هنالك فرق بين مطالبات “الحد الأدنى” ومطالبات “الحد الاقصى”. فمطالبات الحد الأقصى تمثـّـل في توجهات الرأي العام الايراني، وحسبما يرى المحللون المتابعون للشأن الايراني إنّ هذه المطالبات تتجسّـد خلال إستخدام الشارع الايراني عبر المظاهرات لشعارات مناهضة للنظام وقادته (Structure breakers) ويساند هذا التوجه معظم الاحزاب والتيارات المعارضة للنظام في الخارج ورغم تأكيدها على الانخراط في التيار الأخضر. والأخرى، أي مطالبات “الحد الادنى”، تتمثل في قيادة “موسوي وكروبي وخاتمي”، وهي تمثـّل شريحة غير قليلة من الشعب الايراني تدعم الاصلاح في النظام ولا تريد تغييره من الداخل. ومن هنا عندما نتحدث عن هذين التيارين لا بدّ من الفصل بين خطابيهما على الرغم من صعوبة هذا الفصل. ويرى البعض أن زمام الامور خرج بالفعل من يد تيار “الحد الادنى” وأصبح الشارع الايراني الذي يدعم مطالبات “الحد الاقصى” هو الذي يمسك بزمام المبادرة وهذا ما نستشفـّه دائماً من تحذير “رفسنجاني” والقادة الخضر لمسؤولي النظام من تغيير مسار اللعبة وتوجهها نحو مطالبات “الحد الاقصى”، ما يعني أن مطالب تغيير النظام هي التي ستسود وسيخسر طرفا النظام ـ الاصلاحي والمحافظ ـ هذه المعركة. وما رأيناه في أخر مظاهرة بطهران وبقية أنحاء إيران في ذكرى عاشوراء خير دليل على ذلك.
عند قراءتنا للواقع الذي تمر به الحركة الخضراء نتلمّس نقطة لا بد منها وهي أنّ الغلبة صارت بيد التيارالاخضر بشقيه ومن خلال الدعم الجماهيري الواسع لها. وذلك يبدو واضحاً من صمود قيادات الحركة مثل “كروبي وموسوي” على وجه التحديد بوجه الضغوط والتهديدات التي تمارس ضدهما والقمع الذي تبديه السلطات ضد مناصريهما. فمبادرة هذين الزعيمين تؤكد صحة إستنتاجنا. ولكن بعد المرونة التي إتسمت بها والتراجع الواضح في مبادرة موسوي الاخيرة (مبادرة رقم 17) والتي سعى بعض الاصلاحيون بالخارج لتعديلها من خلال إضافة مبادرة أخرى (مبادرة خمسة أشخاص، بينهم “كنجي”) رغم إغفال الاخيرة لمطالبات جماهيرية إيرانية كانت قد تجاهلتها أو تعمّدت في تجاهلها مثل مطالبات “الحركة النسوية ” و”مطالبات القوميات أو الشعوب الايرانية،” تبدو مبادرة “كروبي” أكثر إتزانا ً من مبادرة “موسوي” رغم أنها تضم خمسة بنود أيضاً للخروج من الازمة الحالية. ولك، حيث أن كروبي خلال حملته الانتخابية تقدّم بلائحة أكثر إتزاناً من لائحة موسوي الانتخابية- لائحته ضمت مطالبات الشعوب الايرانية وحقها باستخدام لغتها وثقافتها في إطار الدستور الايراني- ورغم أنها تأتي في إطار المطالبات التي تعرف بـ”الحد الأدنى”، إلّا أنها دعمت من قبل تيارات تدعم المطالبات التي تطمح اليها الشعوب الايرانية. ويعود الفضل في ذلك وجود مستشار قوي لـ”كروبي” يدعم هذه المطالبات بكل جدّية، وهو “عماد الدين باقي” والذي يقبع الان في السجن بسبب نشاطه الحقوقي والانساني.
موجز مبادرة كروبي بنقاطها الخمسة:
ـ أولاً :إعتراف المتطاولين على حقوق الشعب وتوبتهم بسبب إنتهاكهم لحقوق المتظاهرين في ذكرى يوم عاشوراء وسيصفح عنهم الشعب.
ـ ثانياً: يجب إصلاح ما جرى من عملية إنحرافية للنظام عن مبادئه الأوليّـة، ووقف الاعتقالات العشوائية وفتح المجال أمام النقد وحرية الصحافة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والحريات التي نص عليها الدستور الايراني ومنحها للشعب.
ـ ثالثاً: تجنّب عمليات العنف وإنعاش الحرية ومقارعة الدكتاتورية. وطالب مناصريه بعدم الوقوع في الفخ الذي وضعته جهات متطرفة لهم بالانجرار نحو العنف.
ـ رابعاً: البحث عن الاسباب الرئيسية للأحداث الاخيرة وليس أخذ الاعترافات عنوة من الناشطين السياسيين. وطالب القوى الامنية مؤكداً أنه لو حدث عنف من قبل الشعب يعتبر ردة فعل طبيعية تجاه العنف الذي تمارسه تلك السلطات مطالباً تلك القوى بالتعرف الحقيقي عما جرى بعد الانتخابات من أحداث مؤكداً أن العملية الانتخابية كانت نقطة بداية نحو تجاهل صوت الشعب وحقه المشروع.
ـ خامساً: يبدي إستعداده لمناظرة مفتوحة مع الدولة أو ممثليها ليظهر لهم كم تعرّض النظام للانحراف وليكشف عن من يقف وراء هذه الانحرافيّة ومن هو على حق وصواب، النظام أم الجركة الخضراء.
إذن، مبادرة كروبي تتضمّن عدم إعترف بالحكومة التي يقودها نجاد وإصرار على أن هذه الحكومة جاءت بفعل تزوير. وهو يرفض شرعيتها ويؤكد على عدم شرعية ما قامت به من ممارسات عنف ضد المتظاهرين ويتحدى النظام إذا كان قوياً كما يدعي ليفتح الباب أمام مناظرة له ولمن يمثل التيار الاخضر ليثبت أن الثورة قد صودرت من قبل مجموعة تحكم باسم الشعب لكنها مفروضة على إرادة هذا الشعب ولا تؤمن بحقوق هذا الشعب الذي تسيطر عليه بالقوة. وأنها صادرت مبادئ الثورة الاوّلية التي حملت شعارات لا تتطابق وممارسات هذا النظام طيلة الثلاثة عقود التي حكم فيها، وخاصة العقد الاخير من عمر الجمهورية الاسلامية حسبما يرى كروبي وعبر مطالبته الواضحة بالاحتكام لالدستور رغم الاشكالات العديدة الواردة في هذا الدستور.
falahiya25@yahoo.com
* طهران
* محمد علي فلاحية صحفي إيراني ومعتقل سياسي سابق أطلق سراحه قبل أسابيع قليلة