نظمت قوى الرابع عشر من اذار ندوتها الأولى في أوتيل “le Gabriel”- الأشرفية تحت عنوان “حماية لبنان مسؤولية وطنية وعربية ودولية” وذلك استكمالا لمقررات المؤتمر الثالث لقوى 14 آذار في البريستول.
وقدم عضو الأمانة العامة سمير فرنجية رؤيته في هذا المجال التي ارتكز فيها على النقاط التالية: أولا الخطر الخارجي وأزمة الصراع العربي-الإسرائيلي. والثانية ازمة الملف النووي الإيراني وسعي إيران إلى توسيع نفوذها على حساب المنطقة العربية.
ثم طرح الرؤية التي تقوم عليها خطة النقاط السبع لحماية لبنان والتي تستند إلى نهج الوقاية والتحصين وسد الذرائع وتفعيل مصادر الحماية العربية والدولية، مقابل نهج استدراج الحرب وإخراج لبنان من سربه العربي ومن تحت المظلة الدولية.
كلمة عضو الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار النائب السابق سمير فرنجية :
مبادرة قوى 14 آذار لحماية لبنان
حماية لبنان مسؤولية وطنية وعربية ودولية
تذكير ومفارقة:
أوائل السنة الماضية، ورغم حرب “غزة” التدميرية، سَرَت موجةٌ من التفاؤل بخصوص لبنان. فقد استطعنا أن نتجنّب التورُّط العبثيّ في تلك الحرب، بفضل سياسة حكيمة ارتكزت إلى قوة القرار الدولي 1701. بعد ذلك سمعنا الكثير من المواقف الدولية والعربية التي أجمعت على الأهمية القصوى لحماية استقرار لبنان السيّد المستقل، بوصفه قد بات بوابة السلام في المنطقة. وقد ذهب التفاؤل ببعض المتحدّثين إلى حدّ التوقُّع بأن تكون سنة 2009 سنةَ البداية الفعلية لسلام المنطقة. بطبيعة الحال، استند هذا التوقُّع إلى معطيات أساسية كان أبرزَها وصولُ باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة وهجومُه السلمي غير المسبوق بخصوص القضية الفلسطينية، مقترناً بخطابِ مصالحةٍ مع الشعوب العربية والإسلامية (خطاب جامعة القاهرة).
بعد نحو سنة، نحن اليوم أمام صورة معكوسة: بوابةُ السلام مرشَّحة بقوة لأن تكون “مقبرة السلام”! هذا ما يَعِدُنا به شعاران متقابلان، ولكنهما يتقاطعان عند حتمية الحرب وتدمير لبنان:
• شعار إسرائيل: “الحرب المقبلة ستدمّر لبنان بأكمله”!
• شعار إيران: “الحرب المقبلة ستدمّر إسرائيل، إنطلاقاً من لبنان”!
لم يسبق لمقولة “لبنان الورقة والساحة” أن تحدثت بهذه اللغة الوقحة وغير المواربة.
الخطر الخارجي:
لم يعد خافياً أن هذا الخطر المصيري على لبنان إنما يتقدم بخطى متسارعة على خلفية أزمتين متفاقمتين ومتداخلتين:
• أزمة الصراع العربي– الإسرائيلي، نتيجة امتناع إسرائيل عن إلتزام التسوية المقبولة لهذا الصراع، على قواعدَ ارتضتها الشرعيات العربية والدولية جميعاً؛ وهي: الأرض مقابل السلام / حلٌّ الدولتين في فلسطين / ومبادرة السلام العربية. لم تمتنع إسرائيل عن الإستجابة لنداء السلام فحسب، بل تمادت قيادتُها السياسية في قطع الطريق عليه، من خلال تماديها في سياسات الإستيطان والتهويد، وتقديمها مشروع الحرب مع إيران على مشروع التسوية مع الفلسطينيين والعرب، حتى دخلت في أزمةٍ حادّة مع حلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
• أزمة الملف النووي الإيراني، وسعيُ إيران لتوسيع نفوذها الإقليمي على حساب المنطقة العربية ومصالحها الحيوية. وقد تمادت القيادة الإيرانية في هذا الإتجاه أيضاً، بحيث عيّنت نفسها قائدةً للجانب العربي في المواجهة مع إسرائيل، على قاعدة “الفراغ العربي”، ومن أجل “شرق أوسط إسلامي” بقيادتها لا وجود فيه لإسرائيل ولا لنظام المصلحة العربية.
في وثيقة المؤتمر الأول لقوى 14 آذار عام 2008، أشرنا إلى هذا التقاطع الموضوعي الإسرائيلي– الإيراني على حساب المنطقة العربية، كما أشرنا إلى اشتراكهما في تعميم “ثقافة العنف والفصل” مقابل “ثقافة السلام والوصل”. إن المشهد الراهن، في لبنان ومن حوله، يعزّز قناعتنا تلك بأن خلافنا الجوهري مع قوى 8 آذار إنما هو خلاف حول خيارات ثقافية تستتبع خيارات وطنية وسياسية متباينة.
هذه القراءة للخطر الخارجي تشكل إحدى خلفيتين أساسيتين لمبادرة قوى 14 آذار الأخيرة حول “حماية لبنان”.
الخطر الداخلي:
الخلفية الثانية للمبادرة داخلية، وتتمثّل في ثلاث مشكلات أساسية تُضاعف الخطر الخارجي:
1. وجود قرار الحرب والسلم خارج السلطة الشرعية الممثلة لجميع اللبنانيين والمسؤولة عن حمايتهم جميعاً.
2. إنبعاث نزعات متنامية لتغليب مصلحة الطوائف وأحزابها السياسية على مصلحة الدولة وميثاق العيش المشترك. وقد أدّى ذلك إلى عودة التشكيك في صيغة إتفاق الطائف، وإلى إطلاق بعض الدعوات ذات المنحى الفدرالي، من قبيل “المثالثة” أو إتخاذ تدبير “الدوحة” المؤقت صيغةً دائمة للحكم.
3. تجدّد الخلاف حول قضايا أساسية تمّ التوافق حولها والتوقيع عليها. وأهمها ثلاث: مبادرة السلام العربية، القرارات الدولية المتعلقة بلبنان (لاسيما القرار 1701)، والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. ففي القضية الأولى يدعو فريق 8 آذار إلى التخلي عن المبادرة، معيّناً موقع لبنان داخل محور الممانعة في المنطقة بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وفي القضية الثانية يدعو إلى التحلُّل من قرارات المجتمع الدولي لأنها، في نظره، متواطئة مع إسرائيل. وفي القضية الثالثة يرفض مسبقاً قرارات المحكمة الدولية، واضعاً اللبنانيين أمام معادلة: قبولهم أحكام العدالة الدولية سيؤدي إلى حرب أهلية جديدة!
هذه المشكلات الداخلية الثلاث تُضعِف مناعة لبنان، دولةً وشعباً، وتُجَرّده من وسائل أساسية لحمايته.
مبادرة 14 آذار لحماية لبنان:
قد لا تكون المبادرة، أو خطة النقاط السبع، وافية وكاملة في بنودها، فهي بالتالي تحتاج إلى تطوير من خلال الحوار الوطني – وهذا هو الهدف الرئيسي لمثل هذا اللقاء.
ما يهمّني الإشارة اليه هو “رؤية المبادرة”:
تقوم هذه الرؤية على نهج (الوقاية) و(سدّ الذرائع) و(التحصين الداخلي) و(تفعيل مصادر الحماية العربية والدولية) في مقابل رؤية اخرى قائمة على نهج “إستدراج الحرب” وإخراج لبنان من سِربه العربي ومن تحت مظلة الشرعية العربية).
من هنا وضعنا المبادرة تحت عنوان “حماية لبنان مسؤولية وطنية وعربية ودولية”:
– ففي ظل التباينات الداخلية، المتصلة بتباينات خارجية معلومة، لا يجوز أن تتجسد المسؤولية الوطنية إلا في الدولة، وفي الدولة وحدها وهذا ما عبّر عنه البندان (3) و(5)
– وتتجسد المسؤولية العربية في معاهدة الدفاع العربي المشترك والشراكة العربية في مشروع السلام، على قاعدة عدم تحميل لبنان فوق طاقته، مع إستعداده الكامل للقيام بواجبه. والحال كذلك فإن أي إستراتيجية دفاعية لبنانية ينبغي أن تأخذ بعين الإعتبار الخيار العربي العام في مسألة الحرب والسلم، على قاعدة التكافل والتضامن. فالمزايدة اللبنانية في هذا المجال تضرّ ولا تنفع (البند 6).
– أما المسؤولية الدولية فتتجسّد في القرار 1701 بكافة مندرجاته ووسائله.
إإضافة الى ذلك، فإن الحديث عن حماية لبنان من الحرب لا يستقيم إلا في إطار الدفاع عن خيار السلام العادل في المنطقة، وفي إطار الجهود المبذولة عربياً ودولياً من أجل هذا السلام. وأعتقد أن هذه القناعة موجودة أيضاً في خلفية المبادرة التي نحن اليوم في صدد مناقشتها.
أخيراً، يطرح الحوار حول حماية لبنان عدداً من الأسئلة حول استعداد الفريق الآخر، لتجاوز طروحاته:
– فهل يستطيع هذا الفريق التوفيقَ، ولو بالحد الأدنى، بين متطلبات انتمائه الى “معسكر الممانعة” وبين حماية لبنان؟ الكلام الصادر مؤخراً ( 18/3/2010) عن الأمين العام المساعد لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم (“أي ضربة لايران تشعل المنطقة”) قد لا يشير الى وجود مثل هذه الامكانية، علماً بأن ايران لم تعتبر نفسها ملزمة أثناء حرب تموز 2006 وحرب غزة بمساعدة لبنان وفلسطين عسكرياً.
– هل يستطيع هذا الفريق أن يلتزم كما فعل أثناء حرب غزة بالقرارات الدولية، لا سيما القرار 1701، وأن يشارك في تأمين الحماية المطلوبة للبلاد؟ إن الموقف الأخير للرئيس عمر كرامي لا يشير الى ذلك. فهو قال في 20/3/2010: “ليس على عشاق الأمم المتحدة سوى أن يبلّوا القرارات ويشربوا ماءها”.
– ما هو مدى التزام هذا الفريق بالمواقف التي أعلنتها سوريا على لسان رئيسها (24/3/2010)، والكل يعلم موقع سوريا المميز في معسكر الممانعة؟ من هذه المواقف: رفضها اعلان حرب تحريرية على اسرائيل وتمسكها بخيار السلام، دعم وتفعيل المبادرة العربية للسلام باعتبارها تحقق مصلحة العرب، اعتبار الدور الاميركي في رعاية عملية السلام أمراً أساسياً…
– أخيراً ألم يحن الوقت لحوار صريح حول هذه المسائل والبحث عن تسوية جدية تحمي لبنان وتعيد وصل ما انقطع بين اللبنانيين؟
*
وبعد كلمة فرنجية دار نقاش على مدى نحو ساعتين حول خطة النقاط السبع ومداخلة فرنجية. وقد تقاطعت المداخلات على مسألة أساسية هي أن حماية لبنان هي أكثر من تقنية وتدخل في صلب أطروحة متكاملة حول معنى لبنان ودوره. وتحت هذا العنوان الأخير تم التوافق على لقاء آخر يستوفيه بحثا.
يذكر أن “ندوة 14” آذار ستنظم ندوة دورية كل 15 يوما حول مختلف الموضوعات السياسية والوطنية.