المتابع لما تكتبه الصحافة الأجنبية الغربية هذه الأيام، سيلاحظ بكل تأكيد وجود العديد من المقالات والتحليلات المطولة التي تتحدث عن أن الولايات المتحدة وحليفاتها لئن كانت تقوم بجهود دبلوماسية دؤوبة لثني النظام الإيراني عن المضي قدما في برامجها النووية المثيرة للجدل، فإنها بالتزامن مع ذلك تقوم بالإستعداد والتخطيط لشن حرب خاطفة على المنشآت النووية الإيرانية.
وفي هذا السياق، تكرر ورود إسم جزيرة “دييغو غارسيا” كمنطلق لغارات جوية متتابعة ومكثفة ضد الأراضي والمنشآت الإيرانية، وبما يعني أن الجزيرة المذكورة ستلعب دورا محوريا في أية حرب قادمة في الخليج، مشابها لذلك الذي لعبته أثناء حرب تحرير الكويت، إن لم يكن أكبر. ففي الأنباء أن “دييغو غارسيا” تشهد منذ بعض الوقت حركة غير طبيعية لجهة تجهيز وتوسعة مهابط الطائرات وبناء التحصينات والمهاجع والمستودعات الإضافية، علاوة على حركة لافتة للنظر في أعداد الطائرات والمروحيات والقاذفات المقلعة والهابطة، وفي أشكال التدريبات والتمارين اليومية.
وما يعنينا هنا ليس التثبت من صدق تلك التحليلات أو زيفها أو الدخول في جدل حول نتائج الحرب المتوقعة وتأثيراتها على دول الخليج وشعوبها، وإنما تسليط الضؤ على “دييغو غارسيا” ودورها في الماضي والحاضر في المخططات الإستراتيجية الأمريكية، وأسباب عدم حصولها على الإستقلال كغيرها من المستعمرات، خصوصا وأن القاريء العربي بصفة عامة لايعرف سوى القليل عنها، بل ربما لا يستطيع تحديد موقعها على الخارطة.
جغرافيا تقع “دييغو غارسيا”، التي تبلغ مساحتها الإجمالية 17 ميلا مربعا في مياه المحيط الهندي، على بعد ألف ميل تقريبا من الساحل الجنوبي للهند، و1200 ميلا من جزيرة موريشوس. ولهذا فإن أقرب قطع اليابسة إليها هي سريلانكا وجزر المالديف. وقد ظلت طويلا أرضا غير مأهولة بالسكان، إلى أن جلب إليها المستعمرون الفرنسيون في القرن الثامن عشر للميلاد سكانا من مستعمراتهم في أفريقيا وموريشوس وسيشيل للعمل في مزارع جوز الهند. وتزايد عدد السكان في أعقاب سقوط الجزيرة في أيدي البريطانيين بعد هزيمة الفرنسيين في الحروب النابليونية، حيث جاءتها أعداد أخرى من العمالة من شبه القارة الهندية.
تاريخيا ظلت الجزيرة إحدى ملحقات موريشوس من عام 1814 وحتى 1965 ، أي حتى العام الذي قامت فيه حكومة رئيس وزراء بريطانيا العمالي هارولد ويلسون بإنتزاعها من موريشوس مقابل وعد للأخيرة بالاستقلال في عام 1968 و بدعوى رغبة لندن في إستئجار الجزيرة من أجل إقامة قاعدة عسكرية لها فيما وراء البحار. ومن أجل إقامة تلك القاعدة عمد البريطانيون إلى إخلائها من سكانها، بتهجيرهم إلى الدول الذي جاؤوا منها أصلا كالهند و كينيا ومدغشقر وموريشوس وسيشيل، بحيث لم يبق فيها في عام 1971 سوى أقل من ألفي نسمة . ويعتبر عام 1966 عاما مهما في تاريخ هذه الجزيرة، حيث أبرمت لندن فيه إتفاقية مع واشنطون (من المفترض أن تنتهي بحلول العام 2036 ) أعطت بموجبها الأولى للثانية الحق في إقامة قواعد ومنشآت عسكرية أمريكية فوق أراضي الجزيرة، بشرط تلبية الحاجات الدفاعية للبلدين معا، وذلك ضمن التحالف الأمريكي – البريطاني لمواجهة التمدد الشيوعي في العالم. ورغم ما تردد أن لندن حصلت لاحقا من الأمريكيين على ملايين الدولارات كتعويضات في صورة تخفيضات على فواتير مشترياتها من صواريخ بولاريس امريكية الصنع، فإنه لم يثبت ذلك بالدليل القاطع.
أما عن التسمية، فقد سميت الجزيرة بهذا الإسم تخليدا لمكتشفها البرتغالي “دييغو غارسيا” الذي قاد حملة إستكشاف برتغالية لجزر المحيط الهندي في عام 1554 للميلاد مع زميله “هيرناندو دو سوتو”، لكنه توفي في رحلة العودة إلى بلاده قبل إكمال مهمته.
عسكريا تكمن أهمية الجزيرة أولا في موقعها الإستراتيجي المتوسط ما بين سواحل الأرخبيل الإندونيسي وساحل إفريقيا الشرقي، ثم في حقيقة كونها مسرحا لمنشآت عسكرية أمريكية وبريطانية ضخمة تشمل محطات الدعم والرصد والإستكشاف وتزويد السفن والطائرات الحربية العملاقة بالوقود والمؤن والصواريخ والذخائر وقطع الغيار، وأخيرا في حقيقة كونها موقعا حاضنا لأدق أجهزة الإتصالات والكشف والتنصت وأكثرها حساسية، علاوة على إحتضانها لما يمكن وصفه بمرآب ضخم وحصين للسفن الحربية والغواصات والمستشفيات المجهزة العائمة.
وبسبب من كل هذا، لعبت الجزيرة دورا هاما أثناء حقبة الحرب الباردة لجهة رصد كل ما كان الدب الروسي والتنين الصيني وحلفائهما يقومون به في مياه المحيط الهندي وإمتداداتها، إلى الدرجة التي تسرب معها خبر عن ضغوط مارستها موسكو على حلفائها الهنود كي ينددوا في المحافل والمؤتمرات الدولية بالتواجد الأمريكي فوق تراب “دييغو غارسيا”، ويطالبوا بضرورة جلاء الأمريكان والإنجليز عنها ومنحها الإستقلال. وبطبيعة الحال فإن الوضع تغير الآن مائة وثمانين درجة، بدليل قيام البحريتين الأمريكية والهندية بإجراء مناورات عسكرية مشتركة على سواحل الجزيرة من وقت إلى آخر.
ولعبت “دييغو غارسيا” دورا خطيرا وحاسما أثناء حرب تحرير الكويت في عام 1991. حيث كانت بمثابة نقطة إنطلاق للطائرات القاذفة العملاقة من نوع بي -52 ، والطائرات المزودة للمقاتلات الحربية بالوقود في الجو، والصواريخ القادرة على إقتحام أشد الأماكن تحصينا والتي كانت قد جلبت إلى الجزيرة من قواعدها في ولاية “مين” الأمريكية وغيرها لدك مواقع الحرس الجمهوري العراقي. كما كانت بمثابة محطة تتوقف فيها الطائرات الناقلة للجنود للتزود بالوقود، ولا سيما بعد قرار الهند بعدم السماح للطائرات الحربية الأمريكية المتوجهة إلى الخليج للتزود بالوقود في مطاراتها.
ولعبت “دييغو غارسيا” دورا لا يمكن التقليل من شأنه في حدثين آخرين أولهما أثناء عملية تحرير أفغانستان في عام 2001 ، وثانيهما أثناء غزو العراق في عام 2003 . ففي كلا الحدثين كانت الجزيرة هي المصدر الأول للصواريخ الذكية وأطنان القنابل التي ألقيت على كابول وبغداد لإزالة نظامي صدام حسين والملا محمد عمر من الوجود. وفي السنوات الأخيرة إكتسبت الجزيرة أهمية مضاعفة، كونها صارت حاضنة لمستودعات الصواريخ المتطورة الموجهة بالليزر التي تستخدمها البحرية الأمريكية، والتي تم نقلها من مستودعاتها الأصلية في ولايتي فلوريدا وجورجيا. هذا ناهيك عن ميزة إمتلاكها للمدرجات الطويلة (أكثر من 6 كيلومترات طولا) والأجهزة الملاحية والفنية الدقيقة اللازمة لإستقبال مركبات الفضاء التابعة لوكالة ناسا في حالات الهبوط الإضطراري. هذه الميزة التي جعلتها ايضا مكانا صالحا لهبوط الطائرات المدنية العملاقة من نوعي إير باص 340 و بوينغ 777 إذا ما واجهتها مشاكل فنية أثناء طيرانها من الغرب إلى الشرق أو العكس.
ويعتقد أنه بسبب الأهمية الإستراتيجية التي إستعرضناها في السطور السابقة، فإن لندن ومعها واشنطون قاومتا كل فكرة للجلاء عن “دييغو غارسيا” أو منحها حق تقرير مصيرها. ولعل ما ساعدهما على ذلك عدم وجود أية مقومات لقيام كيان مستقل، ولا سيما السكان الذين لا يزيد عددهم في أفضل الأحوال عن 4500 فرد شاملا عوائلهم وأطفالهم. وهؤلاء لئن رفعوا دعاوي ضد لندن أمام المحاكم البريطانية في السنوات الأخيرة، فإن مطالبهم لم تتجاوز حق العودة إلى الأراضي التي هجروا منها بالقوة، والحصول على تعويضات مالية مجزية على ما فرض عليهم من تهجير قسري و على ما تم فرضه على بلادهم من دور عسكري لا يحبذونه، خصوصا وأن هذا الدور يقتضي جعل الجزيرة أراضي مغلقة أمام وسائل المواصلات المدنية والسياحة والاستثمارات الأجنبية، بل ويجعلها أيضا سجنا سريا للمخابرات المركزية الأمريكية على نحو ما تردد بعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تبعها من حروب وإجراءات مشددة ضد الإرهاب والإرهابيين.
وربما لولا تحرك نواب المعارضة البريطانية مؤخرا لمساءلة حكومة حزب العمال عن دورها في حربي أفغانستان والعراق، و تركها الحبل على الغارب للأمريكيين ليتصرفوا كما يريدون إنطلاقا من أرض يفترض أن السيادة فيها لبريطانيا العظمى، لما تحمس أبناء “دييغو غارسيا” لمطالبهم، ولما تولد لديهم بصيص أمل في إحتمال إنصافهم.
والحقيقة أن أول من سلط الضؤ على قضية مواطني “دييغو غارسيا” هو الأنثروبولوجي الأمريكي اليساري “ديفيد فاين” في كتابه الموسوم “جزيرة العار: تبادل للرأي حول دييغو غارسيا”، الصادر في عام 2009 ، والذي يتحدث فيه المؤلف بإسهاب عما يصفه بالمؤامرة الأمريكية – البريطانية لتصفية سكان “دييغو غارسيا” الأصليين عبر تهجيرهم إلى موريشوس وسيشيل، ليعيشوا هناك في فقر وعوز حتى هذه الساعة، وذلك من أجل تحويل أراضيهم إلى قواعد عسكرية حصينة تضمن بواسطتها البلدان (بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية) هيمنتهما على العالم. ويفصح المؤلف عن مواقفه اليسارية حينما يصف ما حدث للجزيرة وأبنائها بأنه عملية تحالفت فيها “الإمبريالية مع الرجعية والعنصرية والعسكريتاريا لإعاقة أحلام شعب يرنو إلى التواجد على أرضه ونيل الإستقلال”، ثم حينما يقول في موضع آخر “لقد تحولت جنة إستوائية ذات شواطيء زمردية وأشجار جوز هند باسقة إلى مخلب لأجندة العسكرية الأمريكية التوسعية”.
باحث ومحاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية من البحرين
elmadani@batelco.com.bh
دييغو غارسيا.. صاحبة الدور المحوري في حرب الخليج القادمة
اللامنتمي — elsgalaxy@yahoo.com
شكرا كثيرا للأستاذ الكاتب على المقال المهم وأتمنى أن يتواصل العطاء بتنورنا حول ما يستجد في المجالات الحربية الاستراتيجية. والشكر موصول أيضا للشفاف.
دييغو غارسيا.. صاحبة الدور المحوري في حرب الخليج القادمة
نبيل السوري — djvillager2001@yahoo.com
النظام السوري يلعب بكل شيء من أجل بقائه وهاهو يلعب بالنار التي قد تحرق المنطقة. لكن هل يهمه شيء؟ طبعاً لا، وستهتف الجماهير المضللة المخدرة بإسم الوريث بشار، وتنسى له أنه وأبيه قد باعا الجولان والاسكندرون ولن تتعلم هذه الجماهير أبداً وستبقى كالقط الذي يحب خنّاقه