قد تكون الاجواء الاصلاحية في ايران بلا منازع هي اهم تطور ايجابي في منطقة الشرق الاوسط للعام ٢٠٠٩، هذه الحركة مرشحة للتطور والاغتناء، فهي حركة ديمقراطية تتواصل مع طبيعة المجتمع الايراني التواق للحرية. لكن من جهة اخرى ان التصعيد الذي يقع فجأة بين الحين والاخر حول احتمال توجيه ضربة عسكرية امريكية او ضربة إسرائيلية ( مع الوعي بالفارق بين الاثنين) ضد النووي الايراني يمثل خطورة كبيرة على الحركة الاصلاحية الايرانية و على منطقة الشرق الاوسع. ولو وقعت مواجهة امريكية ايرانية او اسرائيلية ايرانية ستكون الحركة الاصلاحية في ايران رهينة لهذه المواجهة. لقد تعلمنا مع الوقت بأن صراع الداخل والخارج كثيرا ما يسقط الوسط المعتدل بينما يتحول الصراع لتصادم بين اقطاب متنافرة. لو وقعت المواجهة مع ايران ستكون الحركة الاصلاحية الايرانية الخاسر الاول.
وتعلمنا التجارب بأن المشكلة ليست في توجيه الضربة الاولى، بل ان المشكلة الاكبر في ردة الفعل الايرانية التي قد تبقى لشهور يتخللها ارهاب، وقصف صورايخ على قواعد امريكية في منطقة الخليج، وتصعيد في العراق ومناطق اخرى وسيتخلل هذا ارتفاع خطير في اسعار النفط وغيره من الابعاد الاقتصادية. حينها ستضطر الولايات المتحدة للرد، وستبدأ حالة الفعل ورد الفعل في دائرة عنف جديد في منطقة الشرق الاوسط. وعندما تتوقف البنادق والصواريخ بأمكان ايران ان تعلن نفسها منتصرة وبأمكانها ان تضرب بعرض الحائط كل القيود على برنامجها النووي.
وما هو واضح الان بأن توجيه ضربة لايران سيجعل فوضى الارهاب في العالم الاسلامي تنتشر بصورة اكبر في العالمين الشيعي والسني، فالعمل العسكري سيعني تفجير لمنطقة الخليج والعراق وافغانستان و جنوب لبنان وغزة و مناطق اخرى. ولا نعرف في حالة توجيه ضربة امريكية ام اسرائيلية لايران كيف سيكون موقف سوريا، وموقف منظمات وتيارات عديدة في العالم العربي .
من جهة اخرى ان ضربة عسكرية موجهة لايران سوف تحشد الاجواء العربية الشعبية لصالح ايران وذلك بسبب قناعة المجتمعات العربية بأن ضرب ايران يتم بسبب النووي وليس لاسباب اخرى، وسيكون مصدر الاثارة هو غض نظر المجتمع الدولي عن البرامج النووية الاسرائيلية التي لا يتحكم فيها قانون دولي. هذا التناقض بين السياسة الامريكية تجاه اسرائيل النووية وذات السياسة تجاه ايران النووية يزيد من اثارة الجمهور العربي والاسلامي ويساهم في زيادة حدة الغضب في منطقة الشرق الاوسط.
ان وسائل الضغط والتفاوض والعقوبات التي بأمكانها ان تصيب اطراف من النظام الايراني تمارس القمع ضد الشعب الايراني قد تكون الافضل في التعامل مع الوضع الراهن، لكن هذا يجب ان لا يكون بعيدا عن محاولات جادة لجلب ايران الى لعب دور مسؤول والسعي لخلق تسويات معها. فالولايات المتحدة بحاجة لايران للنجاح في كل من افغانستان والعراق ولتأمين خطط الانسحاب من تلك الاوضاع الملتهية.
ان تصريح الرئيس احمدي نجاد منذ اسابيع قليلة يوضح اهداف ايران. فقد اكد نجاد بأن ايران تبحث عن اعتراف بدورها، وانه لا يمكن ان تقع احداث كبرى ومساومات واتفاقات بلا دور لايران .
لهذا يمكن الاستنتاج بأن ايران تبحث، كما تؤكد الكثير من التحاليل والرؤي، عن دور شرعي بنسجم وحجمها. هذا البحث هو اساس مشاغبتها الراهنة واساس تناقض سياساتها الخارجية التي تتأرجح بين التعاون مع الغرب وبين رفضه وبين التعاون مع الولايات المتحدة في العراق وافغانستان وبين عدم التعاون. ايران دولة اقليمية رئيسية بانتظار تسوية تحتمي مصالحها، وهذا يتطلب سياسة امريكية اكثر استعدادا لهذه التسوية. لكن ايران بنفس الوقت تعيش حراكا داخليا كبيرا وفيها مجتمع يقود حركة اصلاحية رئيسية. لنتذكر التاريخ، لقد تغيرت الصين في ظل الانفتاح نحو صين اكثر اعتدالا، وقد سقط الاتحاد السوفياتي في ظل التهدأة في الحرب الباردة وليس في ظل التهديد بضربه وقصفة وتدميره. دروس التاريخ ماثلة امامنا.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت