تثير سلسلة من التطورات الاخيرة تساؤلات حول منطلقات الامن الاسرائيلية والتي اعتمدتها إسرائيل منذ نشوئها. فمنذ بدايتها قامت اسرائيل على عقيدة أمنية تفرض على محيطها ان يتراجع امامها بسبب تفوقها العسكري ومقدرتها على نقل الحرب الى المناطق العربية. هذا اساس معظم حروب اسرائيل مع العرب. اما الاساس الثاني فهو الالتصاق بدولة كبرى فتتحول إسرائيل الى حامي مصالح تلك الدولة وقوة ضاربة بأسمها. في البداية تحالفت اسرائيل مع بريطانيا ثم مع فرنسا واخيرا مع الولايات المتحدة خاصة بعد حرب ١٩٦٧. ان قلة عدد سكان أسرائيل نسبة لعدد سكان العالم العربي جعل اسرائيل تؤمن بأستخدام القوة المفرطة في التعامل مع العالم العربي. لكن هناك تغيرات تجعل هذه العقيدة بصورتها القديمة في مأزق.
ان العقيدة الاسرائيلية الامنية هي التي تعود وتساهم في اضعاف اسرائيل. فمن فرط استخدام القوة وشن الحروب برزت في العالم العربي قوى اكثر تشددا واكثر استعدادا للتمادي في المواجهة مع اسرائيل. هكذا يسير العالم العربي كما رأينا في حرب غزة في ٢٠٠٩ وفي الحرب ضد حزب الله في ٢٠٠٦ نحو نمط من المواجهة اكثر جذرية و عنفا وقوة. ان استمرار هذا الاتجاه في الساحة المحيطة بإسرائيل وضمن صفوف الشعب الفلسطيني يهدد الاساس الذي تقوم عليه فرضيات الامن الاسرائيلية بل يعرضها للخطر. الشعب الفلسطيني من جهة والشعوب المحيطة بأسرائيل من جهة اخرى في طريقها لموجة جديدة من المواجهة وذلك في ظل استمرار اسرائيل في استيطانها وتوسعها واهانتها للعالم العربي والاسلامي من خلال تهويد القدس. وقد يفرض هذا الوضع على اسرائيل سعيا لخيار الحرب وذلك في محاولة منها لاستعادة سطوتها الاقليمية وقدرتها على اخافة الدول والمجتمعات المحيطة. سيكون من الافضل ان تسعي اسرائيل باتجاه تسوية حقيقية وعادلة. لكن هذا ليس مطروحا في هذه المرحلة.
ويعتمد الامن الاسرائيلي على عوامل اخرى. فأحد اهم اسس الامن الاسرائيلي منذ حرب ١٩٦٧ هو الاعتماد على الولايات المتحدة كدولة كبرى. فالموقف الامريكي المؤيد لاسرائيل هو جزء لا يتجزأ من أمن اسرائيل. لكن دور الولايات المتحدة ضعف كثيرا في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، و سوف يستمر في التراجع لاسباب كونية واقليمية مرتبطة ببروز الدور الصيني والروسي ودول اخرى. لقد دخلت الولايات المتحدة بنزاعات في المنطقة. كما ان اسرائيل تستمر في احراج الولايات المتحدة في مجالات عدة من اهمها الاستيطان وتهويد القدس وانشاء مساكن جديدة للمستوطنين. اضافة الى هذا تنشأ بين اليهود الامريكيين تساؤلات حول تهور السياسة الاسرائيلية. كل هذا يساهم في ضرب بعض اهم مرتكزات الامن الاسرائيلي. ان السياسة الاسرائيلية الاستيطانية والعسكرية تتحول كل يوم الى عبئ على الولايات المتحدة وعلى قواتها الموجودة في العراق وافغانسنات والشرق الاوسط.
ان الضعف الراهن في مرتكزات العقيدة الامنية الاسرائيلية سيجعل اسرائيل تمعن في سياسة اكثر تهورا، بل كلما أقتربت إسرائيل من اكتشاف ضعف مرتكزاتها الامنية كلما ازدادت تهورا ورفضا للتعامل مع الواقع والاعتراف به. هذا واضح في سياسة نتنياهو في فلسطين والقدس كما نجد لهذه السياسة تعبيرا واضحا في عملية دبي الاخيرة وفي سياسة اسرائيل تجاه تركيا. اسرائيل في هذه المرحلة في تخبط. فقيادتها اليمينية ضعيفة انتخابيا، وطريقها لكسب الاصوات في الانتخابات اصبحت تعتمد علي التصعيد والتهور ونشر الكراهية. لهذا تمعن إسرائيل في الاستيطان، وتعلن عنه ابان زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن، وتذهب الى دبي، وتهدد تركيا بسبب مواقفها، وتهدد بشن الحرب على ايران. ان منطقتنا ستهشد الكثير في المرحلة القادمة في جبهات الصراع العربي الاسرائيلي. التاريخ لم ينتهي، بل بالكاد نجده قد بدأ.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت