الشفاف – وجدي ضاهر
في قراءة اولية، أظهرت النتائج غير الرسمية للمرحلة الاولى من الانتخابات البلدية جملة من المؤشرات على الساحة اللبنانية حيث تم خوض معارك حملت طابعا سياسيا خارج إطار الاصطفافات العائلية والتحالفت الظرفية للمتناقضات السياسية.
من قضاء جبيل الى إقليم الخروب العناوين الابرز يمكن إختصارها على النحو التالي: تراجع دراماتيكي للتيار العوني وانكشاف زيف تمثيله النيابي في المناطق المسيحية حيث اثبتت الصناديق ان هذا التمثيل جاء خلافا لرغبات المسيحيين ومحمولا على أكف الناخبين الشيعة في جبيل والارمن في المتن، استعادة نائب رئيس مجلس النواب السابق مبشال المر لزعامة المتن فضلا عن التمرد على السلطة الجنبلاطية وثبات تيار “المستقبل” ميدانيا في مواجهة جنبلاط والتيار العوني والجماعة الاسلامية.
في الجانب الاول، فاز التيار العوني في بلديتين فقط من اصل ثلاثة عشر بلدية منضوية في اتحاد بلديات جبيل وجاءت النتائج لصالح قوى 14 آذار خصوصا القوات اللبنانية وانصار النائب السابق فارس سعيد.
“جميل السيّد” مرّ من هنا!
اما في مدينة جبيل فجاءت الهزيمة مدوية حيث راهن عون واللواء جميل السيد على إلحاق هزيمة بلائحة :جبيل أحلى” المدعومة من عائلات جبيل وقوى 14 آذار واستوطن اللواء السيّد منزل الوزير السابق جان لوي قرداحي منذ الصباح الباكر لمتابعة سير العملية الانتخابية.
والنتائج التي اسفرت عنها الانتخابات جاءت مخيبة لآمال عون والسيّد واتباعهما وحلفائهما من حزب الله وطاشناق، حيث تجاوز الفارق بين اللائحتين 500 صوت، وعلى الرغم من محاولة عون إفتعال خصم وهمي هو رئيس الجمهورية ميشال سليمان.
اما في كسروان فكان لافتا ايضا تراجع التيار العوني لصالح قوى 14 آذار. في جونيه استعادت المدينة هويتها المستقلة بلائحة طوني افرام على الرغم من تغيب النائب السابق منصور غانم البون عن المعركة الانتخابية معترضا على “ما ليس معروفا”، في حين أشارت مصار في جونية الى ان البون لم يكن راضيا عن الائتلاف وحاول رفع حصته فجاءه الجواب من راعي الائتلاف البلدي المهندس نعمة إفرام بأن حصته هي هي.
اما في المتن فكان التراجع العوني دراماتيكياً ايضاً، حيث استعاد نائب رئيس المجلس النيابي ميشال المر زعامة المتن بالاشتراك مع حزب الكتائب والقوات اللبنانية في مواجهة التيار العوني. فحصدوا معظم بلديات قرى وبلدات القضاء بعد انقضاء اكثر من دورة انتخابية نيابية ظهر في خلالها الهوى السياسي وكأنه معقود للتيار العوني، فجاءت نتيجة الانتخابات البلدية لتؤكد التراجع العوني.
تمرّد درزي على جنبلاط
اما في الشوف فشهدت بعض القرى والبلدات تمردا على إرادة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في عدد من البلدات والقرى ابرزها على المستوى المسيحي بلدة “دير القمر”، حيث فاز تحالف القوات اللبنانية وحزب الوطنيين الاحرار بغالبية مقاعد المجلس البلدي في مقابل لائحة تحالف جنبلاط وعون. وفي كفرنبرخ فازت لائحة الاشتراكيين المعترضين على تعيينات وليد جنبلاط ولم يرضخوا لتهديداته بفصلهم من الحزب. وكذلك في قرى وبلدات “عماطور”، حيث فازت بلدية خلافا لرأي جنبلاط بنتيجة 12 صفر، وبلدة “بعذران” بنتيجة 10 الى 2 لصالح المعترضين على جنبلاط وتم إسقاط زياد باز المرشح الذي طالب به جنبلاط رئيسا للبلدية. وكذلك في “بطمه”. وفي “بشامون”، تم إستدراج جنبلاط الى معركة انتخابية. وفي “الشويفات”، فازت لائحة إئتلاف جنبلاط – أرسلان بفارق ضئيل. أما في “إقليم الخروب” فقد خسر جنبلاط جميع البلديات بسبب التحالف الذي أقامه تحت الطاولة مع الجماعة الاسلامية في وجه “تيار المستقبل” على غرار تحالفه مع التيار العوني في الشوف في وجه القوات اللبنانية، فكانت النتيجة ان “تيار المستقبل” رفض تضمين لوائحه اي عناصر من الحزب الاشتراكي في معظم القرى والبلدات وألحق بهم وبالجماعة الاسلامية هزائم متتالية في جميع القرى والبلدات.
وفي القراءة ايضا كان لافتا ثبات شعبية “تيار المستقبل” وان هذه الشعبية ليست كما تم تصويرها: لا تتحرك إلا بفعل المال او شد العصبية السنية على قاعدة العداء لعصبيات أخرى. فأثبت “المستقبل” ان عناصره واضحون مع انفسهم وفي سياستهم ومستعدون لخوض معارك سياسية بدأت في جبل لبنان وسوف يستكملونها في العاصمة وسائر الاقضية.
وفي القراءة ايضا، ان جمهور قوى 14 آذار ما زال حيا على جهوزيته لخوض المعارك الانتخابية وغير الانتخابية إلا أن ما ينقصه هو قيادات أخرى غير القيادات الحالية التي تدخل الاستحقاقات بحسابات محلية وشخصية وحزبية ضيقة وفي معظم الاحيان تمارس سياسة المساومة على المكتسبات بسبب تشكيكها في قدرة جمهورها على التحمل من جهة وعدم ثقتها بنفسها من جهة ثانية. وهذا، إذا تم إستثناء القوات اللبنانية التي ما زالت وتيرة خطابها السياسي تحافظ على نفس النسق الذي بدأته منذ خروج رئيس هيئتها التنفيذية من السجن.
وأخيرا لا بد من الاشارة الى ان هذه الانتخابات التي أصر رئيس الجمهورية ميشال سليمان على إجرائها في موعدها وإعتبارها كأحد إنجازات عهده الرئاسي أرادها الرئيس سليمان مناسبة لإعادة تظهير موقعه السياسي فوق الاعتبارات والانقسامات العامودية والافقية في البلاد.
وفي سياق متصل، اعتبر مراقبون ان الرئيس سليمان مقبل على طرح مبادرة سياسية قريبا استنادا الى نتائج الانتخابات البلدية في استعادة لتجربة العهد الشهابي حيث ارتكز الرئيس الراحل فؤاد شهاب على تكريس نهج سياسي بالاستناد الى الانتخابات البلدية في مواجهة مجلس نيابي معادي.
إقرأ أيضاً: