ان ضعف وغياب الطبقة الوسطى هي احد اهم المسائل التي تعلب دورا كبيرا في تراجع العالم العربي. فبلا طبقة وسطى مستقلة فاعلة اقتصاديا وغير معتمدة على الدولة لن يكون هناك نجاح في التقدم والتنمية وضمان الحريات في البلاد العربية . في الحالة العربية لازالت الدول هي التي تقوم بالتنمية، ولازالت الطبقة الوسطى ضعيفة محدودة بحكم كبت الدول لها عبر القوانين التي تحد من نموها او من خلال ملكية الدول لوسائل الانتاج والارض والثروات. فالتنمية وفق الشروط العربية ترتبط حتى الان بوجود الكثير من التلاصق بين الذين يقودون الدولة وبين الذين يسيطرون على الاقتصاد، وفي هذا افساد للتنمية وادخال لها في طريق مسدود لا يختلف عن ذلك الذي دخل فيه الاتحاد السوفياتي قبل سقوطه المفاجئ. ان القول السياسي الشهير ”ان السلطة المطلقة تتحول الى مفسدة مطلقة“ فيه الكثير من الصحة. فكلما ازدادت الصلاحيات لدى الفئات الحاكمة كلما ازدادت نسب الفساد وانتشرت، وهذا بدوره ينعكس على الاستقرار لانه يحد من نمو طبقة وسطى مؤثرة مستقلة وافرة العدد و قوية البنية قادرة على القيام باعباء التنمية وحماية الاستقرار البعيد الامد.
ان الية التغير والتنمية في العالم الواسع وفي الغرب بما فيها الحقوق والحريات والانتقال الى الديمقراطية لم تأتي الا من خلال الطبقات الوسطى الناشئة. هذا ما حصل في اوروبا في القرن الثامن والتاسع عشر. فمن خلال نمو الطبقة الوسطى تم تحديد الفساد وفصله عن احتكار السلطة وتمت بنفس الوقت عملية التوسع في الحريات وتحديد صلاحيات الطبقة الحاكمة من الملوك والرؤساء وتحديد مدد بقائهم في السلطة. فالطبقة الوسطى لتحد من الفساد في الدولة ولكي تحمي استثماراتها ولتضع قوتها في خدمة مشروع التنمية احتاجت في التاريخ الانساني الى ضمانات لحرية الرأي والمعرفة والانتقال والتجارة ووضوح الادارة والشفافية. ان تحديد صلاحيات الملوك والرؤساء والامراء في ظل قوانين واضحة ودساتير وحقوق وواجبات في ظل حماية مشروع الطبقات الوسطى الصاعدة هو الذي اتى بالتجديد والنمو والتنمية والادارة الحديثة والمستقبل الواعد والجامعات المتقدمة والمرافق العلمية والطبية والبحثية الواعدة في الغرب. هذه كانت احد اهم اسس نمو الرأسمالية و الديمقراطية.
ويختلف الامر في العالم العربي، فاصحاب السلطة في الدول العربية هم شركاء الشركات، بل يصعب على الكثير من الشركات والاستثمارات العمل في الكثير من الدول العربية بلا شريك قوي يكون احد اركان السلطة والحكم. كانت اول الضربات الموجهة للطبقة العربية الوسطى الصاعدة في زمن القومية العربية والناصرية عندما انتشرت سياسة التأميم في معظم الدول العربية. كما ووجهت لهذه الطبقة الوسطى ضربة قاسية عندما حولتها الدولة الى طبقة تعتمد على الدولة وعقودها مما حد من نموها المستقل. بل يمكن القول ان النفط تحول لاحد اكبر العوامل التي تحد من نمو هذه الطبقة، وذلك من خلال سيطرة الدول على الانتاج والثروات مما احبط المجتمع وحوله الى موقع استهلاك لا انتاج وموقع اعتماد لا استقلالية. من هنا ضعف العرب في كافة مجالات العلم والانتاج والمؤسسات. ولم تكن عملية بروز مفكرين كبار مثل طه حسين، وعباس محمود العقاد، ومغنين ومغنيات مثل عبد الحليم حافظ وام كلثوم وعشرات غيرهم في ذلك الزمن السابق سوى تعبير عن نمو الطبقات الوسطى المستقلة ومطالبها. لكن تللك التجارب لم تصمد امام سطوة الدولة.
وقد اضاف الى صعوبة نمو طبقات وسطى عربية ان الدولة في البلاد العربية ظلت اسيرة العلاقة المبهمة والصعبة بين الدولة والاسرة المسيطرة. لا يوجد دولة عربية واحدة بما فيها الدول الجمهورية الا والعلاقة بين الاسرة والدولة في إلتصاق كما يلتصق طفل بامه. فالعرب لازالوا في مرحلة الطفولة السياسية بسبب هذا الالتصاق، وهذا يحد من نموهم. وبينما يمكن القول بأن هذا الالتصاق كان في السابق اصل نشوء جميع الدول وانه لا ضرر من وجوده في مرحلة، لكن الدول العربية تأخرت في عملية الفصل. لقد فصلت الدول الغربية ومعظم لدول العالم بين الاسرة والدولة كما وفصلت بين الطائفة والدولة، وهذا سمح لتطور الدول ونموها وتنميتها بصفتها حامية البلاد والوعاء الاساسي للتنمية والمستقبل.
في الصين علي سبيل المثال الدولة هي الدولة وهي فوق الجميع وهي ليست ملك لاسرة او فئة، وان كانت تحت سيطرة الحزب الشيوعي. لكن في الصين الدولة تزداد انفتاحا نسبة للحزبية الضيقة التي سيطرت على الصين في السابق، مع الوقت تنمو طيقة صينية وسطى تأتي من اصول شعبية تحترم ذاتها ولديها رؤية ومطالب سياسية وتريد حريات اكبر وحقوق وشفافية ومحاسبة تسمح بادامة التنمية. سيكون هذا احد اهم عناصر تحول الصين الى الديمقراطية في المستقبل. اما في الغرب كما في سنغافوره واليابان واسيا بل وفي امريكا اللاتينية فالدولة اعلى من الجميع واعلى من الملوك والامراء والرؤساء ولديها طبقة حرة وسطى قادرة على المشاركة والشراكة وبناء المستقبل..
ان دعوات الاصلاح في اكثر من دولة عربية قد تنجح في اخذ العالم العربي نحو افق جديد في مجال نمو الدولة كقوة فوق كل القوى والعائلات والطوائف والقبائل والاعراق. في ظل غياب الطبقة الوسطى تتلاعب السلطات بالمستقبل، فتارة يصبح الدين والدولة شيئ واحد، وتارة تتحول الدولة الي اسرة من خمسة افراد، وتارة تتفكك، وتارة يصعد الارهاب بين الفئات المستثناة وتارة يعم العنف والحروب الاهلية والغضب الاصولي وتارة ترتفع نسب الهجرة الى بلاد اخرى. ان المفتاح في المستقبل كان وسيبقى في مدى المقدرة على نمو قوى الطبقة الوسطى المستقلة ذات الحس المستقبلي. هذا مفتاح الاصلاح المرحلة القادمة.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.
الطبقة الوسطى لدى العرب: مفتاح النهضة الغائب
النظام السوري المافياوي سحق الطبقة الوسطى ودمرها وجعل الشعب يلهث وراء اللقمة من ذلك قطع الكهرباء والماء كل يوم وتدني الرواتب لنشر الرشوة بالاجبار ونشر المافيات المخابراتية لكي يخاف الانسان من اخيه الانسان في الوطن ولا ينتج ونشر ودعم الميليشيات الايرانية لكي ايران تستعمر المنطقة بحيلة ال البيت والمقاومة والممانعة يالها من كوارث دمرت الشعب السوري وهجرت مفكريه وصحفيه والكوادر العلميه.