : واشرت في السابق ان مايورين “متوازنة” مقارنة بسابقتها (Judith Miller) المتعنصرة لاسرائيل والتي طردت من اهم صحيفة في العالم (The New York Times) لتورطها مع (Scooter Libby) مدير مكتب نائب الرئيس السابق ديك شيني في فبركة قصة حصول العراق على اليورانيوم الاصفر من افريقيا لتصويغ جريمة احتلاله , وفي السياق تنحى صقور تصويغ المواقف الاسرائيلية في النيويورك تايمز عن الكتابة… قراءة المزيد ..
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلام– ملحق (2) هذه رسالة مفتوحة للأمريكية من اصل ايرلندي (eileen fleming) الى (اوباما والامريكيين اصحاب الضمير الحي : Message to President Obama and Americans with a Conscience) والين فلمنج تتابع التطورات ميدانيا على الارض الفلسطينية وما يتعرض له الفلسطينيين من ابادة يومية لعقود , واصبحت مرجع ومصداقية , تعتمدها صحيفة عريقة وذات تأثير كبير في توجيه الرأي العام وصناعة القرار (Wall Street Journal) وهي شقراء وتلبس عالموضه , ومحجبة كمروى الشربيني بصدقها وانسانيتها وحريتها في ان تلبس ما يعكس هويتها واختيارها , مهما تهرتقت فرنسا وبلجيكا وسويسرا المتعفنون ((“There comes a time comes when… قراءة المزيد ..
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلامأسامه عسكر د. محمد عمارة | 10-05-2010 23:05 منذ اللحظة الأولى لقيام دولة النبوة ـ بالمدينة المنورة ـ (سنة 1 هـ سنة 692م) اعتمد دستور هذه الدولة ـ وربما لأول مرة في التاريخ ـ مبدأ التعددية الدينية في الرعية السياسية للدولة ـ على قدم المساواة ـ ولذلك، أدخلت هذه الدولة يهود المدينة ـ العرب منهم وحلفاءهم العبرانيين ـ ضمن رعية الدولة، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، مع احتفاظهم بحريتهم في الاعتقاد الديني.. نص دستور هذه الدولة ـ “الصحيفة” ـ “الكتاب” ـ على أن “.. يهود أمة مع المؤمنين.. لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، ومن… قراءة المزيد ..
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلام3 – (ما أنا بقارىء : طحلبيتكم تثير الاشمئزاز , ولا تستحقون شرف قتلكم لتستحقوا الرد عليكم) … رسالة مفتوحة الى المتلبرلين العرب يوم منحت “اوروبا” جائزة نوبل لأوباما , رد على سؤال احد الصحفيين ان ابنته الصغيرة قالت له صباح ذلك اليوم : لا تنسى اليوم عيد ميلاد صديقتي “فلانه” و”على الاستثناء” فزت بجائزة اسمها “نوبل” .. فلم تهتم (امريكا) بذلك .. وظهر الخبر على مساحة اوسع اهمية منذ بضعة اسابيع عندما اعلن اوباما التبرع بقيمة الجائزة لهيئآت تعنى بتعليم الاطفال واطفال الاقليات خصوصا .. فهذا ما سيسأل عنه عندما يقدم كشف (الضرائب) عندما… قراءة المزيد ..
لتكن القدس كما مكة قبل الاسلام زكي يوسف — zakiyoosef@yahoo.com سيدتي الكريمة، ما اجمل هذا الاقتراح ولكن… هل تعتقدين حقا ان الناس الذين تربوا على التشبث بقشور الديانات وترك لبّها وأُسسها سنينا طويلة سيتنازلون عن الشكليات والظواهر لمجرد اقناعهم بان ذلك هو لخيرهم وخير البشرية وقد اقنعهم علماؤهم (من كل الديانات) ان الله لن يقبل منهم الا التشدد والتحجر وعدم احترام معتقدات الآخر؟ كلا ثم كلا. اننا بحاجة الى طبقة من رجال الدين (من كل الديانات) تقوم بالتعاون فيما بين افرادها (من كل الديانات) لمصلحة الرعية (من كل الديانات) ولمنع التناحر والتنازع حول شعائر الدين واماكن العبادة. هل يحق لنا… قراءة المزيد ..