في الأشهر التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية المتنافس عليها في يونيو 2009، برزت قوة مقاومة «الباسيج» كإحدى ركائز الدعم الرئيسية للنظام ضد حركة الديمقراطية. إلا أنه على المدى الطويل لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت الميليشيا قادرة على تحقيق الهيمنة في حرب مطولة ضد معارضة مستمرة.
الخلفية
في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، دعا آية الله روح الله الخميني إلى إنشاء “جيش من عشرين مليون رجل”. ومن الناحية العملية، فإن المادة 151 من الدستور الإيراني ألزمت الحكومة “بتوفير برنامج التدريب العسكري، مع كل المرافق اللازمة، لجميع مواطنيها.” وعلى هذا الأساس، أسس النظام قوة «الباسيج» (التي تعني “التعبئة”) في عام 1980.
وفي أعقاب الغزو العراقي لإيران في سبتمبر 1980، بدأت قوة «الباسيج» الوليدة في تعبئة المتطوعين. وقد وصل الجهد إلى ذروته في ديسمبر 1986، عندما كان مائة ألف متطوع على الجبهة. ووفق العدد الصادر في 8 مايو 2007 عن جريدة طهران اليومية “إيران”، قامت الميليشيا بتعبئة مليوني شخص أثناء الحرب، رغم أن ربعهم فقط خدم في الجبهة. كما ساهمت قوة «الباسيج» في الأمن الداخلي من خلال تسيير دوريات في المدن إلى جانب القيام بدور شرطة أخلاقية.
وفي 3 نوفمبر 1992 – عندما كانت الإصلاحات الاقتصادية تثير اضطرابات في المناطق الحضرية بين الفقراء الذين يعيشون في ضواحي المدن الرئيسية – قنّن البرلمان الإيراني الأنشطة الشُرطية التي تقوم بها قوات «الباسيج». وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، استدعى النظام مرة أخرى الميليشيا من أجل قمع المتظاهرين الذين يدعون إلى التحرر السياسي.
كما انخرطت «الباسيج» بشكل متزايد في النشاط الاقتصادي. فقد اضطلعت بصفة تدريجية بدور “وزارة الجهاد الزراعي” غير الموجودة حالياً، وهي النظير التنظيمي “الثوري” لوزارة الزراعة. كما أنها سيطرت على أعمال الصلب في “يزد” منذ عام 2001 و”مصنع جرارات تبريز” منذ أبريل 2009. وبالإضافة إلى ذلك، مكَّنت المؤسسات المالية لـ«الباسيج» الأعضاء من استغلال سوق الإسكان المُربح.
بنية «الباسيج»
وفقا للنظام الأساسي لـ«الباسيج»، كل مدينة في إيران – تبعا لحجمها وعدد سكانها – مُقسمة إلى “نطاقات مقاومة”، مُقسمة هي الأخرى بدورها إلى “مناطق مقاومة” و”قواعد مقاومة” و”مجموعات فرعية”. أما المدن الأصغر والضواحي والقرى فتشمل “خلايا للمقاومة”. توضح بنية «الباسيج» في إيران هذه الاستراتيجية.
فوفق العدد الصادر عن جريدة “صبح صادق” في 20 يناير 2003، فإن المنطقة الرئيسية مُقسمة إلى منطقتي مقاومة: مقاطعة طهران التي تنقسم إلى ثلاثة مناطق مقاومة (شميرانات وری واسلامشهر)، ومدينة طهران المُقسمة إلى أربعة مناطق مقاومة (منطقة شمال غرب القدس، ومنطقة جنوب غرب أبوزار ومنطقة شمال شرق شهيد بهشتی ومنطقة «الباسيج» للطلاب مع قيادة مستقلة). هذه البنية الأساسية تم إدراجها في ما يسمى بـ”العقيدة الموسوية” لـ«فيلق الحرس الثوري الإسلامي». وقد أدت هذه العقيدة، التي تم تصورها في صيف 2008، إلى دمج «الباسيج» في الهيكل الإقليمي لـ«فيلق الحرس الثوري الإسلامي». وعلى وجه التحديد، فإن «الحرس» و«الباسيج» مُقسمين إلى واحد وثلاثين وحدة: وحدة واحدة في كل محافظة ووحدتين لمنطقة طهران (واحدة لطهران الكبرى، وواحدة لمدينة طهران).
وبدلاً من أن يكون لها قواعد مستقلة، فإن التنظيم الفعلي لقوات «الباسيج» يكون في المساجد والمكاتب الإدارية الحكومية والمصانع والمؤسسات التعليمية. وهذا العامل وغيره يجعل من المستحيل تحديد العدد الدقيق لقوات «الباسيج». وهناك مكوّنان رئيسيان للميليشيا يسميان “كتائب عاشوراء” للأعضاء من الذكور و”كتائب الزهراء” للأعضاء من الإناث، تأسسا في الفترة من 1992 إلى 1993 تقريباً لقمع الانتفاضات الحضرية. وحسب أحد التقارير، هناك 2500 كتيبة مماثلة يضم كل منها من 300 إلى 350 عضوا مسلحاً. كما يصعب تقرير كم من الأعضاء انضم إلى «الباسيج» لأسباب إيديولوجية وكم منهم انضم لأسباب انتهازية – إذ من المرجح أن تكون الأخيرة هي الأكثر عرضة للخلل.
يبدو أن للميليشيا ثلاث مستويات للعضوية: «الباسيج» العادية، «الباسيج» بالموقع، و«الباسيج» الخاص أو الحرس الشرفي. وفقا لقانون “لائحة العمل لحرس الثورة الإسلامية” الذي أقره البرلمان في 13 أكتوبر 1991، فإن أعضاء «الباسيج» بالموقع و«الباسيج» الخاص يتلقون رواتبهم من «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». يتلقى أعضاء «الباسيج» بالموقع أجرا مقابل الوقت الذي يقضونه في مشاريع محددة – أربعة ملايين ريال أو 400 دولار يومياً وفق بعض المصادر، وهو ما يزيد عن الراتب الشهري للمُعلم. وأعضاء «الباسيج» الخاص هم موظفون بدوام كامل ويتلقون راتباً شهرياً. كما يُمكن إلحاق أعضاء وحدات «الباسيج» في المناطق بفروع خاصة، مثل «الباسيج» العمالية و«الباسيج» الطلابية، والتي تأسست لتوفير التوازن مع منظمات المجتمع المدني المناظرة.
تتم عملية التوظيف في «الباسيج» تحت إشراف “رجال الدين للأحياء والمواطنين المؤتمنين والجمعيات الشرعية في الأحياء”، وفقا للنظام الرسمي للباسيج. وبمعنى آخر، فإن المسجد المحلي الذي يقع فيه مركز «الباسيج» يتمتع بالقول الفصل في قبول المتقدمين للجناح المسلح في الميليشيا. كما يتم توظيف أعضاء هذا الجناح للخدمة والعضوية الكاملة في «فيلق الحرس الثوري الإسلامي». أما الفروع الأخرى، مثل «الباسيج» الطلابية، فيرجح أنها تتبع سياسات تجنيد أقل تقييداً، وحتى لو كان الغرض الوحيد من ذلك هو تقديم إحصائيات في تزايد مستمر للجهات العليا.
آثار انتخابات يونيو
كان أداء قوات «الباسيج» منذ 12 يونيو 2009 متبايناً. على الرغم من أنها نجحت في قمع مظاهرات الشوارع في المحافظات بمساعدة قوات إنفاذ القانون، إلا أن الحفاظ على النظام في المراكز الحضرية الرئيسية كان أكثر صعوبة، لا سيماً في طهران.
وحسب ما قاله عبد الله أراجي، قائد «الحرس الثوري في طهران»، توقعت قيادة «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» اضطرابات ما بعد الانتخابات وأمرت بإسناد جميع الجهود الأمنية في العاصمة إلى «الحرس» و«الباسيج». إلا أنه في 15 يونيو، أطلق أعضاء «الباسيج» النار وقتلوا متظاهرين في ساحة “آزادي” بينما كانوا يشقون طريقهم إلى محطة الميليشيا المحلية. ومن 22 يونيو وما بعدها، لم تشكل “الباسيج» سوى أقلية من القوات التي تقمع المتظاهرين، وربما كان ذلك رداً على الاحتجاجات على حالات القتل وعدم قدرة «الباسيج» على ردع المظاهرات العامة.
كما واجهت قوات «الباسيج» الطلابية تحديا خلال احتجاجات يوم الطلاب في 8 ديسمبر، حيث لم تتمكن من قمع المنشقين في الحرم الجامعي بطهران وشيراز وتبريز. وهذه الهزيمة هي الأكثر لفتاً للأنظار عندما ينظر المرء إلى أن قوات «الباسيج» الطلابية قد قامت بتعبئة آلاف الأعضاء غير المنتسبين إلى الجامعات لتلك المواجهة. وفي نفس الشهر، كانت أيام عاشوراء كارثة أخرى على «الباسيج» في طهران. وكما اعترف العميد علي فضلي، تعيّن على «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» تعبئة أعضاء الميليشيا من ضواحي العاصمة وحتى من أقاليم أخرى من أجل قمع الاضطراب.
وهناك مؤشرات على أن قيادة النظام لم تكن راضية عن أداء «الباسيج». ففي 2 أكتوبر، تمت إقالة “حجة الإسلام حسين طائب” من منصب قيادة «الباسيج»، وفي 5 أكتوبر، تم دمج الميليشيا بصفة رسمية في القوات البرية التابعة للحرس الثوري، مع تعيين “العميد محمد رضا نقدي” رئيساً جديداً.
التداعيات
سيشكل ضعف «الباسيج» مشكلة خطيرة في حالة أصبح النظام الإيراني محاصرا. إذ لن يتمكن الجيش النظامي من النهوض بالمسؤولية: فإلى جانب عدم تدخله سياسياً، فإنه موجود في حاميات على طول الحدود، بعيداً عن المراكز الحضرية الرئيسية. وفي غضون ذلك، أظهرت قوات تنفيذ القانون أداء متبايناً في معارك الشوارع مع المتظاهرين، كما أن ما يُسمى “بجماعات الضغط” (على سبيل المثال، “منظمة أنصار حزب الله”) فهي غير منضبطة للعمل المنسق. ومن الناحية النظرية، قد يكون «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» بمثابة العمود الفقري للنظام في وقت الشدة، لكن قد يكون العديد من أعضائه البالغ عددهم 125000 رجلاً من المجندين العسكريين، مما يثير الأسئلة حول كيفية تصرفهم في حالة إرسالهم إلى الشوارع. وكانت المرة الأخيرة التي تلقى فيها أفراد «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» أوامر بالتحرك ضد المتظاهرين في قزوين في عام 1994، وفي حينه رفضت الوحدة المعنية القيام بذلك.
علي الفونيه هو زميل أبحاث زائر في معهد أمريكان إنتربرايز.